رسخ في أذهان اللبنانيين والعرب عموماً أن النائب وليد جنبلاط يمتاز بالمواقف المتقلبة ولا يرى ضررا في تغيير مواقفه والانتقال من ضفة إلى ضفة في مراحل معينة. ساعد على ترسيخ هذا التصور والفهم إلى جانب المواقف المتقلبة فعلاً للنائب وليد جنبلاط الحملة الاعلامية التي أطلقها سابقاً ويطلقها حالياً إعلام حزب الله والاعلام الحليف له. ولكن الحقيقة هي أن جنبلاط ليس الوحيد الذي يتقلب في مواقفه، بل حزب الله أيضاً.
هنا نتوقف عند بعض المواقف التي يبرز فيها حزب الله تناقضه بل وتقلبه..
لقد طالب نصرالله مراراً وتكراراً بإعدام العملاء. ولكن عندما تم اعتقال فايز كرم المدان بالعمالة لاسرائيل وهو من قادة تيار ميشال عون لم يعد حزب الله يطالب بإعدام العملاء حتى انه رضي بالحكم المخفف الذي أنزل به رغم الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل نتيجة المعلومات التي زودها بها.
وعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري والمواقف المتقدمة التي اتخذها النائب وليد جنبلاظ حينها والتي اسست فعلاً لثورة شعبية ضد الوجود السوري في لبنان، شن حزب الله حملة قوية ضد النائب جنبلاط ورفعت صوره في مهرجان لحزب الله في النبطية في الجنوب على شاكلة حاخام إسرائيلي. ولكن عند الاستحقاق الانتخابي الذي جرى في عام 2005، أي بعد أسابيع، إبان حكومة الرئيس ميقاتي الأولى، وافق حزب الله بل انخرط في الحلف الرباعي إلى جانب جنبلاط وتيار المستقبل وحركة امل. فكيف يتحالف حزب الله مع نائب أو زعيم متهم بأنه حاخام إسرائيلي؟
كما خاض حزب الله الانتخابات ملتزماً القانون الانتخابي على اساس المحافظات. ولكن خلال مؤتمر الدوحة والتزاماً برغبة ميشال عون قبل حزب الله خوض الانتخابات تحت سقف القانون الانتخابي لعام 1960. ولما فشل حزب الله في الهيمنة على نتائج الانتخاب، عاد ليتحدث وحليفه بري عن ضرورة الالتزام بقانون النسبية والدوائر الكبرى أي المحافظات او لبنان دائرة واحدة، إلى ان تم الاتفاق فيما بينهما على تقديم قانون انتخابي على اساس الدوائر الكبرى وتم تقسيم لبنان لدوائر تتناسب مع رغبتهما في احتلال لبنان والسيطرة عليه.
كلما التقى مسؤول سياسي بقائد القوات اللبنانية ينتفض إعلام حزب الله والموالي له لشن حملة عنيفة على سمير جعجع مذكراً بمجزرة صبرا وشاتيلا واغتيال الزعيم الوطني الرئيس رشيد كرامي. ولكن حزب الله يتجاهل او ينسى وربما يتناسى لائحة مرشحي منطقة بعبدا الانتخابية واللائحة التي رأسها النائب الراحل إدمون نعيم، رئيس اللائحة حينها ومرشح القوات اللبنانية والتي أعلنت بمباركة حسن نصرالله بعد ان استقبل أعضاء اللائحة. ويتجاهل حزب الله اسم النائب الراحل إيلي حبيقة المتهم الرئيس بمجزرة صبرا وشاتيلا بموجب التصريحات الإسرائيلية ولكن التحالف معه من قبل حزب الله كان لزاماً نظراً لتحالف حبيقة مع النظام السوري لدرجة تدفع حزب الله لتجاهل دوره في مجزرة صبرا وشاتيلا.
ويروي أحد السياسيين أنه وخلال لقاء مع السيد نصرالله في حزيران/يونيو من عام 2006، وعند سؤاله من قبل احد الحاضرين عن سبب خلافه مع تيار المستقبل، أجاب بأن التحالف او التفاهم مع تيار المستقبل يستدعي تخلي هذا التيار عن تحالفه مع وليد جنبلاط لأنه يسعى لاثارة فتنة طائفية بين السنة والشيعة. فإذا بحزب الله يتحالف مع وليد جنبلاط في اسقاط حكومة الحريري وتكليف ميقاتي وتشكيل حكومة جديدة. ويشيد نواب وقادة حزب الله بفهم جنبلاط وسعة أفقه وبعد نظره وإدراكه لدور المقاومة في التحرير وحماية لبنان ورؤيته الاستراتيجية. وكان تلفزيون المنار وخلال عام 2008، قد شن حملة عسكرية ضد الجبل الذي يتزعمه وليد جنبلاط، ونشر صور وأفلام تثبت تعاون النائب الجنبلاطي أكرم شهيب مع المحتل الإسرائيلي إبان فترة الاحتلال. ثم يعود نصرالله ويجتمع مراراً وتكراراً مع النائب جنبلاط بوجود ومشاركة النائب اكرم شهيب. واليوم وبعد ان بدأ جنبلاط في رفع الصوت ضد النظام السوري وجرائمه وارتكاباته بدأ حزب الله بشن حملة إعلامية ضد النائب جنبلاط مجدداً.
كذلك يستمر إعلام حزب الله في الحديث عن التكفيريين والقوى السلفية القادمة عبر الحدود لضرب الاستقرار في لبنان. ويستمر بعض إعلامه في نشر تقارير نقلاً عن مصادر إعلامية وأمنية عن دخول عرب من جنسيات مختلفة إلى مخيم عين الحلوة تحضيراً لتخريب ما. في المقابل يدخل مسؤول حزب الله في صيدا زيد ضاهر إلى مخيم عين الحلوة ويوزع مساعدات على بعض القوى الإسلامية التي يتهمها بالتحضير للتخريب او برعاية من يسعى للتخريب. وفي الوقت الذي يهاجم به إعلام حزب الله الثورة السورية ويؤيد النظام السوري وجرائمه يرسل الرسائل الايجابية عبر الجماعة الاسلامية في لبنان وعبر أحد العملاء المزدوجين الذي ذكر اسمه مراراً في الايام الماضية لفتح قناة اتصال مع حركة الاخوان لتقريب وجهات النظر والاستفادة من أية مصالحة تجري مع هذا التنظيم الدولي. وفي الوقت الذي بدأ إعلامه يهاجم حركة حماس وبعض القوى الفلسطينية، يرسل عبر حماس رسائل متعددة لحركة الاخوان المسلمين للقاء معها.
لذا إذا كانت مواقف جنبلاط تتغير بتغير الظروف ونتيجة معطيات تدفعه لتعديل مساره، فما هي الدوافع التي تدفع حزب الله إلى ممارسة هذا الدور وسلوك هذا الطريق؟ وإذا كان هذا الأداء مقبولاً من قبل حزب الله فلماذا اتهام جنبلاط بالتحول والتلون والتبديل وإدانته بل واتهامه بعدم الثبات على موقف واحد، ولا ينطبق الأمر عينه على حزب الله، خاصةً وان مواقف حزب لله أكثر تقلباً من مواقف جنبلاط.
حسان القطب
مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات
0 comments:
إرسال تعليق