|
المنافقون |
لم يجد الرئيس نجيب ميقاتي ما يدافع به عن حكومته، بعد جريمة اغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن، الا أنه لن يستقيل الآن ولا يمكن أن يستقيل تحت الضغط. لكن حلفاءه في الحكومة، وبالذات منهم "حزب الله" الذي ينكر أن حكومة ميقاتي هي حكومته، يقدم مبررات لبقاء ميقاتي وحكومته حاليا تستحق الوقوف مليا أمامها.
في أدبيات الحزب، التي يرددها مسؤولوه والناطقون بلسانه واعلامه منذ أسابيع، أن المرحلة في لبنان كما في المنطقة تقتضي التمسك بالحكومة وحتى حمايتها والدفاع عنها أكثر من أي وقت آخر بدعوى أنها تحافظ على الاستقرار. وبصرف النظر عن مقولة "الفراغ" والخوف على لبنان في حال العجز عن تشكيل حكومة أخرى، فلا يخفى أن ما يريده الحزب هو ابقاء الحال اللبنانية على ما هي عليه ما دامت الحال في سوريا، وتاليا في ايران وفي المنطقة، على ما هي عليه من شد وجذب... بل ومفاوضات تحت الطاولة، وفقا لما باح به الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد قبل أيام عن رغبة بلاده باجراء تسوية حول ملفها النووي مع واشنطن ("الشيطان الأكبر") وليس مع أي طرف آخر. والحال هذه، من وجهة نظر الحزب، لا بد أن تبقى لبنانيا تدور ضمن الحلقة التالية:
أولا، استمرار تقديم الدعم اللازم للنظام السوري، بالمقاتلين والأمور الاستخبارية واللوجستية، تحت ستار سياسة "النأي بالنفس" والنتائج التي أدت اليها في خلال الفترة السابقة: تسليم بعض المنشقين السوريين الى السلطات في دمشق، منع المعارضين السياسيين من العمل أو حتى التواجد في لبنان، السماح بالاعتداءات المسلحة وتوغلات الجنود والآليات داخل الأراضي اللبنانية، غض النظر عن تنقل مسلحين من "حزب الله" وغيره من والى سوريا للقتال الى جانب النظام، وبعد ذلك كله التغطية على جرائمه سياسيا ودبلوماسيا ان في جامعة الدول العربية أو في الأمم المتحدة أو في غيرهما من المحافل الدولية.
ولا ينسى "حزب الله" أن رئيس الحكومة التي يشترك فيها بوزيرين (هل هو يشترك فقط؟!) لم يكلف نفسه عناء سؤاله، مجرد سؤال برئ، عن التقارير الدبلوماسية والاعلامية التي تؤكد عمل مقاتليه جنبا الى جنب مع قوات النظام السوري، ولا حتى عن قضية الطائرة من دون طيار التي أعلن أمينه العام السيد حسن نصر الله أنها طائرة ايرانية وأنها انطلقت من الأراضي اللبنانية وأنها أرسلت صورها والمعلومات التي جمعتها مباشرة الى قيادة القوات المسلحة في طهران.
ثانيا، الابقاء على الوضع اللبناني الشاذ، حكوميا ونيابيا وحتى سياسيا وأمنيا واقتصاديا، منذ الانقلاب الذي نفذه مع راعييه السوري والايراني ضد حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع العام الماضي وأدى تاليا الى استقالتها وتشكيل الحكومة الحالية.
فهو يعتبر أن ما حدث يومها كان ذروة انتصاراته على الساحة المحلية، وحتى الاقليمية والعربية والدولية، بعد أن تمزقت اللافتات الملونة التي طالما اختبأ خلفها سابقا تحت شعاري "المقاومة" للاحتلال الاسرائيلي و"الممانعة" للخطط الأميركية والغربية في المنطقة. واذا كانت الحكومة الحالية رمز ذلك "الانتصار" في رأيه، فمن المنطقي بالنسبة اليه أن يحافظ عليها وحتى أن يتمسك ببقائها بالرغم من كل ما يقال عنها. ألم يعلن السيد حسن قبل شهور أن هذه الحكومة جاءت بالسياسة وترحل بالسياسة فقط، بصرف النظر عما اذا كانت تقوم بواجباتها وما اذا كانت حققت أي انجاز حتى الآن أم لا؟.
ثالثا، المحافظة على ما يسميه "التحالف الاستراتيجي" مع حلفائه وحلفاء حلفائه اللبنانيين (وفي المقام الأول "التيارالوطني الحر") ان لم يكن جزاء على ما قدمه هؤلاء من تغطية سياسية وطائفية للحزب في المرحلة السابقة، فأقله افساحا في المجال أمامهم لتدبير أمورهم وتقديم ما يمكنهم من خدمات ومصالح في مناطقهم عشية الانتخابات النيابية المقبلة.
ذلك أن الحزب يعرف أكثر من غيره أن الخاسر الأكبر من رحيل هذه الحكومة، اضافة اليه طبعا، سيكون العماد ميشال عون الذي أعطي فيها عشرة وزراء من ناحية أولى، والذي لم يعمل في وزاراته هذه الا كل ما يصب في خدمة مصالحه الضيقة شخصيا وحزبيا وانتخابيا (آخرها تعيينات وزير الطاقة جبران باسيل في مصفاتي طرابلس والزهراني) من ناحية ثانية.
رابعا، محاولة تعويض الركود الحاصل حاليا في دورته المالية والاقتصادية الخاصة، كما في دورة بيئته الحاضنة كما يقول، في الظروف التي تمر بها المنطقة ولبنان من ضمنها (عقوبات مالية ومراقبة مشددة) من خلال مسارب الاستيراد والتصدير والتهرب من الاجراءات القانونية والرسوم الجمركية التي يملكها، وتملكها معه شخصيات وعائلات نافذة في بيئته، مما جرى الكشف عن بعض جوانبها في المدة الأخيرة.
هل يجب التذكير هنا بشبكة صناعة وتوزيع الحبوب المخدرة قبل شهور، أو بفضيحة تهريب كميات كبيرة من المازوت الأحمر، أو بما كشف أخيرا عن استيراد أدوية غير مرخصة وتوزيعها على الصيدليات وبين الناس بعد تزوير تواقيع كل من وزير الصحة ومسؤولي المختبرات العلمية التي يفترض أن تسمح (أو لا تسمح؟) بدخول هذه الأدوية؟.
ألا يشكل ما سبق من "مبررات" أسبابا كافية للإبقاء على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في الوقت الراهن، أقله بانتظار أن تنكشف الغيوم الملبدة في سماء سوريا وايران... وطبعا في سماء لبنان الذي لم تكن مثل هذه الحكومة لتشكل فيه لولا أنه كان مرتبطا بهما؟.
0 comments:
إرسال تعليق