الاثنين، 18 فبراير 2013

الشعب السوري بين خيارَي الأمن.. والذبح: "إسرائيل" أولاً

 فادي شامية
 
لم يعد الأمر مجرد تحليلات. في الأساس لم يكن كذلك، ولكن كان ينقصه الوضوح. اليوم يعلن البيت الأبيض بكل وضوح: ليس الشعب السوري المعذب، ولا المبادئ الإنسانية والمواثيق الدولية، وإنما "إسرائيل"، أولاً.

في 9/2/2013 أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، وفريقه للأمن القومي، رفضا فكرة تسليح المعارضة السورية، "حرصاً على الشعب السوري وإسرائيل والولايات المتحدة". سأله أحد الصحفيين مستوضحاً فأجاب كارني: "لن أدخل في مناقشات داخلية بشأن قرارات من هذا النوع، لكن لا نريد أن تصل أية أسلحة إلى الأيادي الخاطئة، وبالتالي تعريض حياة الشعب السوري، أو حليفتنا إسرائيل أو الولايات المتحدة للخطر".

الواقع؛ أن من بين الجهات الثلاث التي تخشى عليها الإدارة الأميركية وفق تصريحات كارني- هناك جهة واحدة هي المقصودة؛ فالشعب السوري يذبح فعلياً بمنع السلاح عنه أو بوجوده، أما الولايات المتحدة فهي تبعد آلاف الكيلومترات عن مسرح العمليات. يبقى "إسرائيل" التي يُعتبر أمنها أولوية لدى الولايات المتحدة والعالم. في المفاضلة بين أمنها وبين الشعب السوري؛ لا مانع من ذبح السوريين جميعاً، وأن تبقى الثورة إلى ما شاء الله لها، ولحين تأمين البديل الذي يحفظ أمن "إسرائيل"، طالما أن بشار الأسد لم يعد قادراً على الحكم، باعتقاد جميع من لديه نظر.

المفارقة في هذا المجال أن دعاية النظام السوري وحلفائه تقوم على أساس وجود مؤامرة على سوريا جراء ممانعتها ومواقفها القومية!، وعلى أساس أن الثوار هم مجموعات إرهابية مرتبطة بالغرب، ما يعني بالضرورة لو كانت هذه الدعاية صادقة- أن تسارع الولايات المتحدة والغرب بدعمهم بالمال والسلاح لا أن تمنعه عنهم، خوفاً على أمن من يقول النظام إنهم يعملون لصالحه!

لكن المفارقة الأخطر أن الذين يخشى الغرب من وصول السلاح إليهم، باتوا أكثر قوة وانتشاراً وسلاحاً من كثير من فصائل الثورة السورية، وبات وجود جماعات متطرفة ضمن كتائب الثوار حقيقة لا مراء فيها، لأن بشار الأسد صنع بجرائمه وتحدي قواته للذات الإلهية، بيئة جذب لكل "المجاهدين" في العالم، بما في ذلك منهم التكفيريون، الذين يشكلون حالياً وسيشكلون مستقبلاً- عبئاً على سوريا ونظامها الجديد، في حين أن الحسم السريع كان من شأنه أن يقطع الطريق على هؤلاء؛ الأشداء في القتال، المتشددين في الجدال.

نعم هناك مؤامرة على سوريا؛ فمؤيدو الأسد يريدون بقاءه للحفاظ على مشروعهم ومصالحهم حتى آخر ناجٍ من المجازر اليومية، والثوار لا يريدونه حتى آخر رجل منهم، والآخرون قلقون على أمن "إسرائيل"، والأخيرة تريد للجميع أن يُتعبهم القتال، فلا يتذكرون جولاناً ولا من يحررون، والغرب بغالبيته يناور؛ تارة بدعوى أن المعارضة غير موحدة، وتارة بدعوى أنه بالإمكان بعدُ إيجاد حل سلمي (استغل الاتحاد الأوروبي مؤخرا مبادرة معاذ الخطيب فاعتبروا أنه طالما أن إمكانية الحوار السياسي لتسوية الأزمة قائمة فلا يمكن رفع حظر السلاح).

وسط المأساة السورية المستمرة؛ ثمة عزاء للنفس؛ أن الثورة السورية عرّت كل الناس والجماعات والدول من خطاباتها المنمقة، وجعلتهم يبدون أمام أنفسهم والعالم كما هم!


0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية