
معارضيه ومراكز دراسات محايدة توقعت انتقال الثورة إلى سوريا، قبل حصولها فعلياً.
تونس ومصر
في 17/1/2011 أصدرت جماعة "الأخوان المسلمين" في سوريا بياناً قالت فيه: "إن انتفاضة الشعب التونسي قد تكون الشرارة الأولى لمطالبة الشعب السوري بحقوقه إذا استمر النظام في تجاهلها"، وبعد ذلك بعشرة أيام اعتبر موقع 'إنتلجنس أونلاين' الفرنسي المتخصص بشؤون الاستخبارات أن "سورية تبذل المستحيل لتفادي حصول ثورة شبيهة بتلك التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في تونس".
ووفق الموقع المذكور فقد أصدر الأسد أوامر بالإطاحة بالمسؤولين الأكثر فساداً، وأمر الأجهزة الأمنية بنشر عناصرها في مختلف أنحاء البلاد، بغية الاستعداد للتعامل بسرعة مع أية تظاهرات، فضلاً عن وضع النظام خطة طارئة تقضي، في حال وقوع أي مشكلة، بعزل شبكة الاتصال الثابت والجوال عن باقي المناطق.
أعقب ذلك تشديد السلطات السورية منع استخدام البرامج التي تسمح بالدخول إلى غرف الدردشة على الإنترنت، بدعوى "منع إسرائيل من اختراق الشباب السوري"، وما هي إلا أيام حتى اندلعت الثورة المصرية. ورغم سوء علاقة النظام السوري مع النظام المصري وشماتته فيه، فقد رفضت السلطات السورية السماح بأي اعتصام شعبي تضامناً مع الشعب المصري، بل قمعت بالقوة اعتصاماً أقامه نحو ستين سورياً، مساء 29/1/2011، واعتدت على الناشطة السورية سهير الأتاسي، ابنة عائلة الأتاسي التي أعطت سوريا رئيسين للجمهورية، في3/2/2011، لمحاولتها الاعتصام تضامناً مع الشعب المصري.
دعم القذافي في ليبيا
خلافاً، للحياد إزاء الثورة التونسية (الحذر من التداعيات)، والدعم السلبي إزاء الثورة المصرية (منع أي تحرك تضامني)؛ انتقل النظام السوري إلى مرحلة الدعم الإيجابي إزاء الثورة الليبية، فأرسل طيارين سوريين للاشتراك في قصف الثوار في ليبيا، بعض هؤلاء كان في ليبيا أصلاً.
أحد هؤلاء الطيارين العقيد الطيار أحمد الغريب أُسقطت طائرته فوق راس لانوف، وقُتل في ليبيا، وشيع في مدينة السلمية (وسط سورية) في 7/3/2011. وفي وقت لاحق ذكرت نشرة "إنتلجنس أون لاين" الفرنسية المتخصصة في الشؤون الاستخباراتية، نقلاً عن مصادر سورية، أن الرئيس السوري بشار الأسد أمر الطيارين العسكريين السوريين الذين كانوا في ليبيا في مهمات لتدريب الطيارين الليبيين؛ بسد النقص في الطيارين المتوفّرين لدى القذافي، وبالمشاركة في عمليات القصف ضد الثوار الليبيين، وأنه أرسل عدداً جديداً من الطيارين السوريين إلى ليبيا. كما أرسل النظام السوري سفينة محملة بالأسلحة والسيارات رباعية الدفع قدمت من ميناء طرطوس السوري إلى ميناء طرابلس الليبي لدعم العقيد القذافي قبل تدخل حلف الناتو.
وإضافة إلى الدعم العسكري المباشر، فقد فتح النظام السوري أجواءه لإعلام القذافي حتى بعد سقوط ليبيا، وضغط على لبنان (حكومة الرئيس ميقاتي الموالية له) كي لا يعترف بالمجلس الانتقالي الليبي (استمر هذا الواقع إلى 24/8/2011)، رغم أن العلاقات مقطوعة أصلاً بين لبنان وليبيا-القذافي بسبب جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر.
ومعلوم أيضاً أن النظام السوري رفض القرار العربي بفرض حظر جوي على ليبيا، وأن القذافي استمر بعد فراره من طرابلس ببث الرسائل الصوتية عبر قناة فضائية، تبث من سوريا؛ ويملكها سياسي عراقي سابق يعيش منفياً في سوريا، ومعلوم كذلك أن آخر اتصال تلقاه هاتف القذافي، قبل قتله، كان مصدره سوريا، وأن قناة الرأي التي كان يظهر القذافي صوتياً عبرها، ليس لها من رسالة دائمة سوى انتقاد الثورات العربية من تونس إلى مصر، مروراً بليبيا وسوريا واليمن.
بسبب هذا الواقع؛ رفع المتظاهرون في بنغازي شعارات من قبيل: "يا بشار يا جبان.. وفر جنودك للجولان"، وهدد إبراهيم جبريل (قبل أن يأخذ موقعاً رسمياً في المعارضة الليبية)، باللجوء إلى المحاكم الدولية لملاحقة المتورطين في دعم نظام القذافي، مشدداً أن اتهام النظام السوري بالتواطؤ مع القذافي لا يعني إدانة الشعب السوري.
هذه الخلفية كلها كانت في ذهن قيادة الثورة الليبية بعد انتصارها، وقد أسهمت –إضافة إلى البعد الأخلاقي- في أن يصبح المجلس الانتقالي الليبي أول المعترفين بالمجلس الوطني السوري، وأول من طرد بعثة السفارة السورية من طرابلس وسلم مقر السفارة إلى المعارضة السورية.
... وعلي صالح في اليمن
لم يقتصر دعم النظام السوري على دعم القذافي؛ بل امتد أيضاً إلى اليمن، فكرر الدور نفسه، وأرسل طيارين لمساعدة علي عبد الله صالح في التغلب على الثوار، كما فتح فضاءه لدعم نظام صالح، الذي لم يقصّر بدوره في دعم النظام السوري في جامعة الدول العربية، على اعتبار أن كلاهما يعاني من الثورة الشعبية.
وفي 25/10/2011 تحطمت طائرة نقل عسكرية يمنية من طراز "أنتونوف"، لدى هبوطها في قاعدة لحج في ساعة مبكرة من اليوم الثلاثاء، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص بينهم ثمانية مهندسين سوريين، ما كشف تورط النظام السوري في قمع الثورة اليمنية، وفي وقت لاحق اكتمل النصف الثاني من المشهد من خلال الثوار السوريين، الذين نقلوا للعالم قصة العقيد الطيار عبد الحميد حلوم، وهو أحد الطيارين الذين قضوا في حاثة سقوط الطائرة العسكرية في اليمن، إذ اتضح أن حلوم، ابن مدينة بانياس والمقيم في مدينة حلب، حاول التملص من المهمة التي أوكلت إليه في اليمن عقب اندلاع الثورة هناك، لكن طلب إعفائه من المهمة رُفض، فحاول الهرب، لكن الشرطة العسكرية في حلب حاصرت منزل عائلته وهددته بها، فانصاع أخيراً، وأخبر زوجته بأن لديه شعور بأنه ذاهب إلى الموت... وهو ما حصل بالفعل.
تورط النظام السوري إلى جانب أنظمة القمع العربية في المنطقة يشرح جزئياً معنى كلام الأسد أنه "إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها... وأننا نقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي وما زلنا نقاتلهم" (29/10/2011) وأن "أي محاولة لهز استقرار صفائح الزلزال ستؤدي إلى زلزال كبير يضر كل المنطقة ولمسافات بعيدة" (30/10/2011)، لكن بالمنطق نفسه الذي يعتمد على دور سوريا الإقليمي، ألا تبدو المنطقة أفضل من دون هذا النظام السوري الذي يناصر أنظمة القمع، وينشر الإرهاب والفوضى في المنطقة والعالم؟! هذا ما سيتحقق عندما تنتصر الثورة السورية.
بقلم: فادي شاميه

10:53 ص
Posted in:
0 comments:
إرسال تعليق