الخميس، 26 يناير 2012

حمص أو "حمُّوصة" كما يسميها ابنائها .. يفتك بها الجيش ويحتضنها أولادها




حمص هي المدينة الوحيدة التي يطلق عليها أبناؤها اسم دلع "حموصة".

و"حموصة أو العديّة" لا تتعب ولا يتعب أبناؤها، ولا مكان للتخاذل فيها، وبمجرد أن تنطلق مظاهرة في أحد الأحياء "بابا عمرو - الخالدية - البياضة" والتي سيرافقها إطلاق الرصاص فإن الأحياء الباقية ستخرج حتماً في مظاهرة لتشتيت انتباه الأمن والجيش، إذ لا مجال لدى أهل حمص لأن يستفرد الجيش بحي لوحده

تدخل إلى حمص فيستوقفك الخراب، تستوقفك حياة تنقصها الحياة، تتساءل هل حمص خارج حدود خدمات الحكومة السورية، أم أن الحكومة كما النظام قررت أن تتخلى عن أهل حمص وتترك البرد والغلاء والموت يلعب بهم

ولأهل حمص طريقة لمواجهة كل ذلك، هم لا يعتبرون أن تلك الحكومة المدعوة سورية تعنيهم في شيء، ولا يعتقدون أنها ستقدم لهم مازوتاً لبعث بعض الدفء في أوصال قد تتجمد في أي لحظة من شدة برد حمص وقساوته، هم يجدون حلولاً تبقى رأسهم مرفوعاً ويرفضون التنازل عن حقهم في التظاهر مقابل رضى النظام "قاتل أبنائهم ورجالهم".


حمص معاقبة دوماً

آثار الدمار تحكي عن نفسها، وحمص المدينة المعاقبة "بتعبير أهلها" تتقبل أنه ما من خدمات رسمية ستصل إلى المناطق الناشطة، فأكوام القمامة يتعاون شباب الحي على إزالتها، لا مازوت يصل لأهل الحي، ولا كهرباء

الجيش الحر يحاول تأمين الحماية للناس والمساعدات المتوجهة إلى تلك الأحياء، كما يؤمن حماية لصهريج المازوت والذي يتم توزيعه بالتساوي على الناس بإشراف شباب الحي أنفسهم، وقد يجتمع الجيران في منزل واحد في محاولة للاقتصاد في المازوت

المواد الطبية في نقصان مستمر، وإن كانت الحاجة أم الاختراع فإن المستشفيات الميدانية الموجودة في أماكن محددة تقوم بإسعاف الجرحى بالحد الأدنى من الخدمات، إذ أن المستلزمات الطبية من أصعب المواد التي يتم إدخالها إلى حمص

حملات للتبرع يقوم بها شباب أحياء حمص، ويطلق عليها تسميات تدل عليها، حيث ينتشر الشباب لجمع تلك التبرعات للعائلات المنكوبة، وتستعمل كلمات معروفة لذلك ما يجعل الناس والمحلات والصيدليات تقدم كل ما تسطيع تقديمه من مواد غذائية وطبية وغيرها


تعامل شرعي

وجود الجيش والشبيحة منذ ما يقارب العشرة أشهر جعل التعامل ما بينهم وبين أهالي حمص وارداً، حيث وجد الأخيرين طرقا لشراء أولئك، ولعل تسريب خبر المداهمة قبل وقت قصير من بدئها من أهم نتائج ذلك التعامل بين الجانبين، وبالطبع إن مُسرِّب المعلومة سيقبض ثمنها مبلغا قد يزيد أو ينقص حسب دقة المعلومة

وعندما يأتي التنبيه بوجود مداهمة للحي فإن الشباب يخرجون من البيوت مصطحبين معهم الصبايا إن تمكنوا من ذلك "لأنه في كثير من المداهمات يتم خطف البنات"، لتبقى الأمهات والنساء اللواتي لم تستطعن الخروج وليبدأ التسبيح "بالمسبحة" بآيات محددة لدفع البلاء عن الحي، ومن أهم ما تتم قراءته في وقت المداهمة هي الآية القرآنية "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً" لإيمانهم العميق بأن هذه الآية بالتحديد ستحمي أولادهم وأزواجهم، كما تنفثن على الأبواب فور الانتهاء من قراءة الآية

و"للعواينية" أو مخبري النظام قصة أخرى، وعادة ما يكون المخبر الذي يخبر الأمن والشبيحة بتحركات أهل الحي شبه معروف لشباب حمص، وهم وإن كانوا يشتبهون به فإنهم يرفضون رفضاً قاطعاً أن يقولو عنه "عوايني" ما لم يتم التأكد من لك، حيث إنهم يضعونه تحت المراقبة الشديدة عدة أيام ويحاولون أن يوصلوا له معلومة خاطئة في انتظار أن تصل تلك المعلومة للشبيحة، وفي حال التأكد من أنه "العوايني" فإن ذلك يعني إخراجه من الحي ونبذه


أغلى رقم هاتف

ربما تكون مراقبة الاتصالات بين الثوار من أصعب الأمور، ولهؤلاء مقولة في ذلك "أغلى رقم هو رقم الشهيد"، وفي هذه الحالة يتم استعمال الشريحة بأمان شبه تام فترة من الزمن على اعتبار أنه من الصعب أن يعرف اسم الشهيد رسميا بالسرعة التي تجعل من استعمال رقم موبايله خطيراً

في حمص.. تترصدك الحواجز، يستوقفك العسكري والشبيح، ترى الموت يطوف في أرجاء حمص.، وفي حمص.. تغيب مقومات الحياة، تهرب الكهرباء ويتبعها المازوت، وفي حمص ترصد نظرة أهلها فتعود إلى كبريائك الأول، وتستخف بالموت ضارباً لشهدائها تحية، وفي حمص تنسى أبواب الصمت التي لا تزال مغلقة والتي يقبع خلفها أولئك الخائفين، وفي حمص أدركوا أن ثمة شعب أراد الحرية ورضي أن يقدم نفسه قرباناً ومهراً لها، وتبقى الحقيقة الوحيدة أن أقدام الأقزام لم تخلق لتواكب خطوات الثوار

عن العربية

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية