في رد من أحد القراء على مقال نشر في أحد أكبر الجرائد العربية، و التي بدورها تمثل أحد أقطاب العدوان المسعور على سورية ، و الآخذة على عاتقها تنفيذ أجندات باتت معروفة للقاصي و الداني بمن فيهم أؤلائك اللذين يدَعون المعارضة و الدعوة الى التغيير ،يصف ذلك القارئ سورية" بعروس الثورات العربية" ..
إستوقفني المصطلح مع انه لم يفاجئني مضمونه ،ولا أدر كيف تراءت الى مخيلتي تلك القصة الخرافية التي وردت في قصص ألف ليلة و ليلة ،و التي تتحدث عن الملك شهريار و عروسه الفاتنة شهرزاد. لأربط تلك القصة بما عناه ذلك القارئ الجهبذ بوصفه لسورية و ما يحدث فيها ...
في سياق مختلف ، أتساءل و معي الكثيرين : كيف لا تكون سورية عروس الثورات ؟ و لم لا ؟ و أي معنى للثورات دون أن تكون سورية فيها ،و أي مغزى للتغيير إذا لم يكن في سورية و من سورية ، و أي ثورة عربية تلك التي لا تكون سورية طرفا فيها ؟
فسورية هي عروسنا الدائمة، بشموخها و عنفوانها ،بوقفتها الصامدة و قوة شكيمتها ،بصمود شعبها , بهيبتها و جمالها ورفعة مكانتها ، سورية عروس الثورات، بل هي عروس كل الأزمان ، الحاضر و الماضي ،التاريخ بعطائه, و الحضارة بكل أسسها ، و المستقبل بكل غايته و مقاصده ..
غير أن صاحب الرد لم يكن يعني هذا بالطبع ، فالثورة التي تحدث عنها لا تعنينا ،و لا نراها، و العروس التي يستذكرها لا ندركها ولا نفهم محاسنها ،بل هي في تصورنا ليست سوى ضحية يردون قتلها على مذبح الإمبريالية العالمية التي تمثل إرادة الصهيونية المجرمة التي هم فيها مجرد أدوات ينفذون سياسة أسيادهم ،و هم فيها مجرد أذناب يكررون الأدوار رغم إختلاف الأسماء و المسميات، حيث المقصود كان دائما و ما يزال قتل شهرزاد كما قتلت أقرانها خدمة لمأرب طاغية يعيش ذروة النصرعلى جثث الأبرياء،و يتفنن بالتنكيل بضحاياه بعيدأ عن أية إعتبارات إنسانية أو شرائع دينية ..
الثورة تعني التغيير ، التجديد ،التحرير ، الإنقلاب على المفاهيم و الرؤى القائمة ،و الخروج عن الوضع الراهن وتغييره ،و نبذ النظريات القائمة ،النهج السياسي و الإقتصادي و العقيدي ، تمهيداً لبدأ مرحلة جديدة على أنقاض المرحلة القائمة و الهدف من هذا التغيير هو البناء و التقدم و تحقيق اهداف شرائح واسعة من الشعوب المتضررة من وضعها القائم ، هذا ما فهمناه من الثورات العالمية ( التي سميت ثوراتَاً ) كالفرنسية و البلشفية و الإيرانية وحتى الثورات التي حدثت في الدول العربية في خمسينات و ستينيات القرن الماضي ..
فبعد أن يقضى على النظام الملكي ،بناءً على أسس العدالة و المساواة ،و الديمقراطية و التحرر ،و قيام تظام جمهوري يدعو الى التحرر من عبودية القتل و الإضطهاد في فرنسا ..في عملية إنقلاب شاملة على النظام و أسسه فإن هذا يعتبر ثورة وطنية بل ثورة عالمية غيرت معالم الخريطة الجيوبوليتيكة و الجيوسياسية لا في فرنسا بل في معظم دول القارة العجوز .
و عندما تقوم الثورة البلشفية على أساس إنهاء الصراع الطبقي و البحث عن أسباب سبل العيش الكريم لمن إعتبروا في لحظة تاريخية أساس العقد الإجتماعي و سر وجوده ،و في دعوة وصلت الى إلغاء الظام السياسي بأكمله للوصول الى حكم الشعب، فهذه ثورة غيرت معالم الخارطة العالمية لعقود طويلة .
و عندما تقوم الثورة في إيران للقضاء على نظام التبعية و إعادة الحق الى الشعب في ممارسة عقيدته ،و عبادته, في إعادة تعريف الحاكم ،و المحكوم ،و تأميم قطاعات الإقتصاد خدمة لمصالح الشعب و ترجمة أماله، و البحث عن أهدافه – لا اهداف الشاه و أسياده- فهذه أيضا ثورة تستحق الإحترام و التبجيل و التمجيد ..
الثورة ظاهرة مهمة جدآ في التاريخ السياسي. و هي حركة سياسية يحاول فيها الشعب أو الجيش أو كلاهما إنهاء الحكومة الحالية و إبدالها بنظام يحمل أفكارا جديدة تتبناها القيادة الجديدة ..
بالمناسبة كل الثورات التي تحدثنا عنها ،و التي حدثت لم تستعن بالأجنبي و لم تكن نتاج عمل الخارج و تنفيذأ لأجنداته، لقد قامت بفعل الشعب ، بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة، القوة الداخلية ،( حيث لا تعني القوة دوما إستخدام الأدوات العسكرية )...
في الوضع المصري كنُا ننتظر- ثورة أقدم الحضارات و أعرقها- التعبير عن ذاتها و مخزونها الحضاري و الثقافي و الإنساني ، تماما كما إستبشرنا خيرا في مقتل السادات في إعادة مصر الى قيادة المشروع التحرري العربي ،ومع إنتظارنا عقودأ اخرى للقضاء على خليفة الخائن و مشرَع سياساته ،و المسئول الأكبر عن حالة الضعف و التردي العربيين ،جاءت الثورة المصرية المزعومة لتبدد الأمال ،و تضيع فرصة التغيير امامنا لندرك انها ما هي سوى إنتفاضة جياع و عريان و مشردين أكثر منها ثورة شاملة على المفاهيم القائمة ,وأنها لا تعني الوجع القومي ،و قضية العرب في صراعهم مع المشروع الصهيوني ،و لا المواطن العربي البائس، اليائس، التعس ، المشرد، المهدد بوجوده و مصيره ,و لتثبت الأحداث ان الثورة المصرية وئدت في مهدها ليعود سفير العار الصهيوني الى قاهرة المعز دون أن يقابله الثائرون بالإحتجاجات ،و كأن كامب ديفد لا تعنيهم بقدر ما يعنيهم تغيير الحاكم ولتكون دماء المصريين التي أردناها مداد التحرر العربي ،و مستقبله الأفضل و شعلة الحياة للمشروع العربي الوحدوي ،لتكون و كأنها مسامير في نعش مصر - و بالتالي العروبة بأكملها- دون ان تدرك الملايين الثائرة ان الطريق الى إعادة الكرامة العربية يبدأ في القضاء على معاهدة الإذعان، و عودة مصر الى مكانها الصحيح ؛ لتخطف الثورة بفعل أخت عربية أخرى ترعرت في أحضان الغرب ،و رضعت من ثقافة التبعية ،و أشبعت بمفاهيم العداء لمصر و عروبتها ..و لتختبئ مصر خجولة وراء عَهَرةِ النفط في قطر ، في مشهد لا يماثله سوى إختباء الولايات المنتحدة الأمريكية وراء إرادة الكيان المصطنع في فلسطين العربية ...
لن أسترسل في تحليل الثورات العربية القائمة ،او ما يسمى ظلماً و تكفيراً " الربيع العربي"بل سأعود الى صاحب التعليق في جريدة الشرق الأوسط،و التي تمثل الشرخ الأكبر ، بل الشرق الأوسخ ،وساخة الصهاينة ،و احفاد أتاتورك ،و أتباع أل سعود ...
في نظرة بسيطة على ما يسمى بالمعارضة السورية ؛ أحاول أن أتفهم هذه المعارضة ،لكني لا أجد إلا تعبيراً واحداً اليوم لكل من يقف في هذه المعارضة: أنها كل من يعارض النظام السوري ممثلا بنهجه و ثقافته و تاريخه النضالي ،و كل من إلتقت اهدافه في سبيل القضاء على النظام ,إنها كل من يقف مع الولايات المتحدة و إسرائيل ،و الأنظمة العربية المشبعة بالخيانة و الغدر والعدوان ,إنها كل من يدعو الى تدويل القضية و بالتالي السماح لنفسه رؤية ألة البطش و التدمير و الإرهاب العالمي تدمير سورية و قتل شعبها ،و القضاء على مكتسباتها الوطنية، و تدمير بناها التحتية و مصادر طاقاتها و تدمير معالمها الحضارية ،و فوق كل ذلك القضاء على معقل العروبة و الممانعة ،و ثقافة المقاومة و "الدفاع عن الحق العربي" الذي إحتضنته سورية و ما زالت ترفض التخلي عن دورها الريادي فيه...
هذه الأهداف تتماثل مع مصالح الأنظمة الغربية ،كما وتنطبق على الأنظمة العربية التي لا يعجبها بل و يزعجها و يعيبها و يحرجها الموقف السوري لذلك كانت اول من سعى الى إسقاطه ،و لم تبق وسيلة او طريقة او إلا و إتبعتها في سبيل ذلك .
و لكن كيف يمكن ان اتفهم أن تتلاقى تلك الأهداف مع السوري الذي عاش في سورية و رضع من حليبها،وذاق نعيمها ،و تشبع من ثقافتها ،و ما زال يرفع رأسه شامخا بكونه إنسانا سوريا ..
ألا يدرك هذا المعارض أنه لا يتعدى كونه وقوداً ساجذا لهذا التغيير المنشود!! ..
لا بد من التوضيح أن المعارضة حالة إنسانية صحية كالحب و الخوف و الإيمان ...،و حقيقة لا يمكن أن تجد فرداً لا تجده معارضاً في أمر أو اخر،أو قضية دون اخرى ... ،فالحاكم لا يمثل الخير المطلق ،كما أن دولة السعادة و الرفاهية غير موجودة إلا في قاموس المثاليين، و احلام يقظتهم. ..
غير أننا نرى المشكلة في توقيت هذه المعارضة ،و إستغلالها للظروف الخارجية و الضغوط المتزايدة التي أتتها رياحها فأرادت إمتطاءها بعد أن أصبح القتل و الإجرام في سورية الأمنة يسمى ثورة ، و بعد ان تكالبت كل قوى الغدر و الإرهاب على سورية بكل ما تملك مستخدمة كافة أشكال الإعلام المتطور ،في أكبر عملية مشتركة من قوى العمالة و الإستعمار ،في الداخل و الخارج،لم يشهد لها التاريخ من سابقة..
و بالتالي ألا يمكن ان نظر الى كل معارض اليوم بأنه خائن و تابع و شريك في هذا الإجرام ..؟
يريدون ان يكتمل الربيع العربي بإنضمام سوريا الى مشاريع التغيير التي إجتاحت الجمهوريات العربية دون غيرها(جاء العراق اولاً ، فمصر ،اليمن،ليبيا،سورية ،و بإنتظار الجزائر و السودان) ،وهكذا تكتمل الصورة التي يريدون الترويج لها ،و النظرية التي يدًعون: :المَلَكيات و الإمارات العربية أثبتت انها حامية شعوبها و محققة العدل و المساواة في حين ان الدول العربية التي تميزت بالنظام الجمهوري ،بل أن الدول العربية التي إحتضنت الفكر القومي و الثقافة العروبية فشلت لأنها إتكأت على معطيات غير موجودة ،و وأوهام غير منطقية ، و على أفكار دخيلة تتبنى المشروع العربي الوحدوي؛ و بذلك تتبلور الصورة في أن الفكر المقاوم، و التوجه الوحدوي لا يملك أرضية، و لا شعبية ..بل إن الفكر الاخر ، فكر النفط و العهر الخليجي يثبت نجاحه ،و صوابية رؤيته !
و لكن و في المقابل ، نحن السوريين نعرف أكثر من غيرنا مآرب تلك الأنظمة المتصهينة ،وتلك المشاريع المعادية ،و نفهم النوايا الأمريكية، و المخططات الصهيونية و أحلامهم التوسعية ،و من يقف معهم و يآزرهم نو ينفذ مخططاتهم ...لذلك ستبقى سورية العربية الصامدة عروس المقاومين و الصامدين ،عروس العرب الأوفياء جميعاً ، الباحثين عن مستقبل عربي مشرق ، الأحرار القابضين على الجمر في عصر العهر و القهر و المذلة , و كأننا المعنيين بقول رسول الخير المحبة و الإسلام :. سيأتى زمان على أمتى، القابض فيه على دينه كالقابض على جمرة من النار.
و الدين ليس عبادة و حسب ،بل هونداء إنساني بالتحرر من العبودية ،بالدعوة الى الحق و إحقاقه، هو الرفعة و العزة والشموخ ،و نضال من اجل الثوابت التي تربينا عليها و أهمها التحرر و الإستقلال ،و السيادة ، سيادة الأرض والوطن ، سيادة الفكر والمعتقد ،و فوق كل شيء سيادة الإرادة الحرة ،و هذا ما يجعلنا اكثر إصراراً على الصمود إنها إرادة الحق التي لا بد ستنتصر على إرادة الضلالة ، على إرادة القتل و الإجرام، إرادة البغي و العمالة ، إرادة أبو لهب المتقمصة في حكام العهر في جزيرة العرب ...
و أخيراً نحن واثقون من النصر ،لأن سورية تعرضَت للكثير من المؤامرات ، للضغوطات ،و الأحقاد ، و الحملات ،لكنها بقيت صامدة صمود أبنائها ،شامخة شموخ قاسيونها ، عزيزة ، قوية ، منيعة ...قلعةً للمجد دوماً كما وصفها شاعر العروبة الخالد محمد مهدي الجواهري حيث لن يزيدها ذلك إلا قوة و صلابة و عظمة ...
مهلاً دمشق على البلوى فكم صُهرت سبائك الذهب الغالي .. و ما إحترقا
وائل شجاع

12:41 ص

Posted in:
0 comments:
إرسال تعليق