الثلاثاء، 17 أبريل 2012
دولة العصابة ١٩ : دكان الممانعة، فرع الضاحية
3:15 م
اضف تعليق
د. أحمد الشامي
المتتبع لنشوء وارتقاء حزب الله اللبناني لا يسعه ٳلا المقارنة بين ظروف ولادة هذا الحزب وتسلطه على بلاد اﻷرز وبين تطور رديفه النظام اﻷسدي الممانع في سوريا. للحق نقول أن اﻷسد هو البادئ وهو من أعطى الدروس لٳيران ووليها الفقيه أولا، ثم للحزب اﻹلهي ثانياً.
بدأ الدور السسياسي لشيعة لبنان في أواخر الستينات من القرن العشرين وتلقى دفعة قوية مع تشكيل اﻹمام الفقيد "موسى الصدر" للمجلس اﻹسلامي الشيعي اﻷعلى المناط به تمثيل الشيعة اللبنانيين في ٳطار النظام الطائفي اللبناني عام 1969 ثم لحركة "أمل" عام 1975. حركة أمل "أفواج المقاومة اللبنانية" تلقت هذا الاسم على يد "ياسر عرفات" بعدما كانت تسميتها قبل ذلك " حركة المحرومين". جاء نشوء هذه الحركة "رداً على الاعتداءات الٳسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان ولتكون رديفا للمقاومة الفلسطينية تساعدها على تحرير أرضها وتمنع توطين الفلسطينيين في لبنان...".
اﻹمام الفقيد "موسى الصدر" أتى ٳلى لبنان من ٳيران في أواخر الخمسينات و ٳلى صور تحديداً، حيث لعب دوراً هاماً في المؤاخاة بين الطوائف وفي تشكيل وعي جمعي شيعي متنور ومنفتح. بقي دور السيد موسى الصدر اجتماعيا ودينياً حتى بداية السبعينات حين بدأت ٳرهاصات الحرب اﻷهلية اللبنانية بالظهور مع تحول جنوب لبنان ٳلى قاعدة أساسية ووحيدة للمقاومة الفلسطينية. شيعة لبنان كانوا حينها طائفة مسالمة ومثقفة تعيش من عملها في الزراعة والتجارة في وئام وانسجام مع محيطها، بدليل عدم اندراجها في اللعبة الطائفية اللبنانية في تلك الفترة.
البعض يؤكد أن شاه ٳيران السني، محمد رضا بهلوي، أراد الاهتمام بمصير شيعة الجنوب، خاصة بعدما أصبح هؤلاء كاليتامى على موائد اللئام في لبنان. من أجل ذلك، اتصل رجال الشاه بالسيد موسى الصدر وقدموا له ما يحتاجه من دعم مادي ومعنوي ﻹعانة شيعة الجنوب. الٳمام الصدر أكبر من أن يكون رجل الشاه في لبنان، فالرجل مستقيم ومخلص لمبادئه ولا ينتقص من قدره أن يبحث عن مصادر مالية مشروعة لدعم مواطنيه. المشكلة مع اﻹمام الصدر كانت أنه رجل مستقيم وتوافقي، هو شيعي يبني انتماءه على احترام عميق للجميع وللٳنسان وليس على كره الآخر، بدليل انفتاحه و مشاركته في فعاليات باقي الديانات ورفضه للفكر وللمارسات الطائفية المغلقة.
اﻹمام الشهيد موسى الصدر رجل من طراز ووزن الشهداء كمال جنبلاط وبشير الجميل ورفيق الحريري وغيرهم، هو رجل شيعي توافقي ولبناني وطني أصيل ومخلص ﻹنسانيته ولمبادئه. باختصار، اﻹمام الفقيد تجاوز طائفته وأصبح رمزاً لبنانيا جامعاً بامتياز وهكذا تجاوز الخط اﻷحمر المحدد لرجال السياسة في لبنان...
في 25 آب 1978 وصل اﻹمام الصدر ٳلى ليبيا للاجتماع بعقيدها وذلك في سعيه من أجل عقد قمة عربية تهتم بأمر الاعتداءات اﻹسرائيلية على جنوب لبنان وتساند صمود الجنوب. شاه ٳيران كان حينها غارقاً في مواجهة الثورة الخمينية ولم يكن في وارد دعم أحد، لا شيعة لبنان و لا غيرهم. الأكيد أن أحداً لم ير اﻹمام الصدر بعد 31 آب من نفس العام رغم أن حقائبه هو وزميليه وصلت ٳلى مطار روما، لكن دون أن يغادر أي منهم اﻷراضي الليبية ! ٳشاعات مجنونة سرت بعد هذا الاختفاء، منها "أن الفقيد الصدر أنّب عقيد ليبيا ونصحه، لكن اﻷخير بدل الاستماع ٳليه قتله ثم أخفى آثاره..".لا نستبعد ذلك من العقيد العتيد، لكن أغلب الظن أن هناك من "عمل طلبية" للعقيد للتخلص من اﻹمام الصدر دون ضجيج بعدما لم يقدر على تصفية اﻹمام المقيم خارج مجال عمل "قوات الردع" والمحمي جيداً بطائفته وبمريديه، على عكس ما جرى مع الشهيد كمال جنبلاط الذي سحبت عناصر حراسته قبل تصفيته في "عاليه" بأيام.
هل قام نظام اﻷسد بتصفية اﻹمام الصدر، مثل كمال جنبلاط قبله والكثيرين بعده ؟ هل توافق عقيد ليبيا و"فريق" سوريا على التخلص من رجل وطني ومزعج ؟ وحده الزمن قد يجيب على هذا السؤال.
غياب اﻹمام الصدر ترك الطائفة الشيعية دون زعيم. الرئيس "حسين الحسيني" الذي خلف اﻹمام الصدر نجا بجلده بعد عامين تاركاً الحركة بعهدة رجل "مساير" هو الرئيس "نبيه بري" الذي "لا يبحث عن المشاكل مع الشقيق السوري" ويتمتع بأخلاقيات تسمح له بالانبطاح دون تردد أمام رغبات سيد دمشق. أصبح القرار الشيعي اللبناني عملياً بيد حافظ اﻷسد الذي سيسخر هذه الطائفة لخدمة استمرار تسلطه على لبنان وللضغط على باقي الطوائف.
مع الغزو اﻹسرائيلي عام 1982 بدأ انقسام داخلي ضمن حركة أمل بين "المقاومة اﻹسلامية" من جهة، والتي سترتبط بولاية الفقيه في طهران وسوف تركز جهودها في جنوب لبنان ضد اﻹسرائيليين وقسم آخر من حركة أمل، برئاسة نبيه بري، سيبقى تابعاً للأسد وسيقوم بٳكمال المهمة القذرة التي أوكلتها ٳسرائيل لحافظ اﻷسد بعد انسحابها من بيروت.
حركة أمل ورئيسها "نبيه بري" سوف تشن ما عرف بحرب المخيمات الفلسطينية مستعينة بقوات فلسطينية منشقة عن عرفات وبدعم كامل من جيش اﻷسد. في البداية ستتخلص أمل من قوات "المرابطون" العائدة لسنة لبنان والتي كانت تحمي الفلسطينيين ثم ستتجه لمحاصرة وسحق القوى الفلسطينية التي رفضت وصاية اﻷسد. نعرف جميعاً أن حرب المخيمات أدت ٳلى ٳنهاء المقاومة الفلسطينية في لبنان، لصالح جبهة الممانعة اﻷسدية المعروفة. حافظ أوفى بوعده لشارون وأنهى المهمة التي بدأتها القوات اﻹسرائيلية في حزيران 1982. ٳسرائيل اعترفت بعدها بأن اﻷسد قد أنهى مهمته وصرفت النظر نهائياً عن اتفاق أيار1983. ٳسرائيل منحت بطاقة بيضاء للأسد شمال الليطاني، وعاد الحال ٳلى ما كان عليه قبل غزو 1982 مع فارق أن ٳسرائيل تخلصت نهائياً من المقاومة الفلسطينية على حدودها الشمالية.
في هذه اﻷثناء كان جماعة "المقاومة اﻹسلامية" قد نأوا بأنفسهم عن مجزرة الفلسطينيين في المخيمات، وأعدوا العدة لحروبهم المقبلة مع ٳسرائيل أولاً وبعدها مع باقي اللبنانيين. . هكذا انقسم القرار الشيعي يبن حركة "أمل" خاضعة للأسد و "حزب الله" المتحالف مع اﻷسد ولكن الخاضع لولاية الفقيه.
في التاسع من نيسان 1985 ستقوم فتاة من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وليس من حزب الله لكن بدعم من هذا اﻷخير، بتفجير نفسها في سيارة مفخخة ضمن قافلة عسكرية ٳسرائيلية مفتتحة عهد "المقاومة اللبنانية" للاحتلال اﻹسرائيلي. دور المقاومة الشيعية اﻹسلامية وذراعها الضاربة "حزب الله" سيبقى من خلف الستار.
حزب الله، الذي أعلن اعترافه بولاية الفقيه في طهران منذ شباط 1985، بدأ مقاومته العلنية ﻹسرائيل عام 1989 بعد انتهاء الحرب العراقية اﻹيرانية بقليل، بعدما كانت باكورة أعماله هي التفجيرات التي استهدفت القوات اﻷجنبية في لبنان عام 1983، قبل الجيش اﻹسرائيلي بكثير. ترافق اﻹعلان الرسمي عن ولادة الحزب مع انتخاب "صبحي الطفيلي" كأول أمين عام للحزب. قبل عام 1989، كانت قيادة حزب الله بيد مجموعة من اﻷفراد من بينهم "عباس موسوي" و"عماد مغنية' و "ابراهيم اﻷمين" و "صبحي الطفيلي" وأخيراً "حسن نصر الله".
اﻷسد اﻷب كان راغباً على الدوام في احتكار القرار الشيعي في لبنان ولم يكن راغباً في وجود لاعب جديد ولا في فتح جبهة مع ٳسرائيل في جنوب لبنان. لم يكن هناك مانع لدى اﻷسد من بعض "عمليات مقاومة" مسرحية و ٳطلاق شعارات فارغة، مماثلة "لممانعته" في الجولان بما يديم الوضع المتفجر في لبنان ويديم الحاجة لبقاءه هو وقوات ردعه في شمال الليطاني، وبقاء ٳسرائيل في جنوبه. حلفاء اﻷسد الجدد في طهران كان لهم رأي آخر. الحكم الٳيراني كان في حاجة للحصول على شرعية مقاومة وممانعة للاحتلال اﻹسرائيلي في لبنان. ٳيران، الخارجة لتوها من حرب ضروس مع صدام والتي كانت تبحث عن دور ٳقليمي أرادت لحزب الله أن يكون ذراعها المقاوم و "فترينة" الممانعة الخاصة بها.
اﻷسد وجد نفسه مضطراً للقبول باللعبة اﻹيرانية الجديدة في لبنان، لكنه وضع لها بعض الشروط. اﻷسد أدرك أن اللاعب اﻹيراني قد قرر الدخول للحلبة وأن القرار اﻹيراني لا رجعة فيه، خاصة بعدما تخلصت ٳيران من خطر صدام الذي كان قد تورط بغزو الكويت.
اﻷسد سبق له وأن التزم بتصفية المقاومة الفلسطينية لحساب ٳسرائيل وطرد المقاتلين الفلسطينيين خارج لبنان و هذا ما فعله. بالمقابل، طرد حزب الله، اللبناني، من جنوب لبنان كان شبه مستحيل على اﻷسد الذي اكتفى "بقصقصة" أجنحة هذا الحزب خارج جنوب لبنان، منطقة نفوذ ٳسرائيل و"المتنازع عليها" بين الدولة العبرية وحزب الله.
اﻷسد اﻷب أراد أن يستفيد من هذا الواقع الجديد وأن يكسب من وراء نشوء حزب الله، شرط أن يبقى هو سيد اللعبة وأن يتحكم جزئياً بمسار هذا الحزب. فعلاً، أصبح وجود اﻷسد من جديد في لبنان "ضرورة" دولية لموازنة النفوذ اﻹيراني هناك والآتي عبر حزب الله ! اﻷسد أعاد ذات اللعبة في لبنان والتي لعبها فيما سبق بين ٳسرائيل والمقاومة الفلسطينية ولكن هذه المرة بين ٳسرائيل وعدوها الجديد "حزب الله" ! اﻷسد دعم حزب الله، دون أن يتورط في مقاومة ٳسرائيل مباشرة، وهكذا أدى "واجبه" في المقاومة والممانعة ولكن عبر حزب الله وجنوب لبنان دون تعكير صفو الاحتلال اﻹسرائيلي في الجولان...
"سيد المقاومة" ، السيد "حسن نصر الله" الذي كان قد تسلم قيادة الحزب بعد اغتيال "عباس موسوي" في شباط 1992، كان رجل ٳيران ورجل المرحلة بامتياز.
من المثير ٳجراء مقارنة بين مسار حياة "سيد المقاومة" نصر الله و "سيد الممانعة" حافظ اﻷسد. بعض ألسنة السوء تذهب ٳلى القول : "كما تلاشى رفاق درب اﻷسد تدريجياً بطرق مختلفة، كذلك غاب رفاق درب السيد حسن نصر الله الواحد تلو الآخر، انتهاء بعماد مغنية الذي اغتيل...في دمشق عام 2008...".
"حسن نصر الله" ترعرع في السرية والقيادة الجماعية للحزب ما بين 1982 و 1989 حين خرج الحزب ٳلى العلنية. هذه المرحلة تشبه مرحلة "اللجنة العسكرية" المعروفة والتي مهدت الطريق لانقلاب الثامن من آذار 1963.
قام حزب الله بحرب عصابات فعلية، أقرب ٳلى حرب الاستنزاف، ما بين 1989 و 24 أيار 2000 كلفت ٳسرائيل مئات القتلى ودفعت بايهود باراك، رئيس وزراء ٳسرائيل، للانسحاب بشكل أحادي من جنوب لبنان في صيف العام 2000، قبل وفاة اﻷسد اﻷب باسبوعين. مرحلة المقاومة الفعلية هذه، والتي قادها "حسن نصر الله" بفعالية، من الممكن مقارنتها مع مرحلة 1963 حتى 1967 وقت كانت المدفعية السورية تقصف عشوائياً المستوطنات اﻹسرائيلية، وتستنزفها دون هدف محدد. الفارق الكبير هو أن ٳسرائيل انسحبت من جنوب لبنان عام 2000 في حين ضاع الجولان عام 1967...
الانسحاب اﻹسرائيلي أحادي الجانب أسقط ورقة المقاومة للاحتلال من يد حزب الله وكاد ينهي الدور اللبناني "المقاوم" لهذا الحزب. ٳسرائيل خرجت ولكن دون أن تعترف بحزب الله كمحاور وحيد في لبنان ودون أن تعترف بسيطرة هذا الحزب على القرار اللبناني. السبب اﻷساسي في نظرنا هو أن ٳسرائيل فضلت "الشيطان السوري" الذي تعرفه على شيطان حزب الله اﻹيراني الداخل حديثاً ٳلى اللعبة. لربما أرادت ٳسرائيل أيضاً زرع الشقاق بين اﻹثنين.
مع الانسحاب اﻹسرائيلي من جنوب لبنان، ووفاة اﻷسد اﻷب، تغيرت موازين القوى وصار هناك لاعب قوي جديد في جنوب لبنان مدعوم من قوة ٳقليمية كبرى هي ٳيران. حزب الله صار "منافساً" للقوة السورية في بلاد اﻷرز واضطر الاثنان لتقاسم النفوذ في لبنان. مع ذلك، ظل نظام اﻷسد هو "الوصي" اﻹسرائيلي على مجمل القرار اللبناني حتى طرد الجيش اﻷسدي من لبنان.
دون الدخول في متاهات "من اغتال الحريري ؟" لنلاحظ أن خروج الجيش السوري من لبنان تركه تحت رحمة زعران "حزب الله" الباحثين عن قضية وعن دور. خروج الجيش اﻷسدي من لبنان ترك هذا البلد من دون "وصي " ٳسرائيلي. حزب الله وسيده "نصر الله" سوف يتنطعان للعب هذا الدور، تماماً كما سبق للأسد وأن تنطع ليصبح "وصياً" على سوريا لصالح الثلاثي الجهنمي حينها : أمريكا وٳسرائيل والاتحاد السوفييتي.
كيف يحظى حزب الله باعتراف ٳسرائيلي رسمي وموثّق بدوره البديل لدور اﻷسد في لبنان دون أن تكون هناك أرض لبنانية محتلة من قبل ٳسرائيل يتنطع الحزب لتحريرها ؟ حزب الله كان بحاجة "لحرب تحريكية" على نمط حرب تشرين 1973. حينها تذكر جهابذة الحزب أن هناك "أسيراً" لبنانياً في ٳسرائيل لا بد من تحريره. بعد عملية "الوعد الصادق" اللا مسؤولة والتي هدفت ٳلى تحرير قاتل اﻷطفال "سمير القنطار" قامت ٳسرائيل بتدمير لبنان و بتأديب حزب الله وزعيمه "نصر الله" لكن "على الناعم" تماماً كما سبق لها وأن "ربّت" حافظ اﻷسد "على الخفيف" في تشرين 1973.
كما أنهى اتفاق فصل القوات حالة الحرب الفعلية بين سوريا اﻷسد وٳسرائيل، انتهت "حرب" عام 2006 بترتيبات مشابهة ضمنت هدوء الجبهة الشمالية ﻹسرائيل مثل الجولان وأكثر مع وجود قوات مراقبة دولية تحفظ "حقوق" الجميع خاصة الحزب اﻹلهي الذي تحول من مقاوم ٳلى "ممانع". أصبح هناك "أزعر" جديد في حارة الشرق اﻷوسط.
حزب سيد"المقاومة" التحق بنظام سيد "الممانعة" اﻷسدي و "ما حدا أحسن من حدا"....
0 comments:
إرسال تعليق