الثلاثاء، 22 مايو 2012
عندما أصبح "الربيع" العربي "جحيماً" عربياً: "الجنرال" ينقلب على الربيع العربي أيضاً!
12:41 م
اضف تعليق
فادي شامية
في الخامس من أيار الجاري أقام تيار ميشال عون احتفالاً في ذكرى عودته من المنفى. وكما هي العادة في لقاءاته الجماهيرية؛ شن عون هجماته الحادة على خصومه، لكن اللافت في هذا الخطاب قوله: "نعم سوريا هي الأقرب إلى الديمقراطية من دون خجل"!.
لم يكن ذلك أغرب ما في الخطاب، فإلى جانب مجموعة من مواقفه الغريبة؛ رفض عون الثورات العربية كلها، وبمفعول رجعي، بقوله: "الدول العربية التي سمّوا تمردها وعصيانها وثوراتها ربيعاً عربياً؛ فهذا ليس الطريق إلى الربيع بل إلى جحيم العرب".
بعد عشرة أيام وفي حوار هادىء على القناة التابعة له (otv)؛ أعاد عون وصف الثورات العربية بـ "الجحيم"، مجدداً هجومه على "الأخوان المسلمين"، الذين يرثون الأنظمة المتهاوية، وهم متطرفون يرفضون تداول السلطة برأيه. بعد هذه المقابلة بدا أن ما قاله عون ليس زلة لسان، وإنما موقف معتمد يقوم على أساس تخويف المسيحيين من "البديل الإسلامي"!.
الطريق إلى الجحيم
الواقع؛ أن ثمة من يخشى فعلياً، لا سيما في الشارع المسيحي، من وريث الأنظمة التي أسقطتها الثورات العربية، والواقع أيضاً؛ أن قوى مسيحية غير تيار عون عبّرت عن هذا التخوف، لعل أولها وأبرزها حزب "الكتائب"، وفي وقت مبكر جداً من عمر الثورة المصرية، أما أن ينتقل العماد ميشال عون نفسه إلى وصف الثورات العربية إلى جحيم، مخوفاً الشارع المسيحي منها، فهذا ما لم يكن ممكناً تصديقه أبداً بالنظر إلى مواقفه السابقة:
أولاً: عندما اندلعت الثورة في تونس ثم في مصر؛ لم يكن في لبنان تيار متحمس للثورات العربية كتيار عون، فهو سبق جميع حلفائه -بما في ذلك "حزب الله"-، في تبني الثورة وتأييدها والشماتة بالرئيس حسني مبارك تحديداً، وتالياً بخصومه اللبنانيين. إن مراجعة بسيطة لما بثته قناة 0tv خلال شهر شباط 2011، وما نقلته من مواقف نواب تكتل "التغيير والإصلاح" لا تؤكد تأييد عون وتياره للثورات العربية فحسب، وإنما احتفاليتها بها.
ثانياً: لم يُظهر تيار عون أي خشية من وراثة الأنظمة الساقطة، ليس لأنه لم يتوقع الإسلاميين بديلاً، بل – وهذا هو الأغرب- لأنه توقعهم ولكن بلون مختلف، فقد تساوق عون مع جهد حليفه "حزب الله" لتوظيف الثورات العربية لصالح النموذج الإيراني، لدرجة أن إعلامه روّج لمقولة الإمام علي الخامنئي؛ إن الثورة المصرية "انطلقت متأثرة بثورة الإمام الخمينى فى إيران"، ومقولة وزير الخارجية الإيراني حينها علي أكبر صالحي؛ إن "سقوط النظام في مصر هو من إنجازات الثورة الإيرانية وسيتيح إقامة شرق أوسط إسلامي"، ومقولة الرئيس أحمدي نجاد؛ إنها "ثورات يقودها الإمام المهدي"... لتصل الغرابة قمتها برد النائب العوني نبيل نقولا على المتخوفين من البديل الإسلامي بالقول: فلتسقط هذه الأنظمة و "خلينا نعمل كلنا إسلام" (3/2/2011)!.
ثالثاً: احتفاءً بالثورات العربية المجيدة أقام "حزب الله" -حليف عون الإستراتيجي- مهرجاناً في 20/3/2011 "للتعبير عن تضامننا ووقوفنا إلى جانب شعوبنا العربية وثوراتها وانتفاضاتها وتضحياتها، خصوصاً في كل من تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن". في هذا الاحتفال نفى السيد حسن نصر الله عن هذه الثورات نظرية المؤامرة –التي اعتمدها عون في الحوار معه بتاريخ 15/5/2012 – معتبراً أن "الثورات هي إرادة ذاتية للشعوب، وأي إتهام أن أميركا هي التي صنعت هذه الثورات وأطلقتها، كلام ظالم لهذه الشعوب... هذه الثورات تعبّر عن وعي وحماسة واستعداد عالٍ للتضحية والفداء" (كان هذا قبل تصاعد الثورة في سوريا). نصر الله لم يكتف بتمجيد الثورات العربية –وهي مجيدة بالفعل- وإنما ربط بينها بين نتيجة حرب تموز 2006، ليعطيها مزيداً من المجد!.
بذلك يتضح وجه الغرابة؛ ففي حين كان عون متساوقاً مع حلفائه في تمجيد الثورات التونسية والمصرية والليبية واليمنية، بل كان أول وأكثر من مجّدها، بات اليوم يعتبر –بمفعول رجعي- أنها مؤامرة أمريكية لـ "إلهاء الشعوب عن إسرائيل" (15/3/2012)، و"جحيماً عربياً"، وتطرفاً إسلامياً (5/3/2012)!. اللافت هنا أن الرئيس بشار الأسد فعل الشيء نفسه، ففي حين ظهر واعظاً ومستبشراً بـ"الربيع العربي" خلال مقابلته مع "وول ستريت جورنال" الأميركية في31/1/2011، إذا به يقول في مقابلته مع قناة "روسيا اليوم" بتاريخ 16/5/2012: "من الواضح أن هذا ليس ربيعاً بل فوضى"!.
لماذا هذا التحول -ذي الأثر الرجعي- في مواقف عون من "الربيع العربي"؟
السبب الأول في تغير الموقف من الثورات العربية؛ هو انتقالها إلى حيث لا يريد عون وحلفاؤه، أي إلى سوريا، إذاك بدأت تصدر مواقف من صنف رفض "إهانة مبارك" (إحضاره إلى المحاكمة على سرير)، ورفض "الطريقة الهمجية في قتل القذافي"، ثم المقارنة بين "الروية العربية في اليمن والاستعجال العربي في سوريا"، ثم تسليط الضوء على البحرين لحجب الأنظار عما يجري في سوريا... وحده عون تخطى ذلك كله فأعلن رفضاً صريحاً، وحنيناً للزمن الذي كانت تشكّل فيه الأنظمة العربية "المتخاذلة والخائنة" مادة إعلامية صالحة ودسمة للحديث، وهو أمر يشترك جميع حلفاء عون بالحنين إليه، ولكن بصمت.
السبب الثاني: هو ظهور بدائل عن الأنظمة التي أسقطتها الثورات، لا تعجب الذين استثمروا فيها إعلامياً؛ فلا النموذج الإيراني ظهر، ولا روح الإمام المهدي بانت، ولا آثار حرب تموز تبدت. الشعوب قالت كلمتها فكان البديل على غير ما يشتهي هؤلاء، فانتقلوا من "عشق الديمقراطية" إلى بغض نتائجها، ومن الشعارات الوطنية إلى التخوفات الفئوية، ومن دعم "القوى الحية" إلى التحذير من "الأخوان المسلمين"!... عون نظَم المعلقات على مقولة خصمه سمير جعجع "فليحكم الأخوان" (وهي أقل على كل حال من قول نبيل نقولا: منعمل إسلام)، فيما حليفه الإستراتيجي اختار التقية في تعامله مع صعود "الأخوان"، فتارة يحذر من الأصولية (باعتباره حزباًَ غير أصولي!)، وتارة يتخوف على مستقبل الأقليات، وتارة يتقرب من البديل الجديد!.
ماذا يعني ذلك؟
لعل القليل من التبصر في هذا التحول في الموقف يفيد بالآتي:
أولاً: لا صدقية لادعاء المبدئية في طروح فريق الثامن من آذار، فقد أظهرت الثورات العربية أن المصلحة السياسية هي التي تحرك الموقف، خلافاً لخطاب تمجيد الذات وسموّها عن باقي الناس، فلو كانت المبدئية الرافضة لظلم الحاكم والداعية إلى منح الشعوب حريتها وكرامتها هي الأساس في الموقف من الثورات العربية، لما اختلف الموقف ما بين مصر وسوريا، ذلك أن ظلم الحاكم في سوريا أشد، وقمع الشعب هناك أكبر، ولكنها المصلحة السياسية المغلفة بأثواب من المبادىء والشعارات التي لا تصمد أمام الاختبار الحقيقي. ومثل ذلك يقال عن علاقة أميركا بالثورات العربية، فقبل الثورة في سوريا كانت الثورات إرادة ذاتية للشعوب –وفق السيد نصر الله- لكنها صارت مؤامرة أمريكية بعد الثورة في سوريا!، وقس على ذلك.
ثانياً: لم تكن الحماسة البالغة لثورات ما قبل سوريا، حباً بالديمقراطية –كما اتضح لاحقاً- وإنما كان ذلك التأييد نكاية بالخصوم ليس إلا، لأن من ينادي بالديمقراطية يقبل بنتائجها، ولا يرفض تعبير الشعوب عن نفسها بحجج عجيبة، كتلك التي ساقها عون في مقابلته بتاريخ 15/3/2012 بأنه "لا حرية ولا ديمقراطية في الوطن العربي ما دام الفلسطيني خارج أرضه"!.
ثالثاً: أظهرت المواقف من "الربيع العربي" أن الجميع محكوم بعقده الفئوية ولو أسمى تياره وطنياً، أو ادعى الوحدة في إطار الإسلام، فالعماد عون همه المعلن –الذي يتاجر به- هو المصلحة الطائفية، وبذلك يصرح ليل نهار. أما حليفه الإستراتيجي فمنظاره الخفي مذهبي؛ من خلاله يرى "الشعب" مضطهداً في البحرين، ولا يرى "الشعب" مضطهداً في سوريا، بل هو يشارك فعلياً في اضطهاده، ثم يتدثر بالوحدة الإسلامية والقضية الفلسطينية ليخفي مذهبيته.
رابعاً: كنتيجة للمصلحية المغرقة، والفئوية الشديدة، ظهر شكل رخيص من التدليس الإعلامي لدى العماد ميشال عون تحديداً؛ يمكن رصد أشكال عديدة له، وإنما سنورد نموذجين فقط:
الأول: هو حملة عون على خصمه سمير جعجع لقوله "فليحكم الأخوان"، فالواقع أن جعجع سُئل عن نتائج الديمقراطية، فقال إذا اختار الناس "الأخوان"، وإذا التزم "الأخوان" الديمقراطية والتداول السلمي والحقوق والحريات الأساسية؛ "فليحكم الأخوان"، فهل كان بمقدور أي عاقل يطالب بالديمقراطية أن يقول غير ذلك؟! ثم ألا يعني القول بعكس ذلك رفض الديمقراطية نفسها؟ وتالياً شعور الأغلبية بالقهر، الذي يولد التطرف، تماماً كما حدث في الجزائر بعد رفض نتيجة الانتخابات، فكانت السنوات العشر العجاف. ثم ما مصير المسيحيين -الذين يدعي عون حرصاً عليهم- في هذه الحالة؟!. الأخطر أن التدليس لم يقف عند هذا الحد، فعون (المثقف إسلامياً) يسأل (5/5/2012): "هل لديهم ثقافة يعرفون فيها من هم "الأخوان المسلمون"؟ عون نفسه يجيب بما يدل على جهل بالحركات الإسلامية فيقول: "لا قبول لحرية المعتقد مع التكفيريين الذين سيصلون (للحكم). ووجه التدليس هنا هو الخلط بين "الأخوان" وبين التكفيريين، فوفق المعايير الغربية نفسها لا يعتبر "الأخوان" إرهابيين أو تكفيريين... ولكنهم لدى عون كذلك.
الثاني: هو الخطاب الشعبوي لعون الذي يطرح فيه كلاماً على عواهنه: "رأينا شو صار في تونس ومصر وليبيا واليمن"! أو قوله: "هل سنختار النموذج التونسي أو الليبي أو المصري أو اليمني أو السوري أو البحريني؟ كفى عهراً وكفى فجوراً؟" (5/5/2012). وهذا أيضاً من قبيل التدليس؛ فما جرى في تونس كان مفخرة لها وللعرب. الثورة التي خلعت الرئيس لم تأكل أبناءها –خلافاً للقاعدة السياسية المعروفة- والحزب الفائز (النهضة) مد اليد للشراكة طوعاً. ونصاعة هذا المشهد موجودة أيضاً بنسب أقل فيما خص باقي الثورات العربية، وفي كل الأحوال فإنه لا مسيحيين في تونس وليبيا واليمن ليتباكى عليهم عون، أما حيث يوجد مسيحيون، أي في مصر، فالذي صار (رداً على سؤال عون) أن تحسن وضع المسيحيين بعد الثورة، دون أن يعني ذلك أن وضعهم أصبح مثالياً. الذي صار؛ أن الحكومة قبل الثورة كانت تتاجر بوضع الأقباط وبحقوقهم الدينية، إلى حد التآمر على أمن كنائسهم، في حين بات حقهم في إقامة دور العبادة على قدم المساواة مع المسلمين، وقد شُكّلت –للمرة الأولى- "لجان الافتقاد" المسيحية، وشكّل "الأخوان" لجاناً لحماية كنائس مواطنيهم الأقباط في أعيادهم، وصدرت "وثيقة الأزهر" بحضور وموافقة قادة الأحزاب الإسلامية، وهي الوثيقة التي تنادي بمصر "دولة مدنية"، وعلى "الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث". أما فيما يتعلق بالتمثيل النيابي؛ فقد شغل الأقباط في مصر ستة مقاعد في برلمان العام 1995 بالانتخاب، وشغلوا ستة مقاعد في برلمان العام 2000، ثلاثة منهم بالتعيين على هوى السلطة، في حين نال الأقباط بعد الثورة 11 مقعداً سبعة منهم بالانتخاب، ومن بين هؤلاء القبطي الناصري أمين اسكندر الذي فاز على لوائح "الأخوان" أنفسهم!.
أن يصف أخرقٌ الجمال بالقبح والنهار بالظلام فهذا لا يعني أن ذلك بات حقيقة، وأن الربيع قد تحول جحيماً، ولكنه يعني أن في العين حَوَل، أو أن في الفهم عطب أو أن في القلب حقد أعمى.
0 comments:
إرسال تعليق