الاثنين، 4 يونيو 2012

الخوف على سنة لبنان

عبد الرحمن الراشد

سنة لبنان أهميتهم ليست في نسبتهم، حيث تزعم كل طائفة أنها الأكثر عددا، بل في تجنبهم العسكرة، في بلد تقوقعت معظم طوائفه في هياكل سياسية وعسكرية. الشيعة كانوا إلى قبل الغزو الإسرائيلي عام 82 مجتمعا مدنيا بزعامات مدنية متعددة، وبعد تأسيس حزب الله همشت تقريبا كل البيوت الشيعية الكبيرة وأخذت محلها رجال دين وقيادات ميليشيا الحزب حتى تحولت الطائفة في الأخير إلى رهينة لميليشياتها وقياداتها السياسية.



ومنذ هجوم حزب الله على مناطق السنة في بيروت قبل ست سنوات، وهناك دعوات وسط السنة من صار يريد تقليد حزب الله بحجة حماية مناطقهم ومصالحهم، ببناء ميليشيات وتقديم رجال الدين لقيادة مجتمعهم، إلا أنها لم تجد قبولا إلا في مناطق التماس في طرابلس ذات الأغلبية السنية المتساكنة مع أقليات بينها علوية، التي يسهل اليوم إشعالها بإشاعة.



والمفارقة أن الذي سعى لتأسيس جماعات دينية متطرفة بين السنة ليس دول الخليج، كما يزعم، بل إيران. وهذه من التصرفات الغريبة دائما لإيران التي تعتقد أنها قادرة على التحالف مع الجماعات الدينية الإسلامية ضد جماعات أخرى.



الشيخ الراحل سعيد شعبان أحد رجال السنة المتطرفين كان ممثلا للإيرانيين في الشمال، وأعتقد أن إيران كانت تريد من خلاله و«حركة التوحيد» تغيير مراكز القوى التقليدية في لبنان، وهدم البيوت السنية الكبيرة مثل الصلح وكرامي والحريري كما هدمت من قبل البيوت الشيعية الحاكمة مثل الأسعد والخليل والزين ومروة. وكان الشيعة مثل السنة قبل التغلغل الإيراني ينتمون لأحزاب بألوان متعددة قومية ويسارية وعلمانية. وبقدر ما كان حزب الله مؤسسة، شبه دولة، تقدم المساعدات وتدعم الحقوق للبناني الشيعي فإن ذلك كان على حساب شخصيته وحرية اختياره.



مكنت الميليشيات والقيادات الحزبية الدينية من قيادة المجتمع وبالتالي ألغت المجتمع المدني الشيعي. والنتيجة اللاحقة أن الطائفة رهنت مقابل الحصول على المساعدات الخارجية، وصارت في خدمة حزب الله، وكما يحدث للمنظمات السرية الكبيرة فقد تفشى في الحزب الفساد، وساد أداة للقمع، ونجح الإسرائيليون في التسلل إلى كل طبقات الحزب بتجنيد الجواسيس والعملاء.



هذا المشهد الذي لا يسر كل من يتمنى أن يعيش في مجتمع مدني حر، المجتمع الذي عرفه اللبنانيون لعقود طويلة، لن يكون سهلا تفكيكه، الأمر الذي سيصبح ضرورة بعد التغييرات المحتملة في إيران وسوريا خلال السنوات الخمس المقبلة. وهذه خشية السنة أن تدفع الأحداث السورية إلى عسكرة المجتمع السني وتغيير مرجعياته المدنية. وليس سرا أن الجماعات السنية المتطرفة التي ظهرت في العشر سنوات الماضية ولدت مع المد السلفي الجهادي الذي هو موجود تقريبا في كل المجتمعات العربية، وهو الآن يمر بامتحان ديمقراطي مهم في مصر وتونس اللتين توجتا الثورة بالانتخابات.

وقد أظهر خطف الحجاج الشيعة في سوريا أن التطرف الطائفي لا حدود له، وقد يجر الجميع باتجاه حرب شاملة، والتطرف السني ليس استثناء. لكن لأن سنة لبنان نجحوا في تجاوز سنوات المواجهة التي أعقبت اغتيال رفيق الحريري رغم ثبوت تورط حزب الله والنظام السوري، فإنهم أمام امتحان مختلف تماما، حيث يعانون من الضغط النفسي والسياسي حيال ما يحدث في سوريا، وبسبب الموقف المنحاز لنظام الأسد لمعظم القيادات الرسمية اللبنانية ومعهم أيضا حزب الله. وعندما يشتكي قادة لبنانيون وكذلك سوريون من وجود متطرفين سنة في شمال لبنان يبدو أنهم لا يصغون إلى أنفسهم، وإلا ماذا نسمي حزب الله إلا حزبا دينيا متطرفا مسلحا.



أتمنى ألا ينجرف الغاضبون السنة بسبب ما يحدث من ظلم وقهر في سوريا وما تفعله القوى اللبنانية الموالية للنظام السوري ضدهم، ألا ينجرفوا نحو تخريب مجتمعهم بالتسلح وبناء الميليشيات وتقديم زعامات دينية، فهذا لن يؤذي إلا السنة بعد عقود من حياتهم المدنية وقياداتهم المدنية. النظام الميليشياوي أضر الطائفة الشيعية والسلاح لم يفد الفرقاء المسيحيين، ثم إن الأزمة السورية ستنتهي بسقوط النظام مهما كانت المواقف اللبنانية حيالها.

* نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية