منذ أسبوع، صرّح قائد "الحرس الثوري الإيراني" محمد علي الجعفري بأن الحرس يرسل مستشارين عسكريين إلى لبنان وسوريا لمساعدة "حزب الله" ونظام بشار الأسد، على التوالي. العاصفة السياسية التي سببها هذا التصريح – والذي دفع أيضاً بالرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى طلب توضيح من طهران – هَمدت بعد أن نفى المتحدث بإسم وزارة الخارجية الايرانية، رامين مهمانباراست، التصريح، ملقياً اللوم على الإعلام لأخطائه في ترجمة تصريح الجعفري.
لا أعتقد أن أحداً يمكنه نفي اشتراك "الحرس الثوري" في تأسيس "حزب الله" وتسليحه. في صيف عام 1982، أُرسل نحو 1500 عنصر من "الحرس الثوري" إلى منطقة البقاع الواقعة تحت السيطرة السورية، بحجة محاربة إسرائيل، على رغم أنهم كانوا، بشكل سري، يؤسسون "حزب الله".
السؤال هو ليس ما إذا كان هناك "حرس ثوري إيراني" في لبنان أم لا؛ بل السؤال ماذا يفعل بالضبط؟ ما هي ديناميات العلاقة بين حزب الله ومؤسسّه؟ ما هي طبيعة هذه الشراكة، وما مدى عمقها؟ هل يستطيع "حزب الله" أن يأخذ قراراً مستقلاً في ما اذا كان سيرد أم لا، في حال هاجمت إسرائيل إيران؟
الآن، مع تزايد الخوف من ضربة إسرائيلية لإيران كل يوم، السؤال الرئيسي الذي يسأله اللبنانيون، ومن ضمنهم مناصرو "حزب الله" أنفسهم، هو ما إذا كان الحزب سيرد أم لا.
لا أحد يريد حرباً. وعوضاً عن طمأنة الشعب اللبناني، يتجاهل "حزب الله" الموضوع كلياً، مركّزاً طاقاته على ترويع خصومه المحليين. يفضّل "حزب الله" إبقاء مناصريه في حالة خوف من المجهول وكره لوحوش خلقها هو لإبقائهم قلقين. الخوف سيبقيهم ملتصقين بالحزب، حاميهم الوحيد، على الرغم من ضعفه المتزايد.
في البدء كان الوحش إسرائيل، ثم جاء السلفيون، والآن حملة الحزب الجديدة هي ضد الشيعة المعارضين لـ"حزب الله" وإيديولوجيته وسياساته. لا يهم ماذا فعل أو قال هؤلاء الشيعة. الذراع الإعلامية لـ"حزب الله" تتكفل بالأمر، وهذه المرة جاءت من صحيفة "الأخبار" المتداعية ورأسها ابراهيم الأمين، شيوعي سابق والآن مؤيد مخلص لـ"حزب الله".
نشرت الصحيفة سلسلة مقالات تحت عنوان "أدوات أميركا الشيعة في لبنان"، منتقدةً شخصيات لبنانية شيعية للقائها ديبلوماسيين اميركيين. برهانهم: الـ"ويكيليكس". طبعاً، السؤال هو لماذا نَشر هذه السلسة الآن، مع العلم أن وثائق "ويكيليكس" ظهرت إلى العلن منذ أكثر من سنة.
لكن الجزء الخطير هو ما كتبه الأمين بعد ذلك. في مقالته "لا مكان بيننا للخونة"، هددّ الأخير عدداً من الشخصيات الشيعية. "ألا يعتقد هؤلاء بأن علاقتهم بالسفارة الأميركية في لبنان، ومشاركتهم الإدارة الأميركية العمل ضد المقاومة في لبنان، ما هي إلا وجه واضح وفاضح من التعامل مع إسرائيل؟ (...) ربما وجُب على هؤلاء معرفة أنهم تحت النظر، وتحت المتابعة لكل الموبقات التي يقومون بها، من دون أن يرفّ لهم جفن أو يتحرك فيهم الحياء. وأن مقاومتهم سوف تتعزز، وسوف تكون أكثر قوة من السابق، وأن السياق الذي يشهد أعنف معارك الأعداء ضد المقاومة في بلاد الشام سوف يدفع إلى محاصرتهم حتى إفقادهم كل قدرة على النطق بالكفر. وربما وجُب على من يمون على هؤلاء بكلمة عقل أن يشرح لهم أن زمن المسامحة العامة انتهى".
هذا إذن الوحش الجديد الذي على مناصري "حزب الله" مهابته. ولماذا؟ فقط لأن هذه الشخصيات تحدثت مع بعض الديبلوماسيين الاميركيين ولم تنظر إلى الاميركيين كأعداء. ليس مسموحاً لأي شيعي أن يفكر بطريقة مختلفة. مع هذا، فإن "حزب الله" ومستشاريه لا يزالون ينتقدون الطائفية في الجماعات الأخرى، ويعتبرون الشيعة مجموعة صلبة متجانسة.
إذن عودة إلى سؤال لماذا الآن؟ لأن "حزب الله" جدياً قلق إزاء الانخفاض الشديد في شعبيته ضمن الشيعة. فهو يخسر شعبية منذ اندلاع الانتفاضة السورية وأيضاً منذ بدأ بإظهار اشارات بأنه لا يستطيع إدارة الحكومة التي شكلها في 2011 بشكل مناسب. مهما يكن من أمر، فإن الضربة الحقيقية جاءت منذ اسابيع قليلة، عندما أصدر رجلا دين شيعيين بارزين في لبنان، هما السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص، بياناً مشتركاً يدعوان فيه شيعة لبنان إلى دعم الانتفاضة الشعبية في سوريا.
يعرف "حزب الله" أكثر من غيره، بأن التغيير يأتي من الداخل، وأن رجلي الدين فحص والأمين يتمتعان باحترام حقيقي وشعبية ضمن الشيعة، حتى بين أولئك الذين يدعمون "حزب الله".لم يصنّف الرجلان يوماً على أنهما مدعومان من الغرب أو مدعومان من "14 آذار" أو حتى مدعومان من المملكة العربية السعودية.
رجلا الدين هذان وبعض الشخصيات الشيعية العلمانية والناشطين يتشكّلون ببطء لكن بثقة، ككيان واحد مفتوح على الاختلافات. وهذا ما يخيف "حزب الله".
الخوف والكره قد يكونان مرادفين أحياناً، و"حزب الله" الآن أطلق حملة كره جديدة لتفادي الأسئلة المهمة التي يطرحها الناس. الجماعة الشيعية لم تعد تكترث لأولئك الوحوش الخياليين. هم يريدون أن يعرفوا ما اذا كانوا سيحصلون على مستقبل لائق في بلدهم أم لا. على اللبنانيين، شيعة أم غير شيعة، أن يبدأوا بالضغط على "حزب الله" للاجابة عن السؤال: ماذا سيفعل إذا ضُربت إيران؟ وكل شيء آخر هو مضيعة للوقت والجهد.
0 comments:
إرسال تعليق