الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

هكذا انقلبوا على الربيع العربي


بقلم: فادي شامية


في 19/3/2011 أطل أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله متضامناً مع "شعوبنا العربية؛ وثوراتها وانتفاضاتها وتضحياتها، خصوصاً في كل من تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن". تضامن نصر الله-الذي أغفل بدايات الثورة في سوريا حينها- لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما بدأ الحزب وحلفاؤه في إيراد ملاحظاتهم على "الربيع العربي"، وصولاً إلى اعتبارهم ما يجري في العالم العربي مؤامرة أمريكية لتفتيت المنطقة، فيما ذهب قائد الجناح المسيحي للمشروع الإيراني في المنطقة ميشال عون إلى حد وصف الثورات العربية بـ"الجحيم العربي"!.  
ومع أن الثورة السورية شكّلت عاملاً أساساً في تبدل الموقف من "الربيع العربي"، إلا أن خيبة أمل إيران وحلفائها من نتائج الثورات العربية، دفع باتجاه هذا الموقف السلبي، إذ لم تلبس هذه الثورات لبوس النموذج الخميني، كما كان يبشر الإعلام الإيراني إبان الثورة المصرية، كما أن النتائج الانتخابية جاءت على غير ما يشتهي المشروع الإيراني، لدرجة أن إعلام هذا المشروع بات مضطراً لتحوير كلام رئيس جمهورية مصر في طهران دفعاً للإحراج (كلام الرئيس مرسي في طهران عن القمع في سوريا وترجمته عن قصد على أنه عن البحرين)، فانتقلت دعاية المشروع الإيراني  من "عشق الديمقراطية" إلى بغض نتائجها، ومن الشعارات الوطنية إلى التخوفات الفئوية، ومن دعم "القوى الحية" إلى التحذير من "الأخوان المسلمين"!.
الأوراق تتساقط
بناءً على نتائج "الربيع العربي" يمكن القول؛ أن المشروع الإيراني فقد أوراقاً ثلاثة: 

أولاً: فقدان ورقة المطالب الشعبية في العالم العربي:  إذ لم يعد لتبني إيران ظلامات الشعوب أي معنى، فمن جهة فاقد الشيء لا يعطيه، وقمع الحرية في إيران لا يؤهلها بيع هذه الحرية للشعوب الأخرى، ومن جهة أخرى فإن تبني حرية الشعوب لم يعد ذي موضوع، لأن الحرية تحققت بنسب مختلفة، بأيدي شعوب المنطقة، وبعيداً عن النموذج الإيراني، وتالياً فإن الخطاب الإيراني لم يعد لديه سوى تبني المطالب الفئوية، كمطالب الشيعة في السعودية أو البحرين، وهو ما يزيد من محاصرته لدى الغالبية الشعبية والرسمية في البلدان الإسلامية.


ثانياً: فقدان الورقة الفلسطينية: وهي أحد أهم عبّارات المشروع الإيراني إلى قلب المنطقة العربية، إذ لا يخفى أن الشعوب العربية كانت تتجاوز سلبيات المشروع الإيراني بدعوى أن أنظمتها متخاذلة تجاه القضية الفلسطينية، لكن الصعود الديمقراطي لقوى تتبنى القضية الفلسطينية، أسقط هذه الورقة من أيدي المشروع الإيراني. كما أن الشارع العربي نفسه – بأخذه زمام المبادرة- حدّ من حجم تدخل إيران في القضية الفلسطينية، ثم جاءت المصالحة الفلسطينية من القاهرة بالذات مؤشراً كبيراً على ذلك.
ثالثاً: فقدان الشعارات الإسلامية: حيث شكّلت مفارقة البحرين-سوريا، لجهة الموقف السياسي والإعلامي والتورط الفعلي في الأحداث، عاملاً هاماً في كشف خداع شعار "الوحدة الإسلامية" الذي رفعه المشروع الإيراني منذ زمن، واستطاع من خلال بعض أدواته في المنطقة ("تجمع العلماء المسلمين في لبنان" على سبيل المثال) أن يخدع كثيرين. الواقع أن تحوّل أدوات إيران في المنطقة من الحديث عن الوحدة إلى التحريض على السلفيين والجهاديين كشف حقيقة هذه "الوحدة الإسلامية" بوضوح، ثم جاءت المواقف الإيرانية نفسها مما يجري في سوريا والبحرين لتزيد المشهد وضوحاً، لدرجة جرأت نائب رئيس الوزراء التركي بولند أرينج في6-2-2012 على التساؤل: "يا جمهورية إيران الإسلامية. لا أدري إن كنت جديرة بأن تحملي اسم الإسلام، لكن هل تفوهت بعبارة واحدة للتعليق على ما يحدث في سوريا؟".


... وخسائر  بالجملة

إضافة إلى ذلك؛ يُظهر الواقع نتائج كارثية على المشروع الإيراني وأتباعه، جراء "الربيع العربي":
أولاً: حصار شعبي ورسمي للمشروع الإيراني في دول المنطقة قاطبة بعد انكشافه، كما لم يحدث من قبل.
ثانياً: خسارة الشارع السوري وانتقال السوريين الثائرين إلى حالة معاداة المشروع الإيراني بالكامل بعدما تورط في دمهم، ما يعني خسارة كبيرة لهذا المشروع.
ثالثاً: فقدان عقدة القوس في المشروع الإيراني، إذ لا يمكن لأي نظام بديل أن يعادل النظام السوري في خدمته المشروع الإيراني، فكيف إذا أصبح النظام القادم في سوريا بحالة مواجهة مع هذا المشروع؟!
رابعاً: انهيار الصورة الذهنية لأهم ذراع إيراني في المنطقة؛ "حزب الله"، إذ يبدو أن الخسائر التي أصابت الحزب غير قابلة للتعويض، سيما أن الرأي العام أعاد قراءة تجربة الحزب من أولها على أساس التدهور الأخلاقي الذي آل إليه.


خامساً: خسارة المشروع الإيراني أطرافاً كانت قريبة منه، أهمها قطر وتركيا، حيث انتقلت العلاقة من التحالف -على ذمة المتكلمين باسم المشروع الإيراني- إلى حالة العداء والتخوين.
سادساً: احتمال اندلاع الثورة في إيران نفسها بعد انتصار الثورة السورية، سيما أن إيران باتت مستنزفة اقتصادياً جراء دعمها لنظام الأسد، فضلاً عن أن الشعب الإيراني المقموعة ثورته الخضراء سوف يأخذ جرعة دعم لتحركات جديدة. 
 موقف سلبي بمفعول رجعي!

نتيجة لما سبق؛ فقد تغير الموقف من "الربيع العربي" برمته، ليس من لحظة معينة وما بعدها، وإنما بمفعول رجعي أيضاً، (في حين ظهر بشار الأسد واعظاً ومستبشراً بـ"الربيع العربي" خلال مقابلته مع "وول ستريت جورنال" الأميركية في31/1/2011، إذا به يقول في مقابلته مع قناة "روسيا اليوم" بتاريخ 16/5/2012: "من الواضح أن هذا ليس ربيعاً بل فوضى")!، بذلك اتضح – مرة جديدة- المصلحية المفرطة في المواقف الإيرانية، حيث أظهرت الثورات العربية أن المصلحة السياسية هي التي تحرك الموقف لدى حكام طهران، إذ لو كانت المبدئية الرافضة لظلم الحاكم والداعية إلى منح الشعوب حريتها وكرامتها هي الأساس في الموقف من الثورات العربية، لما تبدلت المواقف من "الربيع العربي".
كما اتضح أيضاً أن الحماسة البالغة لثورات ما قبل سوريا، لم تكن حباً بالديمقراطية، وإنما كان ذلك التأييد نكاية بالخصوم ليس إلا، لأن من ينادي بالديمقراطية يقبل بنتائجها، ولا يرفض تعبير الشعوب عن نفسها بحجج عجيبة، كتلك التي ساقها حليف النظام الإيراني ميشال عون في مقابلته بتاريخ 15/3/2012 بأنه "لا حرية ولا ديمقراطية في الوطن العربي ما دام الفلسطيني خارج أرضه"!، وصولاً إلى كلامه "الخرافي" عن "تقدم الديمقراطية في سوريا، بعكس الدول العربية التي أسقطت حكوماتها"، كما ورد على لسانه حرفياً في مقابلة حديثة على الإعلام الرسمي السوري (11/10/2012 وفي المقابلة نفسها كرر عون اعتباره ما يحدث في المنطقة ليس ربيعاً عربياً بل جهنماً عربياً مخططاً له ضمن نظرية الفوضى الخلاقة).

 الموقف السلبي من "الربيع العربي" لم يبق مجرداً من الفعل، وإنما تمثل في جملة أمور أخرى:
أولاً: تسويق أدوات المشروع الإيراني في المنطقة لنظرية الخطر القادم على المسيحيين: وذلك إذا ما وصل "الأخوان المسلمون" إلى الحكم. وبغض النظر عن أن هذا التوقع غير صحيح، إلا أن استضافة إعلام المشروع الإيراني في المنطقة العربية لا سيما القنوات المسيحية (قناة ميشال عون مثلاً) لشخصيات دينية وزمنية مسيحية، وتبنيه لنظرية "الخطر الأصولي"، مثّل قمة العجب في مقاربة هذا الملف؛ ذلك أن مشروع إيران نفسه أصولي، بحسب توصيفه وأدبياته هو. وقد أخذ هذا المسار بعداً تنفيذياً، لكن العناية الإلهية، ثم براعة "شعبة" المعلومات في لبنان، أحبط المخططات التنفيذية، ليتبين بعد توقيف ميشال سماحة، أن الذين كانوا يحذرون من الإرهاب الأصولي إنما كانوا يحضرون الأرضية لإرهابهم، المراد لصقه بالإسلاميين.
ثانياً: تسعير الاحتجاجات المذهبية في البحرين ومحاولة زعزعة الاستقرار في السعودية: وصولاً إلى تظاهر آلاف الإيرانيين في 18/5/2012 في طهران للاحتجاج على مشروع الاتحاد بين البحرين والسعودية، الذي وصفه إمام الصلاة في العاصمة الإيرانية بـ "مؤامرة أميركية صهيونية"!. وقد سبق هذه التظاهرات موقف بلا قفازات للناطق باسم الخارجية الإيرانية اعتبر فيه أن "مشروع الاتحاد السعودي البحريني يعني زوال البحرين ذات الأكثرية الشيعية"!.
ثالثاً: التورط في الدم السوري: لم يكتف المشروع الإيراني بدعم النظام الظالم في سوريا-سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، وإنما تورط في الدم السوري أيضاً، حيث يبدو واضحاً اليوم أن أدوات المشروع الإيراني كلها تخوض حرباً وجودية إلى جانب النظام السوري؛ يشترك فيها الحرس الثوري الإيراني، و"حزب الله"، و"جيش المهدي"، وجماعة الحوثي، وآخرون.
انتقال المشروع الإيراني من تأييد "الربيع العربي" إلى انتقاده، ليس هو نهاية هذا المسار -على ما يرى كثير من المراقبين-، إذ ثمة في الأفق مواجهة قاسية ما بين مشروع "التحرر والنهوض العربي" و"مشروع الاستتباع والتوسع الإيراني"، ومن أراد أن يتابع تفاصيل هذه المواجهة عليه أن يتابع ما يجري فوق الأراضي السورية!

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية