الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

لماذا أخفى عون وثيقة «الخلاص» من الإجتياح السوري؟


رفع «التيار الوطني الحر» شعار «العالم لم يسحقنا ولم يأخذ توقيعنا»، وقد امتلأت الطرق والساحات في غالبية المناطق المسيحية بهذا الشعار وغيره، خصوصاً في مناطق المتن الشمالي، وكان لهذا الشعار «وقع فارغ»، بحسب شخصية بارزة في التيار العوني عاصرت عن قرب تلك الفترة الحساسة من تاريخ الوطن.

وتؤكد هذه الشخصية أنّ "العالم سحق رئيس الحكومة العسكرية يومها العماد ميشال عون، لأنّ كل دول القرار رأت وجوب الانتهاء من حال التمرّد التي كان يمثّلها عون، بهدف عودة الهدوء والاستقرار إلى البلد. وكان الثمن الأكبر الذي تكبّده لبنان سقوط الشرعية ورموز السيادة الوطنية في تلك الفترة في قبضة الاحتلال السوري (القصر الجمهوري، وزارة الدفاع الوطني، وغيرها من المؤسسات الشرعية). وبسبب سيطرة الاحتلال، بدأ تطبيق الطائف السوري الذي أقصى المسيحيّين عن السلطة، وحاول تقويض كل مقومات الكيان اللبناني (تعديل قوانين الانتخاب النيابية والرئاسية ومرسوم التجنيس...)".
لكن ما لا يعلمه كثيرون، بحسب المصدر نفسه، هو أن عون كان وافق على الاعتراف برئيس الجمهورية في تلك الفترة الياس الهراوي، ووقّع اتفاقاً كتبه العميد عامر شهاب بخط يده في السفارة الفرنسية، مساء يوم الجمعة في 12 تشرين الأول 1990. وقد أتى على ذكر هذا الاتفاق وزير الدفاع آنذاك ألبير منصور في كتابه "الانقلاب على الطائف"، وقال ما حرفيته: "أؤكد أنه لو أُعلم مجلس الوزراء بأمر الاتفاق في حينه، لكان أوقف العملية العسكرية حتماً" (صفحة 134).
وقد أورد الزميل أنطوان سعد في الجزء الأول من سيرة البطريرك الماروني السابق (السادس والسبعون مار نصرالله بطرس صفير) الوثيقة التي كان وقّعها عون، وفيها يعترف بالرئيس الهراوي وباستعداده لتسليم قيادة الجيش للعماد اميل لحود، غير أنّ تأخّره وتردّده في الإعلان عن الاتفاق، مراهناً على إشاعات وصلته، تبيَّن أنها واهية، جعلته يُهمل الإعلان عن هذا الاتفاق، ويترك الفرصة للجيش السوري ليقتحم المنطقة الشرقية وقصر بعبدا ووزارة الدفاع.
والجدير ذكره أن أشخاصاً مقرّبين جداً من رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" لم يطلعوا على هذا الاتفاق. وفي هذا المجال، يذكر القاضي سليم العازار، الذي كان من الدائرة الصغرى المحيطة بعون، وهو كتب في مقال نشر في جريدة "الديار" في 6 آب 2012، أنه التقى عون "قبل غياب الشمس، وسَمِع منه أن الهجوم سيتمّ صبيحة اليوم التالي، وأنه سيحصل وقد قُضي الأمر"، ولكن من دون أن يطلعه على الاتفاق الذي كان يمكنه أن يحول دون حصول الاجتياح لَو تمّ الإعلان عنه. وسأل المصدر: ماذا لو أُعلن عن هذا الاتفاق عشيّة الاجتياح، وتم إيقاف آلة القتل العسكرية السورية؟ هل كان استشهد العشرات، وربما المئات، من العسكريين والضباط؟ وهل كان الجيش اللبناني ليكون رهينة لدى السوريين منذ ذلك العام وحتى العام 2005، وربما أكثر؟ وهل كان في إمكان الجيش السوري أن يستولي على ذاكرة الوطن وذاكرة الجيش اللبناني من خلال وضع يده على الأرشيف الذي نقلته شاحنات سورية كثيرة من وزارة الدفاع الوطني إلى سوريا؟ وهل كان رئيس الجمهورية سيُصبح أُلعوبة في يد النظام السوري يومها مع سائر رؤساء الحكومات والوزراء والنواب؟ وهل كان الجنرال عون نفسه نُفي بهذه الطريقة المذلّة والمهينة؟
هذه كلها أسئلة برَسم الرأي العام اللبناني عموماً، والمسيحي خصوصاً، والعوني تحديداً، لأنّ البلد بأسره، كما شعبه، تعرّض لأبشع أنواع الهيمنة والإفقار والدَّوس على السيادة والكرامة بعد 13 تشرين الأول من العام 1990.
الجمهورية 

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية