فادي شامية
بما أنه بات للبنان جبهتان عسكريتان؛ إحداهما في الجنوب وأخرى في الشمال، وبما أن الجبهة الناشطة حالياً هي في الشمال (شمال شرق)، حيث يستعمل "حزب الله" الأراضي اللبنانية لشن هجماته على "الجيش السوري الحر"، وكخطوط إمداد لمقاتليه في الداخل السوري، فقد كان حرياً التوجه إلى الحدود لتقصي ما أمكن من حقائق؛ ينكر الحزب المذكور بعضها ويقر ببعضها الآخر.
على تخوم منطقة جبل أكروم لجهة الهرمل، كان يمكن سماع أصوات القذائف التي يطلقها "حزب الله" على الأراضي السورية بوضوح. ومع التوغل أكثر لجهة الشرق، بدا جلياً خط الرمايات من لبنان باتجاه الأراضي السورية، انطلاقاً من المناطق اللبنانية المشرفة على منطقة القصير؛ وادي فيسان، وحوش السيد علي، ومرجحين، ورويحة، والبستان، وبلدة القصر.
ليل 19-20/10 كان القصف باتجاه الأراضي السورية بمعدل قذيفة كل ثلاث دقائق. استمر الوضع على هذا الحال لساعتين أو أكثر وتسبب باندلاع حريق في جنوب منطقة القصير، كان يمكن رصده بالعين المجردة، من الأراضي اللبنانية.
في ليلة 20-21/10 تمكنا من الالتقاء بعدد من السوريين الفارين ومعرفة ما جرى في الليلة السابقة. كانت الاشتباكات على أشدها وقد تمكن مقاتلو "الجيش الحر" من السيطرة على عدد من حواجز القصير (منطقة جوسيه)، لكن تدخل الطيران المروحي أجبر المهاجمين على الانكفاء، ما سمح للشبيحة وعناصر "حزب الله"، إضافة إلى الجيش النظامي، التقدم ليلاً وإعادة السيطرة من جديد.
السؤال عن دور "حزب الله" في دعم نظام الأسد يفتح الباب أمام سيل من المعلومات التي يقدمها الناشطون. في منزل حدودي في جبل أكروم أفاد هؤلاء بما يأتي:
أولاًَ: لم يعتدِ احد على اللبنانيين الشيعة الموجودين في الأراضي السورية، وإنما جيّشهم "حزب الله" من بداية الثورة لصالح دعم نظام الأسد بدعوى أن انتصار الثوار يعني ذبحهم، وفي وقت لاحق سلّح الحزب كل ذكَر اعتباراً من عمر 14 سنة ببندقية وكامل العتاد المطلوب للمقاتل الفردي، ثم حوّلهم إلى مقاتلين يعتدون على الناس والأعراض والممتلكات.
ثانياً: مع تزايد قوة "الجيش الحر" في منطقة القصير انسحب جيش النظام تاركاً لـ "حزب الله" أن يسيطر بشكل كامل على القرى الحدودية الشيعية؛ زيتا- الحمّام- الصفصافة- الفاضلية- حويك- جرماش-الديابية- السماقيات الشرقية- الناعم- القرينة- دبين- لفتاية- جوناية- خربة الحمام- خربة التين. في تلك القرى ينتشر الحزب بكثافة ويقيم الحواجز خارج البلدات لمنع الثوار من الاقتراب.
ثالثاً: يقوم "حزب الله" مؤخراً بإجبار الشباب في عدد من القرى على حمل السلاح، كما هي الحال في بلدة السماقيات الغربية وحويك-حيث الاختلاط المذهبي- وذلك تحت طائلة القتل، بالتزامن مع خوضه مواجهات ضارية مع الثوار السوريين، المتمركزين في بلدات؛ الحوري والبرهانية والنهرية وغيرها.
رابعاً: تسلم مقاتلو الحزب مؤخراً من جيش النظام السيطرة على قرية جديدة في منطقة القصير، وهي ربلة ذات الغالبية المسيحية، حيث يقوم مقاتلوه بدور التجييش نفسه الذي مارسوه في القرى الشيعية.
خامساً: نجح الحزب أكثر من مرة في إجبار الثوار السوريين على الانكفاء لحماية مناطقهم، بعدما قام مقاتلوه بحركة التفاف على القرى التي ينطلق منها الثوار، بدعم من مرابض المدفعية المتمركزة في الأراضي اللبنانية، وهو يخوض حالياً بالتنسيق مع جيش النظام معارك ضارية في جوسي، ولديه خط إمداد عبر منطقة تل أبيض في بعلبك؛ نجح باستخدامه لإحباط ثلاث محاولات للسيطرة على مطار الضيعة، على اعتبار أن الثوار كانوا بين خيار الاستمرار في قتالهم أو ترك منطقة جنوب العاصي ليسيطر عليها الحزب ويلتف عليهم.
سادساً: يسقط للحزب المذكور أثناء المواجهات قتلى وجرحى يقوم بنقلهم إلى الأراضي اللبنانية، ويدفنهم بعيداً عن الإعلام، غير أن مقتل المسؤول عن عناصره في سوريا مؤخراً، بكمين نصبه له "الجيش الحر"، دفع الحزب باتجاه الإقرار بتورطه، واعتبار القتيل "شهيداً" قضى أثناء قيامه بواجبه الجهادي.
ما أهمية القصير بالنسبة لـ "حزب الله" ونظام الأسد للاستماتة إلى هذا الحد في السيطرة عليها؟ يجيب الناشطون فوراً؛ إنها عقدة التواصل بين القرى الشيعية (اثنا عشرية) والمناطق العلوية على الساحل السوري. لقد باتت القصير، مدينة وريفاً (35 كلم غرب حمص) مدمرة بشكل شبه كامل، لكنها ما تزال صامدة، فسقوطها يعني سقوط ما تبقى من أحياء صامدة في حمص عسكرياً، ووصل مناطق "الكانتون" العلوي جغرافياً وسياسياً.
هل يمكن أن تسقط القصير؟ يستبعد الناشطون السوريون ذلك، رغم شكواهم من قلة السلاح، وشح الذخائر، إذ يوجد في المنطقة نحو عشرة آلاف مقاتل، لولا الطيران وتدخل "حزب الله" لحسموا المعركة لصالحهم من زمان.
وماذا أنتم فاعلون إذا حصل ذلك الحسم لصالحكم؟ الجواب: سنكمل باتجاه معاقل "حزب الله". هو من فتح الجبهة ضدنا ولسنا نحن، ولن ننسى ما يفعله في الشعب السوري!
في تساؤل آخر بقي في الذهن؛ تُرى هل يحمل لبنان الصغير فتح جبهات على كامل حدوده البرية (يسهم "حزب الله" أيضاً في دعم جيش النظام السوري في دمشق شرقاً ويتنقل مقاتلوه عبر أنفاق السلاح في البقاع)، ثم من استشار الحزب من باقي اللبنايين ليرسل طائرة إلى فلسطين المحتلة من جنوب لبنان، أو ينصب مدافع في شماله ليقصف الأراضي السورية! في منطق الحزب؛ لا يحق لنا التساؤل، فهم مقاومون ونحن متآمرون!
Posted in: مقالات سياسية
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة في Facebook
0 comments:
إرسال تعليق