الخميس، 13 ديسمبر 2012

"شهر عسل" بين واشنطن و"الإخوان"

سلامة عبد اللطيف

أثار الموقف الأميركي من الأزمة السياسية المحتدمة في مصر بين الحكم من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، كثيراً من التساؤلات حول "دعم واشنطن للديمقراطية" في دول الربيع العربي، إذ اكتفت الإدارة الأميركية بالإعراب عن "القلق" ودعوة الطرفين إلى حوار، وهو ما وجدت فيه الرئاسة المصرية فرصة للمناورة، إذ اكتفى الرئيس محمد مرسي بالاستماع إلى "حلفائه".

وبدت هذه الإدارة منحازة لموقف الرئيس مرسي وجماعة "الإخوان المسلمين"، وخصوصاً لجهة دعوتها كل الأطراف إلى الدخول في حوار "غير مشروط"، على رغم أن المعارضة مُصرة على إرجاء موعد الاستفتاء المحدد السبت المقبل لإمهال الحوار فرصة التوافق حول البنود الخلافية في مشروع الدستور، في حين عرض مرسي الحوار حول "خارطة الطريق بعد الاستفتاء"، رافضاً إرجاء الاستفتاء.

وتعيش مصر أزمة سياسية منذ أكثر من أسبوعين وتحول الخلاف السياسي إلى حرب شوارع في القاهرة وعدد من المحافظات، ما ينذر بصدام أهلي واسع النطاق في ظل تهديد الفرقاء باللجوء إلى العنف في حال تم الاعتداء على أي من أنصارهم.

وتكرر حصار القصر الرئاسي من جانب حشود المعارضة، فيما يحاصر أنصار الموالاة مقر المحكمة الدستورية العليا، كما طوقوا مدينة الانتاج الإعلامي متهمين القنوات الفضائية بتضليل الجماهير.

الرئيس الأميركي باراك أوباما رحّب بدعوة مرسي للحوار الجاري الآن، وطالب قادة المعارضة بالانضمام إليه بدون شروط مسبقة. لكن لوحظ أن المشاركين في الحوار الذي دعا إليه مرسي هم في الأساس حلفاؤه، أو قوى قريبة من الإسلاميين، وأخرى ليس لها تأثير يُذكر في الشارع، بدا أن الهدف من جمعها إظهار أن النظام لبى الدعوات إلى الحوار، فيما المعارضة الرئيسية غائبة عنه.

وكانت الرئاسة المصرية أوفدت بعثة إلى واشنطن لشرح ملابسات الموقف وترتيب زيارة لمرسي إليها الشهر المقبل من دون تحديد تاريخ بعينه. وبدا لافتاً استقبال أوباما مساعد الرئيس للشؤون الخارجية المصري عصام حداد، وهو أحد قيادات "جماعة الإخوان" المقربين من نائب المرشد المهندس خيرت الشاطر المعروف بنفوذه وسطوته داخل الجماعة.

وعقب لقاء أوباما مع حداد، خرجت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتدعو كل الأطراف إلى حوار، وبعدها حدد مرسي موعداً لحوار انتهى إلى استبدال الإعلان الدستوري الذي وسّع مرسي بموجبه صلاحياته، بإعلان آخر أبقى فيه على آثار الأول، وأصرّ على إجراء الاستفتاء السبت المقبل، وسط احتقان غير مسبوق.

واعتبر السفير المصري السابق في الولايات المتحدة السفير عبد الرؤوف الريدي أن استقبال أوباما لمساعد الرئيس يدل على أن الادارة الأميركية تولي اهتماما بمصر والنظام الجديد فيها. ورأى أن واشنطن "تميل لمساندة مرسي في الأزمة السياسية الحالية"، إذ تبنت رغبته في الدعوة إلى حوار من دون شروط مسبقة، رغم إعلان المعارضة رفض الحوار قبل تحقيق مطالب أولية، وقال لموقع "NOW": "الرئيس لم يكن أمامه إلا أن يدعو إلى حوار، وهو لا يريد أكثر من ذلك، والأميركيون لم يتخطوا هذا الحد".

ولاحظ الريدي "قوة العلاقة" بين مرسي وأوباما، وهو ما بدا في الاتصالات المستمرة بينهما أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، وقال: "النظام المصري كان له دور مهم في عقد الهدنة بين حماس وإسرائيل. أميركا أدركت أن هناك عنواناً يمكن أن تتحدث إليه في حال وقوع أي مشكلة بين حماس وإسرائيل، وهذا الأمر يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لواشنطن، لتهدئة الساحة في المنطقة والحفاظ على أمن إسرائيل"، مشيراً إلى أن الحرب الأخيرة على غزة أثبتت للإدارة الأميركية أن الرئيس المصري "لاعب فاعل" ومنحته أهمية كبيرة.

وأوضح الريدي أن "الإخوان براغماتيون بطبعهم، والأميركيين من جانبهم يفضلون التعامل مع هذا النوع من الساسة، حتى أن كل طرف بات يرى أنه من الصعب أن يكون مع الطرف الآخر"، وأضاف: "الإخوان وأميركا يحققان مصلحة متبادلة لبعضهما"، مشيرا في هذا الصدد أيضاً إلى موقف مرسي من الأزمة السورية. وقال: "مرسي بات من أكثر الزعماء العرب الذين طالبوا بشار الأسد بالرحيل صراحة، وهذا يتسق مع المواقف الأميركية. الرئيس لم يوارب في الهجوم على الأسد حتى أن القاهرة احتضنت المعارضة السورية".

وخلص السفير الريدي إلى أن الحرب في غزة كانت اختبارا مهما للعلاقة بين القاهرة وواشنطن في ظل الحكم الجديد، خرج منه النظام رابحاً، فدور مصر كان محل تقدير من أميركا وأيضاً إسرائيل، وبدت العلاقات مع واشنطن "وثيقة".

من جانبه، قال استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية سعد الدين ابراهيم لـ"NOW" إن "الحوار بين واشنطن وجماعة الإخوان مستمر منذ سنوات، حتى قبل سقوط نظام حسني مبارك"، مشيرا إلى أنه توسط لعقد لقاءات بين مسؤولين وديبلوماسيين أميركيين في القاهرة وقادة في الإخوان بينهم الشاطر في العام 2006 "وظهر حينها أن هناك استعداداً متبادلا للتفاهم"، مضيفا: "قمت بهذا الدور ليقيني أن الطرفين لديهما القدرة على التعامل معا، لأن المصالح تفرض نفسها".

وأشار ابراهيم إلى أن الإخوان يدركون أهمية العلاقات مع واشنطن، ولذا بادروا بإرسال وفد إلى الادارة الأميركية بعد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، التي فاز فيها مرسي والفريق أحمد شفيق، لطمأنة الأميركيين على الحفاظ على علاقات طبيعية معهم والمصالح المتبادلة. وأوضح أن الولايات المتحدة تريد للإخوان موقفاً متفاهماً ومتصالحاً مع إسرائيل باعتبارها حليفة لها، وهم من جانبهم أكدوا احترامهم الاتفاقات الدولية وعلى رأسها اتفاق السلام مع إسرائيل، كما لعبوا الدور الرئيسي في عقد الهدنة بين حماس وإسرائيل.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية