السبت، 30 أبريل 2011

هل كان ينقص لبنان ملف للفتنة ليستورده من البحرين

ليست الاحتجاجات والاضطرابات جديدة على البحرين. في هذا البلد الصغير هناك نظام بحاجة إلى إصلاح، وهناك مشكلة مذهبية حادة. وقد أنتج هذان العاملان اضطراباً دائماً، ومحاولات عديدة لقلب نظام الحكم، كان أبرزها عام 1982 وعام 1994، وصولاً إلى إعلان الثورة على النظام عام 2011، انسياقاً مع موجة الثورات العربية، وقد أيّد هذه "الثورة" في البداية جمعيات سنية وازنة في المجتمع البحريني، لكن المشهد سرعان ما تحوّل إلى فتنة بين السنة والشيعة، وفرزاً مذهبياً حاداً، انتقلت آثاره إلى أرجاء العالم الإسلامي، وإلى المجتمع الخليجي على وجه الخصوص.

كيف أُقحم لبنان في هذا المشهد؟
قد يبدو للبعض أن كلام السيد حسن نصر الله دعماً لـ "الثورات العربية" في 19/3/2011، كان البداية، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، ذلك أن "حزب الله"، ومنذ سنوات طويلة جداً، هو جزء من استنهاض الحالة الشيعية في البحرين، مادياً ومعنوياً، وعلاقة الشيعة في البحرين بـ "حزب الله" أكثر من وثيقة، وقد تصدّرت صور نصر الله نفسه طليعة الاحتجاجات هناك، ولعل مشاهدة قناة المنار التابعة لـ "حزب الله" لدقائق وجيزة كافٍ لأخذ فكرة عن عمق الصلة بين "حزب الله" وشيعة البحرين.

يضاف إلى ذلك جملة من الوقائع الثابتة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: تدريب بحرينيين في معسكرات لـ "حزب الله" في لبنان (تقرير السلطات البحرينية المرفوع إلى الأمم المتحدة)، ووجود تنسيق وثيق بين قيادات المعارضة البحرينية وقيادة الحزب (اللقاء الذي جمع زعيم حركة "حق" حسن مشيمع بالسيد حسن نصر الله قبل عودته إلى البحرين من منفاه في لندن)، والدعم الإعلامي الكبير الذي تقدمه قناة "المنار" (كانت متواجدة في دوار اللؤلؤة كجزء من أدوات "الثورة").

وما يزال "حزب الله" إلى اليوم يحرّض ضد السلطة في البحرين، رغم تراجع جذوة الاحتجاجات، مستخدماً واجهات سنية في كثير من الأحيان، إضافة إلى "تجمع العلماء المسلمين" (يضم مشايخ من الشيعة والسنة)، الذي أضحى في السنوات الأخيرة أكثر التصاقاً بإيران، بعيداً عن شعار الوحدة الإسلامية الذي يرفعه (أعلن مؤخراً رئيس الهيئة الإدارية في التجمع حسان عبد الله انسحابه من "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، على خلفية مواقف القرضاوي من البحرين وسوريا). هذا مع التذكير بموقف "حزب الله" السلبي من دخول قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين بطلب من حكومتها، ومزايدته، حتى على حركة "الوفاق" المعارضة، التي عدّلت من خطابها مؤخراً، مشيدةً بـ"دعوة جلالة الملك الصادقة لشعب البحرين" باتجاه الإصلاح.

انعكاسات ذلك على لبنان
في الواقع اللبناني ليس ثمة قدرة عند أحد، بما في ذلك الدولة، مساءلة "حزب الله" قانونياً، على أي خيار يتخذه، سواء داخلياً أو خارجياً، ما يعني أن مواجهة الحزب المذكور فيما قد يُعتبر تدخلاً منه في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، يقع على عاتق هذه الدولة بالذات. هذا الواقع معروف لدى النظام في البحرين، كما لدى باقي دول الخليج. وعلى هذا الأساس "عاقبت" البحرين اللبنانيين المقيمين فيها، فرحّلت بعضهم، ومنعت تجديد إقامة آخرين، وامتنعت عن إعطاء تأشيرات جديدة للبنانيين، وقد انسحب هذا الواقع على عدد من دول الخليج أيضاً، ما أضر بمصالح اللبنانيين جميعاً، وبالأخص منهم الشيعة، ولولا تدخل الرئيس سعد الحريري، لكان الواقع أصعب وحجم الإجراءات العقابية أكبر.

لكن الضرر، يتعدى هذا الأمر ليصل إلى ما هو أخطر بكثير، إذ ليس المهم أن يعتبر "حزب الله" وحلفاؤه أن ما يجري في البحرين "ثورة شعب"، وإنما المهم بالنسبة إلى لبنان؛ أن الغالبية الساحقة من المسلمين في العالم يعتبرون ما يجري في البحرين "فتنة مذهبية" أو "ثورة مذهبية"، وفق توصيف رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" يوسف القرضاوي. وعلى هذا الأساس يصبح تدخل "حزب الله" فيما يجري في البحرين إقحاماً للبنان في أتون الفتنة، التي يعاني لبنان منها أصلاً، مع ما لذلك من انعكاسات داخلية وخارجية.

كما أن لتدخل "حزب الله" في البحرين آثاراً سياسية، لجهة تسعير الخلافات بين 8 و14 آذار، وزيادة الاحتقان الشعبي بين الفريقين، انطلاقاً من الخلاف بينهما حول دور لبنان وعلاقاته بالصراعات الجارية في محيطه. وفي هذه النقطة بالذات ثمة ما هو لافت حقاً:

1- في حين لجأ تيار "المستقبل" إلى الدولة اللبنانية، وطالب القضاء بالتحرك لكشف حقيقة الاتهامات السورية، ورئيس مجلس النواب لأخذ دوره في الدفاع عن النائب جمال الجراح، فإن "حزب الله" لم يُلق بالاً لاتهامات أكثر توثيقاً وخطورة، حول تدخله في شؤون البحرين، مع أن السلطات هناك رفعت تقريراً حول الموضوع إلى الأمم المتحدة!.

2- مع أن تدخل "حزب الله" في شؤون البحرين واضح للعيان، فإن تيار "المستقبل" لم يصدر بياناً يقول فيه لـ "حزب الله": "لم يقنع نفيُكم أحداً"، ولم يسعّر نار الاتهامات ضد شريكه في الوطن، كما فعل "حزب الله" مع تيار "المستقبل"، فيما خص سوريا، وإنما سعى الرئيس سعد الحريري لمحاصرة تداعيات كلام السيد نصر الله حول البحرين، وإطفاء نار الغضب الخليجي على اللبنانيين المقيمين هناك.

ولعل هاتين المفارقتين تكشفان الفارق في السلوك السياسي، بين منطق الدولة ومنطق الاستقواء على الدولة، وبين موجبات الانتماء الوطني وموجبات السلوك التخويني.

ويبقى السؤال الأساس: هل كان ينقص لبنان ملفاً جديداً من ملفات الفتنة كي نستورده من البحرين؟! وهل حقاً أن الاهتمام بأهل البحرين نابع من التعاطف من الشعوب المظلومة؟! لو صح ذلك لشاهدنا سلوكاً مختلفاً فيما يتعلق بالمشهد السوري أيضاً!.


فادي شامية

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية