بشارة الصراف
تمر مصر بمرحلة فرز مهمة جداً و تاريخية على صعيد ثورة يناير إذ بدأت تتكشف خيوط اللعبة السياسية المصرية و ذلك بفضل تواصل الحراك الثوري و إصرار الشعب المصري في إسترجاعة لإرادته أن يسترجع بلدة، إذ غدا المواطن المصري و ربما لأول مرة منذ بزوغ فجر الثورة يستشعر أن هذه البلد لم تعد غريبة علية و أنها المحروسة بلد و وطن لكل المصريين. إستشعر الشعب المصري المؤامرة التي تحاك له في الخفاء و بدأ نهضتة الثورية مرة ثانية بإستعادتة لميدانة ( ميدان التحرير) التي تحاكي بقوتها بل و تفوق على شرعية حكم العسكر ليأخذ الصراع شكل الإصطفاف التالي فمن مع الثورة في (الميدان) و من مع العسكر( خارج الميدان) و لا وسط بينهما.
فالعسكر الذين حكموا مصر بتعاقب منذ فجر ثورة يوليو إستمدوا شرعية حكمهم من الشعب حينما إلتف الشعب المصري العظيم حول ثورة يوليو و برنامجها الشهير الملخص بالأهداف التالية: القضاء على الإستعمار و أعوانه القضاء على الإقطاع ( الإصلاح الزراعي) بناء نظام عدالة إجتماعية إقامة نظام ديمقراطي سليم و بناء جيش قوي يكون حامي لمصر و رافع لشعار الثورة و ضامن لأنظمتها الداخلية و بنائها المؤسساتي و خاضع لسلطة سياسية ( النظام الديمقراطي السليم) لا أن يصبح الجيش جزء من نظام فاسد و أتوقراطي خال الوفاض و خال من توفيض الشعب المصري له فحين إلتفَّت بعض القوى المستفيدة حول عنق ثورة يوليو و خلقت تحالف داخلي يفرغ الثورة من أهدافها، لتصبح مصر تحت شعار التعددية و الإنفتاح بدلاً من بلد يسعى للتحرر من الإستعمار و العبودية ، رهينة الإستعمار الجديد و يصبح الإقتصاد المصري إقتصاد تابع و فاشل أمام غزو الشركات العالمية للسوق المصرية و أمام تواطيء قطاع من المنتفعين لإحتكار هذا الدور على حساب الثورة و الشعب
حتى تكتمل هذه اللعبة كان لابد من مشاركة بعض القوى الممولة إقليمياً و المتوافق عليها دولياً تسعى من خلالها إلى شرعنة وئد ثورة يوليو لتبقى طبقة العسكر تحكم مصر بشرعيتها المفرغة من أي مضمون ثوري فعاد الإقطاع و الإستعمار و أعوانه، و تم الإلتفاف على الجيش المصري فعوضاً عن بناء جيش يحرر البلاد و يحمي العباد، يصبح الجيش أداة يحمي النظام من الشعب و ليس العكس و بدل النظام الديمقراطي تم بناء نظام قائم على المحاصصة والفساد و كل هذا يتزامن مع غزو مصر من قبل الحركات السلفية الممولة من البترودولار العربي و المباركة أمريكياً رغم إدعاءات الولايات المتحدة عكس ذلك إستناداً إلى حربها الوهمية على القاعدة و محاكمتها لعناصر مصرية لطالما إتهمتها الولايات المتحدة بالإرهاب و حسب بعض الصحف فإن الولايات المتحدة تستعد الآن للإفراج عن تلك العناصر الممثلة بالشيخ عمر عبد الرحمن ضمن صفقة تضيف شيئأ من الشرعية على المجلس العسكري و تضمن تقوية التيار السلفي على حساب الحراك الوطني المتنامي
إثر ثورة يناير دأب نظام مبارك بلعب لعبة خفية مع الإخوان على أساس شرع لي، أشرع لك، أو حكلي أحك لك ، فكلما مر نظام مبارك بأزمة ما، لوح و هدد و توعد بالإخوان على أساس أنه الوحيد القادر على كبح جماحهم و أنه نظام مبارك يمثل الوسطية السياسية و الحائز على إلتفاف ال 99% من الشارع المصري إلى جانبة و بنفس الوتيرة حينما تشتد وطيس الصراع ما بين الإخوان و مبارك إلى مرحلة الذروة، نتفاجىء بقدرة الإخوان في عقد صفقة مع النظام و حل الإشكال ( إنتخابات الإسكندرية 2005 مثالاً) حين أعلن الإخوان بفوز مرشحهم و فجأة بعد يوم، أعلن الحزب الوطني النتائج النهائية التي أسفرت عن فوز مرشح الحزب الوطني و إحتشد الإخوان و إتهموا النظام بتلفيق الإنتخابات و فجأة عقدوا صفقة مع النظام و إنتهى الأمر.
وكأن شيئاً لم يحدث فلو حصل ما حصل بدولة ديمقراطية حقيقية لإنقلبت الدنيا رأساً على عقب إن الممارسة الديمقراطية للإنتخابات و أصالتها أيضاً تكمن في مسؤلية جميع الأطراف المشاركة فيها للدفاع عن تجاوزات و خروقات قد تهدد نسف و إلغاء العملية الديمقراطية برمتها و إلى الأبد، أو تكرسها و تعمل على نموها و إزدهارها حيث أن الديمقراطية ثقافة بقدر حاجتها إلى تكريس مفاهيم حاجتها أيضاً إلى إعادة إنتاج ذاتها عملا ً بتلك المفاهيم و الوعي الجمعي الناتج لها أراد نظام مبارك أن يوصل رسالة إلى الشعب المصري مفادها أن الإخوان هم أقوى حزب و الأكثر تنظيماً و رغم ذلك هم عاجزون من الوقوف أمامه
و هذا يعني أنه مبارك مستند إلى شعبية حقيقية في حين الكل كان يعلم أن لا شعبية لرئيس تآكل دوره و دور مصر مع الزمن بسببه و أن الشرعية الوحيدة الذي حكم مبارك بموجبها هي شرعية ثورة يوليو التي كما سلف أن ذكرت تم إفراغها أيضاً من محتواها الثوري و بالتالي لا شرعية للرئيس سوى قوة الجيش و شرعنة بعض اللاعبين السياسيين له من خلال بعض الأفلام السياسية في خلق الوهم التي كرست إستمرارية النظام أراد الإخوان من تلك العلاقة أن ينصبوا أنفسهم أمناء على مصر و كان لهم بعض المكتسبات في بعض الأمور الداخلية حين أصبحت الدولة تأخذ منحاً دينياً لا علمانياً و تحول الأزهر الشريف من مؤسسة أكاديمية رافعة للعلم إلى أداة بيد مبارك كشرطي مطبوعات هذا الكاتب على الجنة و ذاك على النار هكذا إكتملت الأدوار و أصبح لكل منهم دوره الخاص الذي يصب في المحصلة النهائية بإطالة أمد نظام مبارك إلى ما لا نهاية و لاحقاً ضمان التوريث إستفاد الإخوان من هذه اللعبة بإيهام الشعب المصري على أنهم هم التيار المعارض الأقوى و الأعتى و الأكثر تنظيماً في البلاد
و من دون شك شيئاً من هذا صحيح و لكن المراد من هذا شيئاً آخر وهو تسويق أنفسهم و تسويق النظام فتعاقد الإخوان مع النظام يستنتج أن النظام شرعي إستناداً إلى شرعية الإخوان على أساس أنهم المعارضة الوحيدة الحقيقة في مصر فإستناداً إلى تلك المواقف الهلامية و المشبوهه التي قادها و مارسها و نفذها الإخوان ، ضمن مسلسلات تكاد تكون سينمائية إذ من مقتضيات الحاجة كان يضطر النظام أحيانا بسجن قياداتهم لبعض الوقت فهذا كان مهماً للإخراج السينمائي المثير حتى يأخذ الفيلم شكلاً واقعياً و يرسخ بأذهان الناس جميعاً أن مايجري على الأرض هو حقاً صراع ما بين النظام و الإخوان لا لعبة محاصصة و توزيع أدوار أو توزيع غنائم فمن خلال متابعة الأحداث بُعيد ثورة يناير البطلة التي كانت من أول إنجازاتها هو إفتضاح أمر نظام مبارك الكرتوني بعد سقوطة في مدة لم تتجاوز ثمانية عشر يوماً و أماطت اللثام عن دور الإخوان المريب إذ كانوا آخر من إلتحق بالميدان و أول من ذهب من وراء الكواليس ليمنح النظام طوق النجاة ألاخير
تكرر هذا المشهد البائس بعد الثورة إذ يبدو أن سيادة المشير تلميذ بليد، لا يتعلم الدرس سريعاً فأكثر من مرة يستدعي المشير الإخوان دون غيرهم من قطاعات الشعب المصري و الأحزاب الأخرى و بإيعاذ من الأمريكان للتشاور و كأنهم أوصياء على مصر إذ أراد المشير تكريس نفس اللعبة التي عمل بها مبارك و لكن الشعب المصري العظيم الذي آثر السلم على الفوضى و آثر التوافق على التناقض مع المجلس العسكري بات يرى ثورته تتآكل يومياً من قبل المجلس العسكري و فلول الحزب البائد فأصبحت العملية على عينك يا تاجر و كأن الثورة لم تكن فدأبت الشرطة تعتقل و تعذب و تقتل دون أي واعز و الجيش يتصرف و كأنه ليس موجود مع أنه هو الممسك بزمام الأمور يدرك الشعب المصري العظيم أن المشكلة لم تكن يوماً مشكلة أفراد بذاتها بقدر ما أراد الشعب أن يؤسس لمفاهيم جديدة أراد الشعب إسترجاع بلده بها و بذلك إستراجاع لدور مصر الريادي الذي يجب أن يملأ الجغرافيا
فهذا الدور التاريخي لم يكن لتبيعه مصر مقابل حفنة من الدولارات تذهب إلى فئة تحكم دون أية شرعية إن دور مصر التاريخي الذي تفرضة الجغرافيا ليس منة من أحد على مصر فية، هذا الدور إن أُحسن إستخدامه فهو يعني البلايين من العملة الصعبة تدفق إلى الإقتصاد المصري مباشرة بدلاً من أن تذهب هباءً منثوراً إلى باريس و لندن و نيويورك و تل أبيب مما يعني عقود مصرية مع أفريقيا و أسيا و العالم العربي ، حتى العقود المبرمة مسبقاً مع كل من أوربا و أمريكا يتم النظر فيها و إعادة صياغتها لصالح مصر و شعب مصر و إقتصاد مصر، فمصر ليست بحاجة لمساعدة من أحد بما فيها من الولايات المتحدة ، التي تأتي المعونه الأمريكية على شكل بليونين من الدولارات سنوياً يذهب ريعها إلى المؤسسة العسكرية لا إلى الشعب ، فربما ما كانت ستجنيه مصر من البوارج الأمريكية التي تعبر قناة السويس بشكل دوري دون أن تدفع مستحقاتها تحت بند التعاون العسكري أو الإستراتيجي بين البلدين أكثر بكثير من بليونين دولار تتعامل الولايات المتحدة مع هذا المبلغ و كأنه منه و هبه و صدقة منها على مصر و شعبها و هو مبلغ مشروط و مقيد لإقتصاد مصر و سياستها ، هدفه إفراغ مصر من دورها الجغرافي و التاريخي لأنهم ببساطة يسرقون حصة مصر من المنطقة و من العالم
إن الصراع الدائر الآن في ميدان التحرير يلخص ببساطة ما ذكرناه أعلاه فالشعب المصري يريد كبح جماح العسكر الذي إرتضوا لأنفسهم أن يبيعوا دور مصر مقابل منافع ربما شخصية لطالما دأب نظام المخلوع على خلق من العسكر طبقة مستفيدة و منتفعة على حساب دماء الشعب المصري فهذا الصراع و المخاض هو الذي تتولد عنه مفاهيم جديدة هي مفاهيم ديمقراطية مُشرقة و مشرفة ترسخ قناعات الجميع حيث أن مصر ليست في المزاد السياسي للبيع فهي عزيزة على أهلها و شعبها و يحق لشعبها أن يلعب الدور التاريخي لمصر في إعادة صياغة و رسم سياساتها الداخلية منها و الخارجية القائمة على العدآلة الإجتماعية و المساوآة و المستندة إلى بناء جيش وطني قوي يحفظ البلاد من العدو الخارجي لا أن يكون أدآة للقمع الداخلي و حماية العملاء و الطوابير فضمن هذا الصراع تتولد المفاهيم و تتوالد الطرق التي تكرس العملية الديمقراطية تعيد للشعب ثقته بنفسة في إدارة شؤون بلادة و تعيد للجيش هيبته كونه يحفظ البلاد من العدو الخارجي و تعيد للشرطة شرفها و مكانتها كونها تحمي السلم الأهلي و الكل يعمل ضمن معادلة دولة القانون التي هي ليست حكراً لأحد دون الآخر، يأخذ القضاء النزيه و العادل مجرآه بإقتناص الحق من الباطل لتصبح الدولة الإطار الضامن الوحيد لمصر و دورها و ريادتها و تصبح الحرية ملهمة و ليست منه و بالتالي يأخذ الإعلام دوره الحقيقي في توعية الناس و المجتمع و التذكير بأدوارهم جميعاً في إدارة شؤون البلاد
تمر مصر بمرحلة فرز مهمة جداً و تاريخية على صعيد ثورة يناير إذ بدأت تتكشف خيوط اللعبة السياسية المصرية و ذلك بفضل تواصل الحراك الثوري و إصرار الشعب المصري في إسترجاعة لإرادته أن يسترجع بلدة، إذ غدا المواطن المصري و ربما لأول مرة منذ بزوغ فجر الثورة يستشعر أن هذه البلد لم تعد غريبة علية و أنها المحروسة بلد و وطن لكل المصريين. إستشعر الشعب المصري المؤامرة التي تحاك له في الخفاء و بدأ نهضتة الثورية مرة ثانية بإستعادتة لميدانة ( ميدان التحرير) التي تحاكي بقوتها بل و تفوق على شرعية حكم العسكر ليأخذ الصراع شكل الإصطفاف التالي فمن مع الثورة في (الميدان) و من مع العسكر( خارج الميدان) و لا وسط بينهما.
فالعسكر الذين حكموا مصر بتعاقب منذ فجر ثورة يوليو إستمدوا شرعية حكمهم من الشعب حينما إلتف الشعب المصري العظيم حول ثورة يوليو و برنامجها الشهير الملخص بالأهداف التالية: القضاء على الإستعمار و أعوانه القضاء على الإقطاع ( الإصلاح الزراعي) بناء نظام عدالة إجتماعية إقامة نظام ديمقراطي سليم و بناء جيش قوي يكون حامي لمصر و رافع لشعار الثورة و ضامن لأنظمتها الداخلية و بنائها المؤسساتي و خاضع لسلطة سياسية ( النظام الديمقراطي السليم) لا أن يصبح الجيش جزء من نظام فاسد و أتوقراطي خال الوفاض و خال من توفيض الشعب المصري له فحين إلتفَّت بعض القوى المستفيدة حول عنق ثورة يوليو و خلقت تحالف داخلي يفرغ الثورة من أهدافها، لتصبح مصر تحت شعار التعددية و الإنفتاح بدلاً من بلد يسعى للتحرر من الإستعمار و العبودية ، رهينة الإستعمار الجديد و يصبح الإقتصاد المصري إقتصاد تابع و فاشل أمام غزو الشركات العالمية للسوق المصرية و أمام تواطيء قطاع من المنتفعين لإحتكار هذا الدور على حساب الثورة و الشعب
حتى تكتمل هذه اللعبة كان لابد من مشاركة بعض القوى الممولة إقليمياً و المتوافق عليها دولياً تسعى من خلالها إلى شرعنة وئد ثورة يوليو لتبقى طبقة العسكر تحكم مصر بشرعيتها المفرغة من أي مضمون ثوري فعاد الإقطاع و الإستعمار و أعوانه، و تم الإلتفاف على الجيش المصري فعوضاً عن بناء جيش يحرر البلاد و يحمي العباد، يصبح الجيش أداة يحمي النظام من الشعب و ليس العكس و بدل النظام الديمقراطي تم بناء نظام قائم على المحاصصة والفساد و كل هذا يتزامن مع غزو مصر من قبل الحركات السلفية الممولة من البترودولار العربي و المباركة أمريكياً رغم إدعاءات الولايات المتحدة عكس ذلك إستناداً إلى حربها الوهمية على القاعدة و محاكمتها لعناصر مصرية لطالما إتهمتها الولايات المتحدة بالإرهاب و حسب بعض الصحف فإن الولايات المتحدة تستعد الآن للإفراج عن تلك العناصر الممثلة بالشيخ عمر عبد الرحمن ضمن صفقة تضيف شيئأ من الشرعية على المجلس العسكري و تضمن تقوية التيار السلفي على حساب الحراك الوطني المتنامي
إثر ثورة يناير دأب نظام مبارك بلعب لعبة خفية مع الإخوان على أساس شرع لي، أشرع لك، أو حكلي أحك لك ، فكلما مر نظام مبارك بأزمة ما، لوح و هدد و توعد بالإخوان على أساس أنه الوحيد القادر على كبح جماحهم و أنه نظام مبارك يمثل الوسطية السياسية و الحائز على إلتفاف ال 99% من الشارع المصري إلى جانبة و بنفس الوتيرة حينما تشتد وطيس الصراع ما بين الإخوان و مبارك إلى مرحلة الذروة، نتفاجىء بقدرة الإخوان في عقد صفقة مع النظام و حل الإشكال ( إنتخابات الإسكندرية 2005 مثالاً) حين أعلن الإخوان بفوز مرشحهم و فجأة بعد يوم، أعلن الحزب الوطني النتائج النهائية التي أسفرت عن فوز مرشح الحزب الوطني و إحتشد الإخوان و إتهموا النظام بتلفيق الإنتخابات و فجأة عقدوا صفقة مع النظام و إنتهى الأمر.
وكأن شيئاً لم يحدث فلو حصل ما حصل بدولة ديمقراطية حقيقية لإنقلبت الدنيا رأساً على عقب إن الممارسة الديمقراطية للإنتخابات و أصالتها أيضاً تكمن في مسؤلية جميع الأطراف المشاركة فيها للدفاع عن تجاوزات و خروقات قد تهدد نسف و إلغاء العملية الديمقراطية برمتها و إلى الأبد، أو تكرسها و تعمل على نموها و إزدهارها حيث أن الديمقراطية ثقافة بقدر حاجتها إلى تكريس مفاهيم حاجتها أيضاً إلى إعادة إنتاج ذاتها عملا ً بتلك المفاهيم و الوعي الجمعي الناتج لها أراد نظام مبارك أن يوصل رسالة إلى الشعب المصري مفادها أن الإخوان هم أقوى حزب و الأكثر تنظيماً و رغم ذلك هم عاجزون من الوقوف أمامه
و هذا يعني أنه مبارك مستند إلى شعبية حقيقية في حين الكل كان يعلم أن لا شعبية لرئيس تآكل دوره و دور مصر مع الزمن بسببه و أن الشرعية الوحيدة الذي حكم مبارك بموجبها هي شرعية ثورة يوليو التي كما سلف أن ذكرت تم إفراغها أيضاً من محتواها الثوري و بالتالي لا شرعية للرئيس سوى قوة الجيش و شرعنة بعض اللاعبين السياسيين له من خلال بعض الأفلام السياسية في خلق الوهم التي كرست إستمرارية النظام أراد الإخوان من تلك العلاقة أن ينصبوا أنفسهم أمناء على مصر و كان لهم بعض المكتسبات في بعض الأمور الداخلية حين أصبحت الدولة تأخذ منحاً دينياً لا علمانياً و تحول الأزهر الشريف من مؤسسة أكاديمية رافعة للعلم إلى أداة بيد مبارك كشرطي مطبوعات هذا الكاتب على الجنة و ذاك على النار هكذا إكتملت الأدوار و أصبح لكل منهم دوره الخاص الذي يصب في المحصلة النهائية بإطالة أمد نظام مبارك إلى ما لا نهاية و لاحقاً ضمان التوريث إستفاد الإخوان من هذه اللعبة بإيهام الشعب المصري على أنهم هم التيار المعارض الأقوى و الأعتى و الأكثر تنظيماً في البلاد
و من دون شك شيئاً من هذا صحيح و لكن المراد من هذا شيئاً آخر وهو تسويق أنفسهم و تسويق النظام فتعاقد الإخوان مع النظام يستنتج أن النظام شرعي إستناداً إلى شرعية الإخوان على أساس أنهم المعارضة الوحيدة الحقيقة في مصر فإستناداً إلى تلك المواقف الهلامية و المشبوهه التي قادها و مارسها و نفذها الإخوان ، ضمن مسلسلات تكاد تكون سينمائية إذ من مقتضيات الحاجة كان يضطر النظام أحيانا بسجن قياداتهم لبعض الوقت فهذا كان مهماً للإخراج السينمائي المثير حتى يأخذ الفيلم شكلاً واقعياً و يرسخ بأذهان الناس جميعاً أن مايجري على الأرض هو حقاً صراع ما بين النظام و الإخوان لا لعبة محاصصة و توزيع أدوار أو توزيع غنائم فمن خلال متابعة الأحداث بُعيد ثورة يناير البطلة التي كانت من أول إنجازاتها هو إفتضاح أمر نظام مبارك الكرتوني بعد سقوطة في مدة لم تتجاوز ثمانية عشر يوماً و أماطت اللثام عن دور الإخوان المريب إذ كانوا آخر من إلتحق بالميدان و أول من ذهب من وراء الكواليس ليمنح النظام طوق النجاة ألاخير
تكرر هذا المشهد البائس بعد الثورة إذ يبدو أن سيادة المشير تلميذ بليد، لا يتعلم الدرس سريعاً فأكثر من مرة يستدعي المشير الإخوان دون غيرهم من قطاعات الشعب المصري و الأحزاب الأخرى و بإيعاذ من الأمريكان للتشاور و كأنهم أوصياء على مصر إذ أراد المشير تكريس نفس اللعبة التي عمل بها مبارك و لكن الشعب المصري العظيم الذي آثر السلم على الفوضى و آثر التوافق على التناقض مع المجلس العسكري بات يرى ثورته تتآكل يومياً من قبل المجلس العسكري و فلول الحزب البائد فأصبحت العملية على عينك يا تاجر و كأن الثورة لم تكن فدأبت الشرطة تعتقل و تعذب و تقتل دون أي واعز و الجيش يتصرف و كأنه ليس موجود مع أنه هو الممسك بزمام الأمور يدرك الشعب المصري العظيم أن المشكلة لم تكن يوماً مشكلة أفراد بذاتها بقدر ما أراد الشعب أن يؤسس لمفاهيم جديدة أراد الشعب إسترجاع بلده بها و بذلك إستراجاع لدور مصر الريادي الذي يجب أن يملأ الجغرافيا
فهذا الدور التاريخي لم يكن لتبيعه مصر مقابل حفنة من الدولارات تذهب إلى فئة تحكم دون أية شرعية إن دور مصر التاريخي الذي تفرضة الجغرافيا ليس منة من أحد على مصر فية، هذا الدور إن أُحسن إستخدامه فهو يعني البلايين من العملة الصعبة تدفق إلى الإقتصاد المصري مباشرة بدلاً من أن تذهب هباءً منثوراً إلى باريس و لندن و نيويورك و تل أبيب مما يعني عقود مصرية مع أفريقيا و أسيا و العالم العربي ، حتى العقود المبرمة مسبقاً مع كل من أوربا و أمريكا يتم النظر فيها و إعادة صياغتها لصالح مصر و شعب مصر و إقتصاد مصر، فمصر ليست بحاجة لمساعدة من أحد بما فيها من الولايات المتحدة ، التي تأتي المعونه الأمريكية على شكل بليونين من الدولارات سنوياً يذهب ريعها إلى المؤسسة العسكرية لا إلى الشعب ، فربما ما كانت ستجنيه مصر من البوارج الأمريكية التي تعبر قناة السويس بشكل دوري دون أن تدفع مستحقاتها تحت بند التعاون العسكري أو الإستراتيجي بين البلدين أكثر بكثير من بليونين دولار تتعامل الولايات المتحدة مع هذا المبلغ و كأنه منه و هبه و صدقة منها على مصر و شعبها و هو مبلغ مشروط و مقيد لإقتصاد مصر و سياستها ، هدفه إفراغ مصر من دورها الجغرافي و التاريخي لأنهم ببساطة يسرقون حصة مصر من المنطقة و من العالم
إن الصراع الدائر الآن في ميدان التحرير يلخص ببساطة ما ذكرناه أعلاه فالشعب المصري يريد كبح جماح العسكر الذي إرتضوا لأنفسهم أن يبيعوا دور مصر مقابل منافع ربما شخصية لطالما دأب نظام المخلوع على خلق من العسكر طبقة مستفيدة و منتفعة على حساب دماء الشعب المصري فهذا الصراع و المخاض هو الذي تتولد عنه مفاهيم جديدة هي مفاهيم ديمقراطية مُشرقة و مشرفة ترسخ قناعات الجميع حيث أن مصر ليست في المزاد السياسي للبيع فهي عزيزة على أهلها و شعبها و يحق لشعبها أن يلعب الدور التاريخي لمصر في إعادة صياغة و رسم سياساتها الداخلية منها و الخارجية القائمة على العدآلة الإجتماعية و المساوآة و المستندة إلى بناء جيش وطني قوي يحفظ البلاد من العدو الخارجي لا أن يكون أدآة للقمع الداخلي و حماية العملاء و الطوابير فضمن هذا الصراع تتولد المفاهيم و تتوالد الطرق التي تكرس العملية الديمقراطية تعيد للشعب ثقته بنفسة في إدارة شؤون بلادة و تعيد للجيش هيبته كونه يحفظ البلاد من العدو الخارجي و تعيد للشرطة شرفها و مكانتها كونها تحمي السلم الأهلي و الكل يعمل ضمن معادلة دولة القانون التي هي ليست حكراً لأحد دون الآخر، يأخذ القضاء النزيه و العادل مجرآه بإقتناص الحق من الباطل لتصبح الدولة الإطار الضامن الوحيد لمصر و دورها و ريادتها و تصبح الحرية ملهمة و ليست منه و بالتالي يأخذ الإعلام دوره الحقيقي في توعية الناس و المجتمع و التذكير بأدوارهم جميعاً في إدارة شؤون البلاد
0 comments:
إرسال تعليق