الأربعاء، 23 نوفمبر 2011
لو كنت مكان بشار
4:20 م
اضف تعليق
للثورات أيضاً دروسها، وهي تقدم العلم والمعرفة الخاصين بها. الجميع يتعلمون منها. الذين يريدون السـير في طريقها والذين يريدون عرقلتهـا، الذين يرجونها والذين يخشونها. أما أولئك الذين ينكرون وجودها فلا يتعلمون منها إلا القليل. كذلك هو حال الذين ينكرون سمتها التعليمية و يقتصرون على محاربتها بدون الاستفادة من دروسها.
لقد كانت دروس ثورة تونس نافعة لمصر: فالعسكريون عرفوا كيف يأخذونها في اعتبارهم، بالعكس من مبارك، الذي لم يستفد منها شيئاً. ثورتا تونس ومصر نفعتا ليبيا أيضاً: لم يستفد منها القذافي المكابر في أي حال من الأحوال، لكنها نفعت المعارضة فعلاً، التي جربت الثورة السلمية وانتهت بحمل السلاح. أما الآن، فإن كل الدروس الثورية تعود بتأثيرها على سوريا، البلد الأساسي في التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط : يستمر الأسـد مع دليل القمع العتيق والزنخ الموروث من والده، ويختبر الثوّار الطريق الليبي بعد أن سُدَّ في وجوههم الطريق التونسي و المصري.
تتم الاستفادة من الدروس على الصعيد الدولي أيضا. كانت فرنسا فعالة جداً في ليبيا من أجل أن تمحي خطاياها في تونس. الولايات المتحدة تعلمت أن تقود من الخلف في الحرب ضد القذافي بعد الكثير من التذبذبات والترددات مع مصر. المَلَكيات العربية، والسعوديون على رأسها، استخلصت دروساً محلية: الإصلاح بأقصى سرعة، قبل أن تصل الثورة إليهم، و القمع ضروري أيضا مع الحسم العاجل أمام خطر داهم، كما كانت الحال في البحرين. و في كل الأحوال، الاستفادة من أجل تحسين المواقع في الساحة الدولية.
في حالة البلدان المجاورة، يُضاف إلى كل هذه الاعتبارات الحاجةُ إلى خلق جدران حماية أمام الخوف من تزعزع الاستقرار الذي يدهم الحدود. إسرائيل التي تراقب جارها المُقلِق باهتمام خاص، جربت هذا الأمر فعلياً في الجـولان. العراق الذي يسيطر عليه الشـيعة و يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي يخشى انتصار ثورة سنية تشعل النار بين السكان العراقيين ذوي الانتماء نفسه. يخشى هذه الثورة أيضاً عبد الله ملك الأردن، الذي غيَّر رئيس وزرائه مرتين منذ أن بدأت الثورات من أجل كبح الاستياء الشعبي.
الفسيفساء الطائفية في لبنان تتوجس خيفة من عدم الاستقرار السوري، فيما لو أشعل مرة أخرى توتراته الأهلية الخاصة المترسخة، رغم أن نصف اللبنانيين يودون سقوط النظام السوري ونصفهم الآخر يقدم دعماً غير مشروط للأسـد. والأخيرة هي حالة حزب الله، الحزب الشيعي القوي، الواقع في التناقض جرّاء مساندته لكل الثورات العربية إلا عندما تؤثر على حليفه الاستراتيجي السـوري. هذا ما يحدث للنظام الإيراني أيضاً، الذي عانى مبكراً و سحق ثورته الخضراء في 2009 : إنه لا يريد الآن أن يخـسر شـريكاً شديد الأهمية مثل سـوريا، لكنه يساند، ظاهرياً على الأقل، الثورات العربية.
كل القوى الإقليمية تعمل على استعمال أوراقها إلى الحد الأقصى من أجل الحد من الأضرار و تحسين شروط هيمنتها في الآن ذاته. تركيا ترى في سوريا واحدة من مناطق نفوذها، بالتنافس مع إيران و العربية السعودية، لكنها ترى فيها أيضاً سوقاً للتوسع و عاملاً حاسماً و خطراً في المشكلة الكردية. أما بالنسبة للعربية السعودية فسوريا هي واحد من الميادين التي تخوض فيها نزالاً حتى الموت ضد إيران بالتزامن مع سعيها لاحتواء الموجة الثـورية. إن أنقرة و الرياض تقدمان نموذجيهما الإسلاميين كبدائل للديكتاتوريات المدنية : النموذج التركي هو الجمهورية الديموقراطية، أما السعودي فهو نموذج الخيرية المفترضة للملكية المضطرة لإصلاح نفسها.
الجامعة العربية، المعروفة بعدم فعاليتها المثالي و الفوضوي، وجدت في الأزمة السورية دوراً أساسياً جديداً لتلعبه. كانت لديها هذه الفرصة بالفعل مع القذافي، عندما دعمت قرار الأمم المتحدة الذي أدى إلى تدخل حلف الأطلسي. وقد قامت للتو بطرد سوريا، البلد المؤسس و صاحب الدور المحوري في تاريخها ، في رد على خدع الأسـد التقليدية، الذي التزم في الثاني من تشرين الثاني | نوفمبر بسحب الفرق العسكرية من المدن و لكنه حصد منذ ذلك الحين أرواح ثلاثمائة ضحية. تريد هذه المنظمة الدولية إرسال قوة مدنية من أربعمائة أو خمسمائة مراقب من جمعيات حقوق الإنسان بهدف حماية السكان المدنيين في مواجهة قمع النظام.
إنها خطوة إضافية في الحصار الذي يضيِّق الخناق على الأسـد، بينما تتحول المعارضة المدنية السورية الداخلية إلى مقاومة مسلحة تحظى بجيش سوري حر ومئات الجنود المنشقين. العاهل الأردني عبد الله، مع كل السلطات المطلقة التي تخولها له الملَكِيّة، كان أول قائد عربي يطلب بشكل صريح من الأسـد أن يتنحى عن السلطة في مقابلة مع بي بي سي."لو كنتُ في مكانه لتنحيت" قال الملك. من المؤكد أنه لو كان بشار في مكان عبد الله فإنه سيفعل الشيء نفسه الذي يفعله جاره ؛ تغيير الوزراء، الإعلان عن إصلاحات و عدم التخلي عن أي واحدة من سياساته الامتيازية المميَّزة: تغيير كل شيء في سبيل أن لا يتغير أي شيء.
بالإضافة إلى انتقاد جاره المأزوم، يريد عبد الله أن ينقذ رأسـه ولو على حساب رأس بشـار. إذ إنه في حال فقدها سيكون العاهل الأول الذي يسقط في هذه الموجة الثورية. كل الملوك الآخرين يقفون خلفه للحيلولة دون سقوطه. ومن هنا هذه الجهود التي تقوم بها الجامعة العربية من أجل التحكم بهذه االتصدعات الثورية بغية تحويلها إلى إصلاحات هـادئة.
لويس باسيتس – صحيفة ال باييس الاسبانية
ترجمة : الحدرامي الأميني
www.elpais.com/articulo/inte…
0 comments:
إرسال تعليق