الجمعة، 30 مارس 2012

"اخوان" الدولة المدنية: ما لسورية لسورية



علي الامين- البلد


شكلت وثيقة "عهد وميثاق من جماعة الاخوان المسلمين في سورية" نقلة نوعية في تاريخ هذه الحركة و ما يعرف بالتيارات الاصولية الاسلامية. لا بل يمكن القول ان هذه الوثيقة التي صدرت في 25 الحالي اظهرت بوضوح وبشكل لا لبس فيه اسقاط المفهوم الايديولوجي "ان السلطة في الاسلام هي شأن الهي" الذي تبناه التيار السياسي الاسلامي والاصولي الاعرق بين التيارات الاصولية في العالم العربي والاسلامي، اي حركة الاخوان المسلمين واخواته.
نصت "الوثيقة العهد"في بنودها العشرة البالغة الدقة والوضوح، على هذا التطور النوعي في النظرة الى السلطة، وفي بندها الثالث تحديدا نصت على: يلتزم "الاخوان" في سورية بدولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعا،على اختلاف اعراقهم واديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة التي هي مناط الحقوق والواجبات، يحق لأي مواطن فيها الوصول الى اعلى المناصب، استنادا الى قاعدتي الانتخاب او الكفاءة. كما يتساوى فيها الرجال والنساء في الكرامة الانسانية، والاهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة".
ايديولوجيا، السلطة صارت عند "الاخوان" شأن بشري، وهذا يمثل نقلة نوعية في تطور الفكر السياسي لدى هذا التيار، ولفئة واسعة من الاسلاميين بصورة عامة. لقد انتهى بموجب هذه الوثيقة الزمن الذي يمكن فيه المطالبة بالسلطة على اساس ديني صرف. واهم ما في هذه الوثيقة انها جاءت في الاتجاه الذي يعزز من فكرة المواطنة، التي كان يحول دونها لدى العديد من التيارات مسار المرحلة الاسلاموية السابقة.
وفيما برزت في مواجهة هذه الوثيقة من غير الاسلاميين تحديدا مخاوف من ان يكون هذا الخطاب، هو السبيل للوصول الى السلطة تمهيدا للانقلاب عليه. ازاء ذلك يمكن الاشارة الى امرين: الاول، ان هذا العهد لا يمكن لحركة "الاخوان" في سورية ان تتراجع عنه لأنه جاء تعبيرا عن حراك فكري وسياسي في داخلها، وفي خضم تحديات سياسية فرضتها الثورات العربية وساهمت في بلورة هذا التجديد. الثاني،ان هذا التيار على اهميته وعراقته في سورية، لا يشكل العنصر الوازن الذي يستطيع بمفرده ان يحدد اتجاهات السلطة المستقبلية في هذا البلد ، فالاغلبية الساحقة من الشعب السوري تتبنى مضمون هذه الوثيقة، والتي بالتأكيد سيكون لها مثيلاتها، التي تعبر بمجملها عن تطلعات الشعب الى سورية الجديدة، ذات النظام الديمقراطي التعددي المستند الى الشرعية الشعبية. وهذا ما نلمس تأثبره منذ "الربيع العربي" ومع الثورة السورية على مجمل حركات النهوض العربية والاسلامية.
ويعكس هذا التجديد الذي تحمله الوثيقة على مستوى حركات الاسلام السياسي الخلوص الى ان الاسلام لا يمتلك عصا سحرية لتغيير الواقع، وان من التحامل والظلم تحميل الاسلام هذا الفهم ، وان الاسلام دين لم يأت بمفاتيح سحرية بحيث يمكن للبشر اذا ما استعملوها تذليل كل العقبات التي تواجههم.
ساهم في هذا الانتقال والتحول، التحديات التي يطرحها الربيع العربي اليوم في مواجهة الاستبداد، عبر صوغ مشروع النهوض الوطني على المستوى العربي، وهو مشروع اكبر من ان يختصره تيار في المجتمع، بل يحتاج اكبر عدد ممكن من الاصوات الفكرية والسياسية لكي تساهم بصوغه. فاخطر ما واجه شعوب المنطقة في العقود السابقة ويواجهها اليوم هو التفرد في انتاج مشروعات النهوض وفي عملية السعي لتحقيقها.
في الربيع العربي وتطلعاته «الإسلاميون لم يختفوا لكنهم تغيَّروا» كما يقول «اوليفيه روا» الباحث الفرنسي المتخصص بشؤون الحركات الإسلامية. ويمكن الاضافة انطلاقا من "عهد" الاخوان المسلمين في سورية هو الانتقال من أدلجة سياسية للدين إلى أدلجة حقوقية له. ما جعل الإسلام ينتقل من مجال الدولة والحكم إلى مجال الفرد والمجتمع، ويتحول إلى قوة تحفيز أخلاقي ووجداني، وقوة إسناد معنوي، في مطالبة وسعي الفرد في أن ينعم بحياة حرة وكريمة.
واذا كان ثمة صمت حتى الان حيال التعليق دينيا وفكريا على هذه الوثيقة من قبل التيارات الاسلامية الاصولية، وتحديدا تلك التي تتبع منظومة ولاية الفقية في ايران، باعتبار ان هذه التيارات لاتزال تربط شرعية السلطة بالشأن الالهي، ففي نظرية ولاية الفقيه السلطة لا تكتسب شرعيتها من خارج سلطة الفقيه. وبهذا المعنى يمكن القول ان وثيقة الاخوان المسلمين في سورية تمايزت ايديولوجيا عن الرؤية الايرانية الرسمية في النظر الى شرعية السلطة، مسوغه الى جانب القراءة النقدية لتجربة الاسلام السياسي عموما، رسوخ فكرة في الشارع العربي مفادها: ان قضية الإنسان العربي اليوم هي الحرية، التي بها وحدها يعيد الإعتبار لذاته عند نفسه وعند الآخرين.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية