الثلاثاء، 27 مارس 2012

خريف الأقليات في سوريا

ربما لا يعلم الثوار السُنة الرواية الصحيحة عن ميلاد ثورتهم، فلا بأس من التذكير بها.

"في منتصف آذار 2011 انتفض أبناء الجبال الساحلية أحفاد صالح العلي مع تنسيق محكم مع أحفاد سلطان الأطرش ضد النظام الدكتاتوري مؤثرين حرية وكرامة إخوانهم السنة على التمتع بمزايا الحكم ومغريات السلطة، ولم تمض أيام حتى دقت أجراس الكنائس المسيحية لتبارك الثورة. لم يتباطأ الأكراد في دعم الثورة لكن السنة ظلوا مترددين خائفين، وبعد مضي شهور طويلة التحقت فئة من السنة -على استحياء- بركب الثورة خوفاً من عار الخيانة والخذلان".

هذه هي الرواية المتوقع ترويجها من قبل الأقليات وبعض السنة بعد سقوط النظام، فالكل سيتحدث باسم الثورة ويصعد فوق الجثث السنية لينال المكاسب ويدعي المفاخر. أما أصحاب القضية وأهل التضحية فسيكونون معزولين عن الساحة لأن هويتهم السنية ستبقى المهدد الأول للسلام والاستقرار والتعايش بين مكونات المجتمع السوري!

ما زلنا نعيش أجواء الثورة السنية وخيانات الأقلية، لكن هذا لا يمنع توقع السيناريو المحتمل وهو سرقة واختطاف الثورة والانقلاب على منجزاتها، وكل ذلك ببركات الوطنيين السنة!

يستعد الانقلابيون لتزوير التاريخ وتزييف الحقائق لأن الثورة ستأتي بحال جديد لا يرضونها ولا يقلبون التعايش معها والتأقلم مع سوريا الجديدة المستردة، فهم يبحثون عن سوريا يكون للجميع صوت فيها إلا السنة لأن صوتهم ومطالبهم ستقضي على أحلامهم وطموحاتهم في الحكم والهيمنة!

لذا فلا بأس في هذه العجالة من تدوين بعض الحقائق عن خريف الأقليات في سوريا والمنطقة أو الثورة التي زلزلت كيان المشروع الايراني الشيعي، وذلك حفاظاًَ على التاريخ ووفاءً لدم الشباب السني في سوريا.

العلويون

كثرة الكذب الذي يضخه بعض المعارضين السنة، ركّب في الأذهان تصوراً مثالياً عن العلويين ليقدمهم كقادة للثورة وجند للوطن، وكأن النظام يعتمد على مخلوقات فضائية أو كائنات غير مرئية في عمليات قمع الشعب.

للأسف فإن الحديث الشائع عن الطائفة العلوية يقترب من كل شيء إلا الصدق والحقيقة، لأنه محض روايات وأحاديث عن واقع مختلق وصور غير موجودة إلا في أحلام "الوطنيين السنة" وأمانيهم.

وهذا الحديث المنسوج من محض الكذب يتجاوز حقائق التاريخ القريب والبعيد، ولا يبالي بموقف الشرع الاسلامي مع الطوائف والمعتقدات المخالفة، وزيادة على ذلك فإنه يتجاهل الواقع الموجود وما يتضمنه من خيانات وجرائم وعقود من الحقد الطائفي (العلوي) والتمييز والاضطهاد الديني.

أهل السنة يحترقون، والعلويون لم يحسموا موقفهم بعد بشأن المشاركة في الثورة؟

نساء السُنة يقتلن، يغتصبن، يشردن، والعلويون متخوفون من الثورة و"الإخوان المسلمين"!

المدن السنية تُدك بالصواريخ، وأبناء العلويين يطالبون بضمانات للمشاركة في الثورة!

ليس المهم البحث عن المجرم المتسبب بنكبة السُنة طيلة العقود السابقة، وإنما المهم والأهم هو تبرئة العلويين من الجرائم حفاظاً على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي للشعب السوري، ووفقاً لقانون "الإذعان لحقوق الطوائف والأديان" تُسجل جرائم العقود السابقة ضد مجهول!

وبعد الانتهاء من مرحلة التبرئة نمضي مع الوطنيين السنة في مشوارهم الانقلابي لندخل مرحلة صوغ الأكاذيب وإنكار الحقائق وتحريفها، ليصبح العلويون أكبر المتضررين من النظام، وأن الموالين للنظام لا يمثلون إلا أطماعهم الشخصية وأن الطائفية غير موجودة في المجتمع وإنما هي أداة تستخدمها السلطة لأهدافها وأغراضها!

يمارس الوطنيون السنة وغيرهم من محترفي اختراع الأكاذيب وإنكار الحقائق سياسة قمعية في فرض رأيهم وتسفيه الرأي الآخر، فالرأي المقابل الطائفي -في نظرهم- مهددٌ للوحدة الوطنية وبالتالي فصاحبه وحامله مستحق للمساءلة والمحاكمة والعقاب!، وكل ذلك يتم في أجواء ضوضائية همجية تحذر من التطرف الديني والتشدد المهدد للسلم الأهلي! أي نحن أمام عقلية اقصائية كتلك التي يمتكلها النظام السوري تقدم فِكرها على انه نظرية مقدسة غير قابلة للنقاش والنقد، فالعقل مُغيب ومحظور استخدامه، والمنطق والحكمة في معالجة الأمور هو فقط ما يراه الوطنيون البعيدون في تفكيرهم عن الطرح الطائفي.

وبالتالي فهي سياسة استخفاف بالجماهير بغية تجهيلها وتغييبها عن واقعها، تستنسخ ما يردده الطغاة الذي لا يرون في شعوبهم أهلية ونضجاً لقبول الديمقراطية، والوطنيون لا يرون في الشعب أهلية لمعرفة عدوهم وتمييزه عن غيره، وبذلك ينزل الشعب الذي قامت الثورة على أشلاءه الى منزلة دون البهائم التي تستدل على عدوها بالفطرة، بينما السني لا يمكنه ذلك!

دأب حزب "التحذير من الطائفية" أو "تخدير الجماهير السنية" على التخويف من حريق الطائفية مع أن ديار السنة كلها محترقة. فبغداد والبصرة بيد الشيعة ودمشق والشام بيد العلويين، وبيروت وطرابلس تحت وطأة سلاح "المقاومة" الشيعي، وبالتالي فهم يحذرون الجسد السني المتفحم من الاقتراب من نيران قد أتت عليه وأهلكته.

نصائح الأحزاب الوطنية هي كنصائح إبليس التي أخرجت آدم عليه السلام من الجنة، فهي لا تعبأ بمصائر السُنة ومصالحهم وإنما تُسوق لآراء جامدة متحجرة تفرضها على غيرها دون أن تنظر في عواقبها ونتائجها، لذلك من الطبيعي ان تلتقي الأصوات المحذرة من الطائفية مع النظام وتتطاول على الثورة.

السؤال الوحيد الذي لن يجد أحد له إجابة هو "من هو الممثل الشرعي للعلويين في سوريا؟"

بحث السنة كثيراً فلم يجدوا سوى بعض الكُتاب والمثقفين العلويين في جانب المعارضة، بينما تمكن النظام من تجنيد الآلاف من العلويين في جيوش عقائدية لقمع السنة وتركيعهم في سياسة معتمدة وناجحة منذ آذار 1963 وحتى يومنا، أما أبناء المجتمع العلوي فانحيازهم الى جانب النظام طبيعي منطقي تفرضه طبيعة البشر وأحكام السياسة فهم يميلون الى: قيادة علوية لن تضطهدهم دينياً ومكاسب مادية (السلطة والجاه) وهيمنة مطلقة (وهي رغبة تتحكم بسلوك الإنسان).

أما حديث "المصلحة الوطنية" ومشهد "التعايش المثالي بين الطوائف" فلم يجد صداه في جبال العلويين، وبقي حبيس الكتب المهجورة والمؤتمرات اليائسة، فنحن أمام مواجهة بين ثقافة بائسة منبوذة، وسياسة محكمة ناجحة تقود مجتمعاً وطائفة الى التفرد بالسلطة والتمتع بكل مزايا الحكم المطلق.

آخر ما تبقى في جعبة الوطنيين لتبرير فشلهم هو القول بأن "النظام اختطف الطائفة وغيّب صوتها الوطني، وزرع خوفاً في نفوس أبنائها من الثورة السنية، وبعد ذلك تسلّحت القرى العلوية، وتسلّط الشبيحة على العلويين لإجبارهم على عدم المشاركة في الثورة". وهذه العبارات تنسف المبادئ الوطنية القائمة على التمرد على الطغيان مهما كانت الاثمان، والتضحية في سبيل الوطن، والتلاحم والتآخي والتآزر، والالتزام بمثياق التعايش المشترك ووحدة المصير والقضية وغيرها من الكلام الذي مللنا من سماعه، ولا بد من التنبيه هنا إلى أن الاختطاف المزعوم ليس لجمادات أو كائنات مسلوبة العقل والإرادة وإنما لطائفة من البشر تقول إنها تمثل 9% من سكان سوريا.

سنعرض فيما يأتي بعض الحقائق عن حال العلويين مع الثورة كشيء من التوثيق،و إلا فموقفهم المشين وخياناتهم الجلية وطغيانهم أشد ظهوراً من إجرام اليهود والأغراب المحتلين:

-الشبيحة "حُراس الطائفة": ثمة أصوات تسعى لتجريدهم من هويتهم العلوية وتحويلهم الى مرتزقة يسعون وراء المال فقط. يقول الناشط السوري والباحث في علم الاجتماع أحمد موسى إن "وجود الشبيحة، الذين ينكرهم النظام اليوم، سابق على الثورة، لكنه تطور معها، وباتت له أبعاد جديدة. كان الشبيحة يعدون بالمئات، وربما بضعة آلاف في أحسن الأحوال، لكن فتح باب التطوع على مصراعيه للموالين للنظام، وتسليح الحزبيين البعثيين بعد الثورة، رفع عددهم بشكل كبير، بحيث بات يصعب إعطاء رقم دقيق ولو تقريبي عن حجمهم."

ويشرح أحمد موسى: "الشبيحة عرفوا قبل الثورة بأنهم رجال مدنيون متنفذون، مرتبطون بشكل أساسي بعائلة الأسد لا سيما ماهر شقيق الرئيس السوري، وابني عمه فواز ومنذر، وآخرون". وبحسب موسى "الشبيحة في المناطق الساحلية من حمص إلى تلكلح وحتى في بانياس ودمشق وجسر الشغور وإدلب، ينتمي غالبيتهم إلى الطائفة العلوية، أما في المناطق الداخلية الأخرى فهم من السنة أو حتى المسيحيين." [صحيفة الشرق الأوسط 21/11/2011]

ويقول المعارض العلوي حبيب صالح "أنا من الطائفة العلوية، وأقول لك إن الطائفة العلوية لم تجتمع بعد لتحدد موقفها من النظام، عدا ذلك فإن العلويين لا يملكون مرجعية دينية رسمية كبقية الطوائف... النظام يلعب لعبة خطيرة اذ يحاول أن يوحي للرأي العام بأن من يقوم بالثورة هم من الطائفة السنية وبأن العلويين يريدون الدفاع عن حقوقهم. وأريد أن أعطي مثالاً بسيطاً، فرقة «الشبيحة» التي تقتل السوريين تُدفع لها راوتب مرتفعة جداً تصل الى حدود 5000 دولار، وهؤلاء للأسف غالبيتهم من الطائفة العلوية، وقد خضعوا في السابق الى تدريبات عسكرية، وأصولهم تعود الى سرايا الدفاع التي شكلها رفعت الاسد لمواجهة الاخوان المسلمين بين عامي 1977 و1982، وجزء من فرقة الشبيحة تعود أصوله الى جمعية المرتضى التي تمّ تسليحها في زمن حافظ الأسد، والأسلحة تمّ جلبها من لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية وتم تهريبها عبر مرافق غير شرعية. بشار الأسد يلعب على العصب الطائفي العلوي وقام بإعادة تطويع سرايا الدفاع وبقايا الجنود الذين خدموا في لبنان." [الرأي الكويتية 22/9/2011]

الطائفة في خدمة النظام

ليس المجندون والعسكريون في أجهزة النظام هم الآلة الوحيدة التي يعتمد عليها بشار الأسد في قمع الثورة، وإنما هناك تعاطف شعبي يُغري النظام بتسليح القرى العلوية للانقضاض على السنة، وقد سُجلت عدة اعتدادت لا سيما في حمص (أحياء الزهراء والنزهة وعكرمة وغيرها) وتلكخ وريف حماة التي دعت تنسيقية الثورة فيها العلويين إلى "أن لا ينجروا وراء إغراءات النظام بارتكاب أي حماقة ويفسدوا جيرتهم"، مضيفة "نحن لا نحمل أي ضغينة لهم رغم معرفتنا التامة أن النظام قد سلّح كل أفراد هذه القرى على عكس البلدات السنية حيث يلاحق فيها أي مسلح". وقد جرت عدة حوادث خطف لشبان سنة من قبل علويين يتحدرون من بلدات المبطن وسلحب.

ويوجد في ريف حماه أكثر من 50 قرية، تتوزع على مناطق سهل الغاب، ومحردة، والسلمية، ومصياف. وهناك تقسيم طائفي لهذه القرى، يجعل من احتمال حدوث توترات مذهبية بين سكانها، عاليا دائما. ويتركز وجود علوي محدود موال للنظام في قرى مصياف، يقابله أغلبية سنية معارضة له في بقية المناطق، كما تعيش أقلية مسيحية في منطقة محردة، وأخرى إسماعيلية في منطقة السلمية.

ويشير الناشطون إلى أن النظام سلّح القرى العلوية ليس فقط في سهل الغاب وإنما في كل سوريا بهدف إشعال فتنة طائفية، وللأسف الشديد بعض أبناء الطائفة ينجرون إلى أسلوبه الفتنوي [الشرق الأوسط 25/1/2012].

وعلينا أن لا ننسى أن مجازر تلكخ في شهر أيار 2011 تمت على أيدي العلويين القاطنين في المحيط والضواحي (بلدات العقربية والقرنية والبرهانية)، والتي أعقبها هجرة جماعية الى منطقة وادي خالد شمال لبنان.

أما اللاذقية التي يتساءل الناس عن سبب تمكن النظام من السيطرة عليها رغم أنها كانت في طليعة المدن الثائرة فيروي عضو «المجلس الوطني السوري» خالد كمال (ابن اللاذقية) أبرز محطات الثورة في اللاذقية منذ بداياتها وحتى الآن، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: "نحن كنا أول من بدأ الثورة بعد درعا، حيث أطلقنا المظاهرات ومعنا بدأت حمص وبانياس، وللأسف على أثر تنظيم عدة مظاهرات داخل المدينة نزل العلويون من الجبل واشتبكوا منعا بالحجارة وما لبثوا أن فتحوا النار على المتظاهرين، مما أدى إلى وقوع مجزرة أودت بحياة سبعة أشخاص، وهذه المجزرة ارتكبها محمد شاليش، قريب الرئيس بشار الأسد، وكان معه حافظ الأسد نجل منذر الأسد، وكان أول شهيد في اللاذقية محمد بيازيد الذي أطلق عليه رصاص القناصة عندما كان يحاول إسقاط تمثال حافظ الأسد في المدينة." ووصف وضع اللاذقية الحالي بالمأساوي، خصوصا أن نحو نصف أهالي المدينة مهجر إلى تركيا والقسم الآخر لجأ إلى المناطق المجاورة، مما جعل الحياة الاقتصادية والاجتماعية شبه معدومة، لافتا إلى أن "هذا الوضع لا ينطق على المناطق الواقعة في محيط اللاذقية التي يقنطها العلويون، والتي تعيش حياة طبيعية"، معتبرا أن "أخطر ما في الأمر أن النظام أوصل المدينة ومحيطها إلى حالة من التعبئة المذهبية غير المسبوقة، فهو في الوقت الذي يضطهد المدينة التي يشكل سكانها من السنة ما نسبته 70 إلى 80 في المائة، تراه يلجأ إلى تسليح سكان الجبل من أبناء الطائفة العلوية الذين يهددوننا يوميا بالقتل والانتقام، ونحن نخشى هذه التهديدات وارتكاب المزيد من المجازر." [الشرق الأوسط 13/1/2012]

ويضيف أحد الناشطين الهاربين الى تركيا بأن النظام فرض حصارا خانقا على الأحياء السنية المعارضة وارتكب الكثير من المجازر، إضافة إلى اعتقال عدد كبير من الشباب في هذه الأحياء. بينما ترك الأحياء الأخرى تعيش حالة طبيعية، لا، بل أكثر من ذلك، الشبيحة في الأحياء الموالية يقيمون الاحتفالات، كلما تم اقتحام حي معارض ونُكّل بأهله. [الشرق الأوسط 30/1/2012]

وفي اللاذقية أيضاً تنقل صحيفة الشرق الأوسط (16/1/2012) عن طالب جامعي سني قوله: "إن النظام نجح في شد العصب الطائفي، ليس فقط في حي الزراعة ( أكثر الأحياء العلوية موالاة لنظام الأسد) وإنما في كافة الأحياء التي يسكنها علويون، فأوهم أهالي هذه الأحياء بأن وجودهم مهدد في حال سقوطه، هذا ما دفع الناس ليس فقط للوقوف مع النظام بل والدفاع عنه عبر قمع الأحياء الأخرى وممارسة التشبيح عليها." ويضيف "الناس في الأحياء الموالية، لا تصدق الإعلام الرسمي ولا كلام الرئيس السوري، الذي يتحكم بأفعالها، هو الغرائز الطائفية التي استطاع النظام استثارتها".

وهذا التخندق الطائفي حفّز بشار الأسد ليمضي في مخططاته المذهبية، حيث قال النقيب عمّار الواوي (أمين سر المجلس العسكري المؤقت التابع للجيش الحر) إنه حصل على معلومات، غير تلك المنشورة في الوكالات الاعلامية عن نية الرئيس بشار الأسد تطوير قاعدة علوية باللاذقية، وأنه الآن يضع القواعد العسكرية ويقوم بتعزيزها للأيام القادمة من اجل إنشاء دولة علوية لانه يلعب على جميع الاوراق، وقد أرسل لي احد السياسيين صورة كاملة عن ما يقوم به بشار وأنصاره. [تصريح لموقع إيلاف 12/1/2012]

وعن التمييز الطائفي في مدن الساحل يقول الشيخ أنس عيروط إمام مسجد الرحمن في بانياس (وأحد قادة الثورة فيها) "نحن نعاني من الطائفية لنحو أربعين عاما، فمثلا الوظائف المهمة في شركات النفط، تحسب للعلويين وعدد السنة في تلك الشركات يعد على أصابع اليد الواحدة، حتى أنهم يستقدمون علويين للعمل في تلك الشركات النفطية من حمص، دون إتاحة الفرصة لأهل السنة من الساحل السوري." ويضيف "ما زلت أقول للرئيس الأسد: كما كنتَ جريئا في وصم المتظاهرين بالإرهاب، كن جريئا أيضا بالإقرار بأن في القرداحة (مسقط رأس عائلة الأسد) عصابة مسلحة وأسلحة بالأطنان لا يملك الجيش السوري مثلها." [الشرق الأوسط19/1/2012]

وبإمكاننا تخيل مشهد الاتحاد بين العلويين (مدنيين وعسكريين) في مواجهة الشعب وثورته، حيث يقول أحد الضباط المنشقين لصحيفة لشرق الاوسط "كل الفروع الأمنية؛ وعلى رأسها فروع المخابرات العسكرية والجوية وتليها وحدات أمن الدولة تقوم بالعمليات على الأرض حتى وﺣﺪات اﻟﺪﻓﺎع اﻟﺠﻮي اﻟﻤﻌﺮوف عنها أنها ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاجهة اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻟﻤﻌﺎدية، ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ وﺣﺪات ﻟﻘﺘﻞ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺴﻮري، وهي ﻣﺘﻤﺮﻛﺰة في هذه اﻟﻔﺘﺮة ﺑﺸﻜﻞ رئيسي ﻓﻲ ﺣﻤﺺ، وﺗﻘﻮم ﺑﻌمليات اﻟﻘﺼﻒ ﺑﺎﻟﺮﺷﺎﺷﺎت والمدفعية الثقيلة، واﻷﻣﺮ نفسه ينسحب أيضاً ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﺒﺤﺮية اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻧﺸﺮ زوارقها في مدينة اللاذقية." ويؤكد الضابط أن «الفرقة الرابعة» تلعب دورا أساسيا في عمليات القتل، ومن المعروف عنها أنها من أقوى وأخطر فرق الجيش السوري وصرف عليها الكثير من الأموال، وهي توازي 5 فرق لناحية قدراتها العسكرية وعديدها العسكري الذي يصل إلى 50 ألف عنصر توزعوا على معظم الأراضي السورية، لكن مهمتها الأساسية تتركز في المناطق المشتعلة في هذه المرحلة، لا سيما في حمص وحماه؛ حيث تتولى مهمة القصف المدفعي وإطلاق راجمات الصواريخ والذخيرة الحية. ويضيف: "ولوحدات الحرس الجمهوري التي يصل عديدها إلى نحو 30 ألف عنصر ويعرف عنها أنها قوات نخبة وتملك سلاحا متميزا، وقعها العملي العسكري أيضا في قمع الثورة السورية وقتل المدنيين، رغم أنها لا تزال متمركزة بشكل رئيسي في العاصمة دمشق، فيما تبقى مهمة بعض الكتائب الأساسية هي عمليات التأديب الممنهج، أي عمليات القمع والقتل المروعة التي تفتك بالمدنيين، على غرار ما يقومون به في حمص من ذبح للعائلات والأطفال. مع العلم بأن وحدات الحرس الجمهوري التي تؤازر الوحدات الأخرى في العمليات الأمنية، تنفذ مهامها في المناطق ثم تعود إلى مواقعها الأساسية في العاصمة، حيث يحرص النظام على أن تبقى مسيطرة على الأمن للعمل على القضاء على أي تحركات قد تظهر في أي وقت." من جهته، يقول أبو عبد الحمصي، وهو أحد أعضاء مجلس الثورة في حمص، إن النظام في سوريا عمد إلى توحيد جهود الفرق والحدات العسكرية على اختلافها لقمع الثورة، مضيفا: "كل الوحدات توحدت تحت لواء قتل الشعب؛ من الحرس الجمهوري والأمن السوري، إلى الدفاع الجوي والفرقة 18 والفرقة الرابعة، وللحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله، دور رئيسي في العمليات التي تنفذ في حمص وغيرها من المناطق السورية، إضافة إلى استقدام أعداد كبيرة من الشباب العلويين وتسليحهم للدخول إلى المنازل وقتل العائلات." [صحيفة الشرق الأوسط9/2/2012]

أما برهان غليون رئيس المجلس الوطني فقد اعترف بعدم مشاركة العلويين في الثورة حيث قال رداً على سؤال لصحيفة الحياة هل من ضمانات تُقدم للطائفة العلوية؟ هل من ضمانات تُقدم بألا يسيطر ويهيمن الإخوان المسلمون على الساحة في سوريا: أنا أعتقد أن أهم وأكبر ضمان لعدم تهميش أي طائفة هو مشاركة الطائفة في هذه للثورة. [صحيفة الحياة اللندنية 3 شباط 2012]

الدروز

بعد صمت طويل، دعا الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أبناء طائفته في سوريا الى عدم التورط في قتل أبناء شعبهم والمشاركة في عمليات قمع الثورة، وقد كرر دعوته هذه في أكثر من مناسبة منها حديثه لصحيفة الأنباء اللبنانية حيث قال "متى سيصدر من أبناء جبل العرب بيان مشابه" (يعني لبيان العلويين الذي تبرأ من جرائم الأسد). وحيا جنبلاط "الأصوات القليلة إنما الجبارة التي تتصاعد من جبل العرب رفضا للقهر والاستبداد"، رافضاً أن "يقوم بعض الوجهاء من أهل الجبل بتغطية ما تقوم به السلطات من قمع وظلم ضد أبناء الشعب السوري وقد عاد المئات من الجنود الدروز في نعوش إلى ديارهم. أما آن الأوان للجنود الدروز رفض الأوامر العسكرية بقتل إخوانهم من أبناء الشعب السوري في حمص وحماه وإدلب والمناطق السورية الأخرى، والتزام منازلهم على الأقل؟" [السفير اللبنانية 24/1/2012]. وفي حديث آخر له قال "كان حرياً ببعض الاجهزة الامنية اللبنانية ان تمنع بعض «الشبيحة» من قرى جبل لبنان من الذهاب الى جبل العرب في سوريا للقتال ضد الثوار والمناضلين الذين يرفضون السكوت عن الواقع القائم ويناضلون في سبيل التغيير." [السفير اللبنانية 7/2/2012]

صوت جنبلاط كان صوتاً نشازاً في الأوساط الدرزية (السورية واللبنانية) التي تجحفلت خلف النظام السوري، وقد هوجمت تصريحاته من قبل الشيعة والدروز في لبنان. أما الناشطة السورية منتهى الأطرش فقد قالت "إن رسالة جنبلاط جيدة جداً لكنها متأخرة وكنا ننتظر من الاستاذ وليد جنبلاط اطلاق هذا النداء قبل هذه المرحلة. وأتمنى أن يسمعه كل الدروز الأحرار في السويداء." وقالت السيدة منتهى "الدروز في سوريا كما يعرف الجميع منقسمون بين جهة موالية للنظام وأخرى مع الشعب والمعارضة، لكن الذي يجري هو أن جزءاً من الدروز لا سيما الفقراء منهم يتمّ إغراؤهم بالمال من أجل الانخراط في فرق الشبيحة التي تقتل الثوار، وهذه الفرق عبارة عن مجموعات من تجار المخدرات والجماعات الارهابية أُطلق سراحها من السجون، حتى ان وئام وهاب يقوم بتوزيع السلاح على الناس ويدفع المال لهم، وانا أدعو الاستاذ وليد جنبلاط الى وضع حد لتصرفات وهاب، هذا الشخص السيئ." [تصريحات لصحيفة الرأي الكويتية 6/ كانون الثاني 2012].

دروز لبنان أعلنوا تأييدهم للنظام العلوي، ففي فمطلع تشرين الثاني 2011 زار رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان يرافقه وزير الدولة مروان خيرالدين وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نصرالدين الغريب، الرئيس السوري بشار الأسد، وقال المستشار الإعلامي للنائب أرسلان الدكتور سليم حمادة لصحيفة الشرق الأوسط (2/11/2011) إن اللقاء تخلله "التأكيد على أن هذا المخطط الجهنمي الذي تتعرض له سوريا إنما يهدف لتحقيق مصلحة إسرائيلية بالدرجة الأولى!"

وبعد شهر من الزيارة الأولة اصطحب أرسلان وفدا من مشايخ الطائفة الدرزية، يتقدّمهم الشيخ نصرالدين الغريب، «شيخ عقل» الطائفة الدرزية، في زيارة ثانية إلى العاصمة السورية دمشق، وبعد زيارته قصر المهاجرين، توجه الوفد الدرزي إلى مدينة السويداء في جبل العرب، محطته الثانية في سوريا، حيث أقيم له استقبال رسمي وشعبي حاشد شارك فيه وزراء ونواب وحشد من رجال الدين الدروز. وفي كلمة ألقاها في السويداء، أكد أرسلان أن "سوريا تتعرض لمؤامرة كبرى بسبب دفاعها عن فلسطين وكل القضايا العربية." كما ألقى الشيخ الغريب، كلمة له في السويداء خلال زيارته مدينة السويداء السورية، قال فيها "إننا نشعر اليوم باستعمار جديد يطل برأسه من وراء البحار، وكما هُزم في لبنان فهو مرشّح للهزيمة على كل أرض عربية"، مؤكدا "الاستعداد لمواجهة هذا الاستعمار مهما قست الظروف، فأرض العرب للعرب وليست لغيرهم ولو كره الكارهون، فمهما تجنّى الغرب وألقى التهم لن يستطيع إخضاعنا وتقسيمنا، وكلنا ملء الثقة بإخواننا في سوريا، فهم شعب حر يأبى الذل والهوان ولأية طائفة انتمى". وأضاف: "إن الدماء تمتزج بالدماء، والأرواح تتعانق في الأجواء وكلنا واحد في سبيل نصرة هذه الأمة، وستنقشع الغيوم وتطل شمس العروبة من وراء الأفق وتتحقق الأمنيات بقيادة حكيمة لطالما ناضلت من أجل شعبها وما زالت برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد". وعلّق المستشار الإعلامي لأرسلان، سليم حمادة، على أبعاد زيارة دمشق، فأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن "للزيارة هدفين، الأول قومي عربي ينطلق من قناعة الأمير طلال بدور سوريا، والثاني ينطلق من موقف وموقع طائفة الموحدين الدروز." وختم حمادة: "نحن من موقعنا الوطني نحمل أيضا هذه الأمانة، سيما وأن مصير الأقليات في هذا الشرق على كفّ عفريت إذا ما حلّت أنظمة متطرفة مكان الأنظمة القائمة حاليا." [الشرق الأوسط 10/12/2011] وفي تصريح آخر لصحيفة الشرق الأوسط (15/12/2012) وصف حمادة النظام السوري بأنه نظام "ضامن للأقليات" مستنتجا أن "الهجمة على سوريا تستهدف كل الأقليات السياسية والمذهبية، وليس الدروز فحسب".

وئام وهاب الزعيم الدرزي اللبناني رئيس "حزب التوحيد العربي" والمعروف بوقوفه في ساحات دمشق تأييداً للنظام زار دمشق أكثر من مرة والتقى بشار الأسد، وكان آخر زياراته المعلنة أواخر كانون الثاني 2012، ونقل وهاب، وفق بيان صادر عن امانة الإعلام في الحزب (التوحيد العربي)، تأكيد الأسد "الحفاظ على وجود الطائفة الدرزية في المشرق العربي، وإشادته بالدور الوطني والقومي الذي لعبته ماضياً وتلعبه اليوم والتاريخ خير شاهد على انجازاتها، مضيفاً ان سورية تكنّ المحبة لجميع أبنائها دونما تمييز او استثناء." [الحياة اللندنية 2/2/2012]

الشيعة "الاثني عشرية"

قد لا يعلم القارئ أن الشيعة الاثني عشرية الإمامية الذي يُطلق البعض عليهم لقب "الجعفرية" يُكفّرون الطوائف الشيعية المغالية في اعتقاداتها كالعلوية والدروز والإسماعيلية. لكن التقاء المصالح جعل ائمة المذهب في لبنان والعراق وإيران يدعمون نظام البعث السوري طيلة العقود الماضية، بل ويعترفون بالعلويين كطائفة شيعية مسلمة.

وهذا الالتقاء في المصالح المؤدي الى تنازلات عقدية يُذكّر بتعاون الغرب المسيحي مع اليهود للانقضاض على العالم الاسلامي لاسيما بلاد الشام المباركة، ورغم ما يُثار عن مادّية الحلف المسيحي –اليهودي فإن مما لا يمكن إنكاره أن هذا التقارب دفع المسيحيين الى تقديم تنازلات عقدية كتبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام.

كما يذكرنا باعتناق المعتزلة بعض الافكار الشيعية في ظل الحكم البويهي بغية التوسع المذهبي والتمتع بالوظائف الحكومية المهمة بالرغم من تصريح ائمة الاعتزال بفساد الاعتقادات الشيعية وتصريحهم ببطلانها.

ورغم علمانية النظام البعثي المفرطة وتشدده تجاه التيارات الدينية إلا أن علاقة ائمة المذهب الشيعي في لبنان والعراق وإيران بالقيادة السورية حافظت على متانتها وقوتها ونذكر من هؤلاء حسن مهدي الشيرازي، موسى الصدر، محمد مهدي شمس الدين، محمد حسين فضل الله، حزب الدعوة العراقي الذي أسسه محمد باقر الصدر، علماء جبل عامل، القيادة الدينية الايرانية.

لقد فتح النظام السوري أبواب البلاد أمام الشيعة لكي يصبغوها باللون المذهبي المقيت المسمى "التشيع" وقد حقق الشيعة خطوات جيدة في مشروعهم هذا، وفضلاً عن المكاسب المذهبية فقد أصبحت سوريا قاعدة عسكرية ايرانية وممراً لأسلحة إيران الى حزب الله اللبناني، كما أنها أصبحت محضناً لعناصر القاعدة الذين تستخدمهم إيران لإثارة العنف والتفجيرات في المناطق السنية في العراق ولبنان.

لا يشكل الشيعة في سوريا نسبة تذكر، لكنهم بلا شك أكبر الخاسرين من انتصار الثورة، وبعبارة أخرى فإن عودة السنة لقيادة سوريا والقضاء على النشاط الشيعي فيها يشكل "نكبة " للمذهب وأتباعه في عموم المنطقة، وإن حافظت الثورة على إنجازاتها ولم تنتكس ونجحت في صد محاولات الانقلاب "الوطنية " فسيكون لهذه النكبة تداعيات وآثار قد تزلزل الهيمنة الشيعية وتمهد لزوالها.

إن مشاركة مليشيات حزب الله الفاعلة والمؤثرة في قمع الثورة السورية طبيعية ومنطقية لأنها مواجهة مصيرية يعتمد على نتائجها مصير المليشيا المسلحة ومستقبل الطائفة الشيعية في لبنان، وفي هذا السياق قالت مصادر قريبة من حزب الله لـ صحيفة «الراي» الكويتية (5 شباط 2012) انه في لبنان علينا ألا نألو جهداً في دعم الرئيس الأسد، لان دعمه مسألة مصيرية واستراتيجية ومستقبلية. وأعربت المصادر عن اعتقادها في هذا المجال ان قلق القيادة الاسرائيلية "من تفجير الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية" يعبّر عن الحقيقة، لأن حزب الله لن يسمح بسقوط الأسد ونظامه مهما كانت كلفة الدخول في نزاع عسكري مع اسرائيل.

ولعل الخطر على مستقبل الطائفة في لبنان دفع الامين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي الى التحذير من طوفان قادم من سوريا، مذكراً بأن "اجتياح حزب الله لبيروت في 7 مايو 2008 أسّس لفتنة سنّية - شيعية سندفع ثمنها اليوم لأن الطوفان آتٍ من سوريا." وأضاف الطفيلي في مقابلة تلفزيونية الاثنين (30 كانون الثاني 2012) مع قناة "MTV" اللبنانية "اليوم تتسع دائرة الحرب في سوريا التي تسرع الى حرب اهلية... وكثير من الناس سيزحفون لنصرة الشعب السوري في مواجهة النظام وغالبية حدود لبنان مع سوريا مفتوحة وسيندفع منها ملايين الرجال والسلاح، فيما الشارع السنّي للأسف محتقن ولا سلاح حزب الله أو غيره سيقف في وجه هذا الأمر."

وقد أصدر حزب الله وحركة أمل بياناً أعربا فيه عن دعمهما لسوريا وإيران في وجه «التهديدات» و«المؤامرة الدولية»، وجاء في البيان، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية "أن حزب الله وحركة أمل، التي يرأسها رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، يقفان إلى جانب إيران «بوجه التهديدات الأميركية والإسرائيلية التي تتعرض لها»." كما وصف البيان ما يجري في سوريا بأنه «مؤامرة دولية تستهدف موقع سوريا الممانع وسياساتها الداعمة لحركات المقاومة العربية والإسلامية»، مؤكدا على التضامن «مع سوريا شعبا وجيشا ومؤسسات». وشدد البيان على رفض حزب الله وحركة أمل أن «يكون لبنان ممرا للتآمر على الشقيقة سوريا». [الشرق الأوسط 22/11/2011] وفي كلمة له خلال افتتاح المؤتمر الدولي "المسلمون والمسيحيون في مناخ التحولات الكبرى" قال نبيه بري "إننا بغياب استخلاص الدروس والعبر من الثورات العربية ونتائجها، نقول بصراحة: نعم، ونقول بصراحة أكثر إنه لا يوجد حتى الآن من يمكنه على مستوى النظام القائم أو الجديد أن يعطي كلمة تطمئن الأقليات في المنطقة، بانتظار أن تنتبه قوى الثورات إلى المعنى الحضاري لضمان حرية الأقليات ولاستمرار صيغ التعايش." [صحيفة الأخبار اللبنانية 17/1/2012]

أما "العراق الشيعي" بقيادة نوري المالكي فقد عبّر عن خشيته من هيمنة القاعدة والتكفيريين على سوريا في حال سقوط نظام بشار، كما حذّر المالكي من حرب أهلية إذا ما تم إعدام الرئيس السوري، وبدوره هاجم زعيم المليشيات الشيعية مقتدى الصدر الثورة ووصفها بأنها "ثورة مسلحة تستهدف المواطنين والعسكريين وتعمل بمنهج طائفي مقيت." [الشرق الأوسط 24/11/2011]

أما الدعم المادي فقد أصبح العراق "الأوكسجين الاقتصادي للنظام السوري" بعد العقوبات التي فرضت عليه، وميدانيا أكد الرائد ماهر النعيمي المعلومات التي أفادت دخول مجموعات مسلحة من العراق تابعة لمقتدى الصدر مع جيش النظام في حمص مع الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، وقال هناك مجموعات مسلحة تأتي إلى سوريا لمساندة جيش النظام، وهذا ما يؤكده لنا المواطنون السوريون الذين يتم اقتحام منازلهم، إذ يتمكنون من التعرف عليهم من لهجاتهم غير السورية، ويضيف لكننا إلى الآن لم نستطع إلقاء القبض على أحد منهم، لأن جيش النظام يحاول قدر الإمكان إخفاء جثثهم في أسرع وقت ممكن، في حين يتركون جثث السوريين والجرحى منهم ساعات طويلة على الأرض وفي التفاصيل، يفيد النعيمي أن هناك طائرتين مدنيتين هبطتا منذ 3 أيام في مطار حماه الحربي نقلتا عددا كبيراً من مقاتلي مقتدى الصدر. [حديث لصحيفة الشرق الأوسط 22/11/2011]

وأما الجمهورية الإيرانية "راعية التشيع في العالم" فلسنا بحاجة للحديث عن عدائها للثورة والشعب، لأن التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران أشهر من أن يُنبه إليه أو يُشار إلى دوره في قمع الثورة، ويكفينا في هذا المجال أن نشير إلى أن كبار الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني ورد ذكرهم في قائمة المتورطين الذين فرض الاتحاد الاوروبي عليهم عقوبات منهم القائد الأعلى للحرس محمد علي جعفري، ومساعديه الجنرال قاسم سليماني (قائد قوة "القدس") وحسين تائب (مسؤول الاستخبارات) بالاضافة اللواء‮ ‬محمد رضا زاهدي (قائد قوات ثأر الله المختصة في‮ ‬حرب الشوارع وقمع المتظاهرين)، أما المستشار العسكري لعلي خامنئي (القائد السابق للحرس الثوري) الجنرال يحيى رحيم صفوي فقد هاجم موقف تركيا من الثورة قائلا: "ان تركيا تتعاون مع اميركا والسعودية واسرائيل من اجل زعزعة الاستقرار والامن في سوريا وهذا خطأ استراتيجي ترتكبه تركيا بحق الشعب السوري" وذلك في تصريح لوكالة "مهر" للأنباء (8 تشرين أول2011)، وقد تم الاعلان عن اعتقال 29 ايرانياً من قبل "الجيش الحر" بينهم 11 في حمص.

إن الذي يبعث الرعب في نفوس أئمة المذهب الشيعي وزعمائه السياسيين هو الاعتزاز الثوري السوري بهويته الاسلامية، وهو ما يعني "صحوة الشام الأموية" التي يعتبرها الشيعة العدو الأول لمذهبهم.

لا يمكن للشعب السوري أن يعود للتعايش مع الأقليات على نحو مُذل مهين، فلا بد أن يسترجع السنة حقهم في القيادة والزعامة، ولا بد لسوريا السنية الأموية أن تفجر صحوة في المنطقة تعيد الأمور الى نصابها والحقوق لأصحابها.

إن العدل الذي ينشده السنة اليوم لن يُرضي الأقليات التي فرضت سلطتها ووسعت نفوذها على ركام البلاد السنية المستباحة، وكما أن حقوق الشعب الفلسطيني لن تُرضى العدو الاسرائيلي وجماهيره، فإن مطالب الثورة السورية لن تُرضي الأقليات الشيعية لأنها ستهدد هيمنتها، والتي يسعى الغرب لتثبيتها وتعزيزها.

كاظم حامد الربيعي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية