كثر الكلام في الآونة الأخيرة في الأوساط اللبنانية عن إمكانية أو احتمال تورط بعض القوى الفلسطينية في الشأن اللبناني والسوري، وتحدث بعضهم عن أحداث الطريق الجديدة الأخيرة باعتبارها مؤشراً على هذا التورط، وبعدها نشطت الاتصالات واللقاءات واستصدار التصريحات التي في مضمونها تنأى بالنفس عن الشأن اللبناني وأخرى عن السوري.
الأزمة اللبنانية المستجدة ابتدأت عام 2005، مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم يسجل منذ ذلك الحين أن تورط الشارع الفلسطيني والتنظيمات الفلسطينية في أية أحداث لبنانية وقعت وهي كثيرة، رغم البيانات والتسريبات والأخبار التي تحدثت عن انغماس وتدخل فلسطيني في الملفات الأمنية اللبنانية وتبين لاحقاً أنها ملفقة، باستثناء قضية فتح الإسلام ومأساة مخيم نهر البارد التي تسببت بها وتبين لاحقاً أنها صناعة مخابراتية سورية.
فلماذا اليوم بالذات اشتد الحديث وارتفع منسوب الكلام عن التورط الفلسطيني ليصل إلى مستوى الحديث عن الاغتيال كما ورد في كلام مقالة السفير التي كتبها عماد مرمل الاثنين، وجاء فيها على لسان نبيه بري ما يلي "قدم لبنان الكثير من أجل الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، وهو ينتظر منكم ما يتناسب مع هذه التضحيات، في هذه الأثناء، كانت التقارير التي تصل إلى بري تبعث على المزيد من القلق، لا سيما لجهة احتمال توريط المخيمات الفلسطينية في التوتر الذي تشهده الساحة اللبنانية، في وقت كان رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد يبلغ بري أن هناك مظاهر مسلحة وحوادث غير معلنة تسجل في صيدا، وهو ما ترافق مع القطع المتكرر لطريق بيروت ـ الجنوب عند منطقة الناعمة، من هنا، أنا أدعوكم إلى التحرك سريعا لإخماد الفتنة التي يُعد لها البعض، ويريد للمخيمات أن تكون منطلقاً لها".
وتابع بري متوجهاً إلى الزائر الفلسطيني "أنا أعرف بالأسماء من هم الذين يخططون لاغتيالي، وأعرف أين يجتمعون وماذا يخططون..تفضل، هذه لائحة بأسمائهم. وأمل بري أن تبذل السلطة الفلسطينية كل جهدها لمنع استخدام المخيمات في أي اضطراب داخلي، مشدداً على ضرورة عدم التهاون في هذه المسألة التي تخص الأمن اللبناني والأمن الفلسطيني على حد سواء".
وعلى خط مواز، كان بري يتواصل مع قيادة حركة حماس ويضعها في أجواء المعطيات المتوافرة لديه، وقبل أيام قليلة كان قد صدر عن لقاء فلسطيني عقد في مخيم عين الحلوة وضم القوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية بيان يتضمن كلاماً يفيد النأي بالنفس عن الشأن اللبناني ويتوافق مع رغبة بري التي أشار إليها مقال جريدة السفير.
وكأن المطلوب أن يصدر هذا الكلام جملةً وتفصيلاً دون شرح الأسباب والموجبات والضرورة التي استدعت إصدار بيان من هذا النوع حيث ورد فيه "وأكد المجتمعون أن الفلسطينيين في لبنان هم عامل استقرار ولن يكونوا طرفاً في أي نزاعات داخلية لبنانية، وعدم المراهنة عليهم بأي فتنة داخلية أن حصلت لا قدر الله، والتأكيد على أن السلاح الفلسطيني لم ولن يوجه إلا نحو العدو الصهيوني لتحرير فلسطين، وهذا السلاح هو الضامن لعودتنا إلى أرضنا فلسطين الحبيبة ومانعاً لتوطيننا في لبنان أو غيرها من الدول".
لذا يجب أن نناقش ما ورد في كلا البيانين ونقف عند بعض المفردات والمواقف:
ـ أورد المقال أن بري قلق من قطع طريق بيروت الجنوب عند منطقة الناعمة التي وقعت بعد حادثة قتل الشيخين في منطقة عكار، وكان الكلام عينه قد ورد في الصحيفة عينها مع الإشارة لتحذير من نبيه بري من مغبة هذه الممارسة الخطيرة.
ماذا عن قطع طريق المطار باستمرار من قبل ميليشيا بري وحزب الله؟ ألا تشكل برأي الصحيفة ونبيه بري وأسامة سعد رجل إيران وسوريا في مدينة صيدا خطراً على السلم الأهلي، ومصالح المواطنين، ومستقبل العلاقات بين مكونات المجتمع اللبناني؟ أم أن فريقاً لبنانياً بعينه ممنوع عليه أن يمارس ما يمارسه الفريق الآخر؟ مع قناعتنا بعدم جدوى قطع الطرقات والتي اقتنع بعدم جدواها نصرالله مؤخراً بعد أن مارسها بانشراح واستقواء لسنوات، أم ربما المتغيرات في المنطقة هي التي تغير القناعات؟
- أي سلاح وممارسات هذه التي تحدث في مدينة صيدا ومحيطها ويتحدث عنها أسامة سعد، وهو رجل المقاومة والوطنية كما يقدم نفسه، أي أنه من الفريق عينه الذي يملك ويمارس ما يتهم به الآخرين وهو الذي طالما قطع الطرقات واحرق الدواليب؟ وأين مخابرات الجيش مما يقوله أسامه سعد؟ فهو في حقيقة الأمر يدين عجزها ويتهمها بالفشل!
- كيف اتفق أن تصريح بري والتسريبات الإعلامية وبيان القوى الفلسطينية كلها تقاطرت وتراكمت في أيامٍ قليلة، لتشكل إشارة واضحة على خطورة الأوضاع في لبنان، في وقت يمارس فيه نظام الأسد أبشع المجازر بحق شعبه، متزامناً مع حملة إعلام قوى شكراً سوريا في لبنان التي تروج لانفلات الوضع الأمني وانتشار السلاح وحضور القاعدة إلى لبنان، وتتحدث عن ضرورة ضبط الوضع ولو لزم دخول الجيش السوري مجدداً؟
- إذا كان المطلوب عدم انخراط المخيمات الفلسطينية في الشأن اللبناني والسوري، فمن يطلب من مجلس علماء فلسطين المعروف بعلاقته بتجمع العلماء المسلمين وحزب الله بإصدار بيان يهاجم السعودية ويؤيد حلفاء إيران في البحرين، حيث "طالب مسؤول العلاقات الدولية والإعلام في مجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد موعد، السلطات السعودية بسحب قواتها فوراً من البحرين، وترك أبناء هذا البلد يقررون مصير بلدهم بأنفسهم بعيداً عن أي قمع أو ضغط أو تهديد"!
- وإذا كانت الساحة الفلسطينية يجب أن تبقى بعيدة عن التجاذبات اللبنانية والعربية حمايةً للقضية الفلسطينية وشعب فلسطين، فمن يقوم بزيارات مكوكية إلى داخل المخيمات عارضاً ومقدماً وواعداً ومغدقاً التبرعات على بعض القوى والفصائل. لتطلق تصريحات أو تتوقف عن التصريح؟
- ولماذا استجد الخلاف اليوم بين بري وبعض المجموعات الفلسطينية التي يتحدث عنها بري متهماً بعد إشارته هذه، وحرب المخيمات التي انخرط فيها بري برغبة من النظام السوري بكل وحشيتها ودمويتها قد مضى عليها حوالي 23 عاماً؟ اللهم إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها!
يبدو أن فشل مشروع الفتنة في الشمال يرغب البعض في نقله للجنوب ومدينة صيدا بالتحديد أو مدينة بيروت إذا أمكن، ومن بوابة الملف الفلسطيني.
يبدو أن هؤلاء لا يدركون أن هذا العبث سيكون خطيراً جداً وأن المنطقة قد بدأت تتغير وتتحول وأي قراءة خاطئة وممارسة غير صحيحة ستنعكس سلباً ليس على مدينة أو قرية أو كيان بل على المنطقة برمتها، خاصةً وان كلام بري المتوتر هذا وإن لم يذكر على لسانه مباشرةً، قد ظهر عقب الترحيب من قبل الجميع بمن فيهم بري نفسه بانطلاق الحوار الذي أعلن عن موعده فخامة الرئيس.
فهل سنشهد سيناريو فتنة جديداً من قبل حلفاء نظام سوريا الخائفين على مصيرهم وهم يشاهدون الأسد يتهاوى ويسقط على يد الشعب السوري؟ أم أن ما نسمعه هو مجرد تسريبات إعلامية وبالونات ترهيب للداخل واستجداء للمجتمع الدولي وإسرائيل للإبقاء على نظام الأسد؟ خاصةً وان الحديث أو الطلب من الفلسطينيين الابتعاد عن الملف اللبناني معناه دعوة مفتوحة للتورط والانغماس!
حسان القطب
مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات
الأزمة اللبنانية المستجدة ابتدأت عام 2005، مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم يسجل منذ ذلك الحين أن تورط الشارع الفلسطيني والتنظيمات الفلسطينية في أية أحداث لبنانية وقعت وهي كثيرة، رغم البيانات والتسريبات والأخبار التي تحدثت عن انغماس وتدخل فلسطيني في الملفات الأمنية اللبنانية وتبين لاحقاً أنها ملفقة، باستثناء قضية فتح الإسلام ومأساة مخيم نهر البارد التي تسببت بها وتبين لاحقاً أنها صناعة مخابراتية سورية.
فلماذا اليوم بالذات اشتد الحديث وارتفع منسوب الكلام عن التورط الفلسطيني ليصل إلى مستوى الحديث عن الاغتيال كما ورد في كلام مقالة السفير التي كتبها عماد مرمل الاثنين، وجاء فيها على لسان نبيه بري ما يلي "قدم لبنان الكثير من أجل الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، وهو ينتظر منكم ما يتناسب مع هذه التضحيات، في هذه الأثناء، كانت التقارير التي تصل إلى بري تبعث على المزيد من القلق، لا سيما لجهة احتمال توريط المخيمات الفلسطينية في التوتر الذي تشهده الساحة اللبنانية، في وقت كان رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد يبلغ بري أن هناك مظاهر مسلحة وحوادث غير معلنة تسجل في صيدا، وهو ما ترافق مع القطع المتكرر لطريق بيروت ـ الجنوب عند منطقة الناعمة، من هنا، أنا أدعوكم إلى التحرك سريعا لإخماد الفتنة التي يُعد لها البعض، ويريد للمخيمات أن تكون منطلقاً لها".
وتابع بري متوجهاً إلى الزائر الفلسطيني "أنا أعرف بالأسماء من هم الذين يخططون لاغتيالي، وأعرف أين يجتمعون وماذا يخططون..تفضل، هذه لائحة بأسمائهم. وأمل بري أن تبذل السلطة الفلسطينية كل جهدها لمنع استخدام المخيمات في أي اضطراب داخلي، مشدداً على ضرورة عدم التهاون في هذه المسألة التي تخص الأمن اللبناني والأمن الفلسطيني على حد سواء".
وعلى خط مواز، كان بري يتواصل مع قيادة حركة حماس ويضعها في أجواء المعطيات المتوافرة لديه، وقبل أيام قليلة كان قد صدر عن لقاء فلسطيني عقد في مخيم عين الحلوة وضم القوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية بيان يتضمن كلاماً يفيد النأي بالنفس عن الشأن اللبناني ويتوافق مع رغبة بري التي أشار إليها مقال جريدة السفير.
وكأن المطلوب أن يصدر هذا الكلام جملةً وتفصيلاً دون شرح الأسباب والموجبات والضرورة التي استدعت إصدار بيان من هذا النوع حيث ورد فيه "وأكد المجتمعون أن الفلسطينيين في لبنان هم عامل استقرار ولن يكونوا طرفاً في أي نزاعات داخلية لبنانية، وعدم المراهنة عليهم بأي فتنة داخلية أن حصلت لا قدر الله، والتأكيد على أن السلاح الفلسطيني لم ولن يوجه إلا نحو العدو الصهيوني لتحرير فلسطين، وهذا السلاح هو الضامن لعودتنا إلى أرضنا فلسطين الحبيبة ومانعاً لتوطيننا في لبنان أو غيرها من الدول".
لذا يجب أن نناقش ما ورد في كلا البيانين ونقف عند بعض المفردات والمواقف:
ـ أورد المقال أن بري قلق من قطع طريق بيروت الجنوب عند منطقة الناعمة التي وقعت بعد حادثة قتل الشيخين في منطقة عكار، وكان الكلام عينه قد ورد في الصحيفة عينها مع الإشارة لتحذير من نبيه بري من مغبة هذه الممارسة الخطيرة.
ماذا عن قطع طريق المطار باستمرار من قبل ميليشيا بري وحزب الله؟ ألا تشكل برأي الصحيفة ونبيه بري وأسامة سعد رجل إيران وسوريا في مدينة صيدا خطراً على السلم الأهلي، ومصالح المواطنين، ومستقبل العلاقات بين مكونات المجتمع اللبناني؟ أم أن فريقاً لبنانياً بعينه ممنوع عليه أن يمارس ما يمارسه الفريق الآخر؟ مع قناعتنا بعدم جدوى قطع الطرقات والتي اقتنع بعدم جدواها نصرالله مؤخراً بعد أن مارسها بانشراح واستقواء لسنوات، أم ربما المتغيرات في المنطقة هي التي تغير القناعات؟
- أي سلاح وممارسات هذه التي تحدث في مدينة صيدا ومحيطها ويتحدث عنها أسامة سعد، وهو رجل المقاومة والوطنية كما يقدم نفسه، أي أنه من الفريق عينه الذي يملك ويمارس ما يتهم به الآخرين وهو الذي طالما قطع الطرقات واحرق الدواليب؟ وأين مخابرات الجيش مما يقوله أسامه سعد؟ فهو في حقيقة الأمر يدين عجزها ويتهمها بالفشل!
- كيف اتفق أن تصريح بري والتسريبات الإعلامية وبيان القوى الفلسطينية كلها تقاطرت وتراكمت في أيامٍ قليلة، لتشكل إشارة واضحة على خطورة الأوضاع في لبنان، في وقت يمارس فيه نظام الأسد أبشع المجازر بحق شعبه، متزامناً مع حملة إعلام قوى شكراً سوريا في لبنان التي تروج لانفلات الوضع الأمني وانتشار السلاح وحضور القاعدة إلى لبنان، وتتحدث عن ضرورة ضبط الوضع ولو لزم دخول الجيش السوري مجدداً؟
- إذا كان المطلوب عدم انخراط المخيمات الفلسطينية في الشأن اللبناني والسوري، فمن يطلب من مجلس علماء فلسطين المعروف بعلاقته بتجمع العلماء المسلمين وحزب الله بإصدار بيان يهاجم السعودية ويؤيد حلفاء إيران في البحرين، حيث "طالب مسؤول العلاقات الدولية والإعلام في مجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد موعد، السلطات السعودية بسحب قواتها فوراً من البحرين، وترك أبناء هذا البلد يقررون مصير بلدهم بأنفسهم بعيداً عن أي قمع أو ضغط أو تهديد"!
- وإذا كانت الساحة الفلسطينية يجب أن تبقى بعيدة عن التجاذبات اللبنانية والعربية حمايةً للقضية الفلسطينية وشعب فلسطين، فمن يقوم بزيارات مكوكية إلى داخل المخيمات عارضاً ومقدماً وواعداً ومغدقاً التبرعات على بعض القوى والفصائل. لتطلق تصريحات أو تتوقف عن التصريح؟
- ولماذا استجد الخلاف اليوم بين بري وبعض المجموعات الفلسطينية التي يتحدث عنها بري متهماً بعد إشارته هذه، وحرب المخيمات التي انخرط فيها بري برغبة من النظام السوري بكل وحشيتها ودمويتها قد مضى عليها حوالي 23 عاماً؟ اللهم إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها!
يبدو أن فشل مشروع الفتنة في الشمال يرغب البعض في نقله للجنوب ومدينة صيدا بالتحديد أو مدينة بيروت إذا أمكن، ومن بوابة الملف الفلسطيني.
يبدو أن هؤلاء لا يدركون أن هذا العبث سيكون خطيراً جداً وأن المنطقة قد بدأت تتغير وتتحول وأي قراءة خاطئة وممارسة غير صحيحة ستنعكس سلباً ليس على مدينة أو قرية أو كيان بل على المنطقة برمتها، خاصةً وان كلام بري المتوتر هذا وإن لم يذكر على لسانه مباشرةً، قد ظهر عقب الترحيب من قبل الجميع بمن فيهم بري نفسه بانطلاق الحوار الذي أعلن عن موعده فخامة الرئيس.
فهل سنشهد سيناريو فتنة جديداً من قبل حلفاء نظام سوريا الخائفين على مصيرهم وهم يشاهدون الأسد يتهاوى ويسقط على يد الشعب السوري؟ أم أن ما نسمعه هو مجرد تسريبات إعلامية وبالونات ترهيب للداخل واستجداء للمجتمع الدولي وإسرائيل للإبقاء على نظام الأسد؟ خاصةً وان الحديث أو الطلب من الفلسطينيين الابتعاد عن الملف اللبناني معناه دعوة مفتوحة للتورط والانغماس!
حسان القطب
مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات
0 comments:
إرسال تعليق