الثلاثاء، 12 يونيو 2012
المخيمات الفلسطينيه في لبنان تسحب ورقة التفجير من يد النظام السوري
12:27 م
اضف تعليق
فادي شامية
من المعروف أن المخيمات الفلسطينية هي واحدة من أهم الأوراق التي يمكن استخدامها لتوتير الأوضاع في لبنان. مخيم "نهر البارد" كان نموذجاً صارخاً لهذا التوتير، فكان الفلسطينيون واللبنانيون ضحية على السواء... ولولا حكمة الحكماء وقتها لكانت النتائج كارثية أكثر.
المخيمات والانتباه المطلوب
مع تزايد الاحتقان اللبناني؛ يزداد الانتباه للمخيمات الفلسطينية، ويستشعر الجميع الخطر، ولا سيما القوى المؤثرة في المخيمات نفسها؛ القوى الإسلامية، وقوى التحالف، ومنظمة التحرير، التي اجتمعت، ولا تزال تعقد اجتماعات لـ "تحصين الساحة الفلسطينية في لبنان وتحييدها".
وإذا كانت هذه الاجتماعات والاتصالات -داخل المخيمات وخارجها- تدل على حجم المخاطر العالي، فإنها تدل أيضاً على مستوى الوعي المسؤول، لا سيما في أكبر المخيمات، عين الحلوة (اجتماعا مسجد النور 27 و29/5، على سبيل المثال لا الحصر)، انطلاقاً من أن الوقاية أفضل من العلاج، ما يبشر بأن التلاعب بأمن المخيمات لم يعد أمراً سهلاً.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن الانتباه للمخيمات لم يكن مقتصراً على القوى الفلسطينية المؤثرة، ففي الجانب اللبناني من يهتم أيضاً، لا سيما في عاصمة الجنوب، حيث تكثف النائب بهية الحريري، كما "الجماعة الإسلامية"، وقوى وشخصيات أخرى، من اتصالاتها للتحذير من تحوّل أي مخيم فلسطيني إلى عامل توتير... وفي ذهن هؤلاء أن هذا الأمر يمكن أن يحصل راهناً؛ إما نتيجة تصرفات رعناء ذات صلة بالاحتقان اللبناني أو بالتطورات في سوريا، وإما بقرار مخابراتي تُستخدم من خلاله "ورقة" المخيمات لإرباك الساحة اللبنانية الداخلية، وهذا هو الأخطر، لكن في كلا الحالتين فإن النتائج ستكون كارثية على اللبنانيين والفلسطينيين على السواء.
انطلاقاً من هذا التشخيص؛ أنجزت القوى الفلسطينية حتى الآن جملة خطوات هامة:
أولاً: كثّفت مساعيها لإيجاد مرجعية موحدة للفلسطينيين في لبنان، لمنع اللعب على تناقضات الساحة الفلسطينية من جهة، ولتمثيل الواقع الفلسطيني أمام الجهات الرسمية والقوى السياسية اللبنانية من جهة أخرى. ومن شأن هذا المشروع قيد الإنجاز- أن يحاصر أي عامل تفجير قد ينشأ، فضلاً عن أنه سيريح الجانبين اللبناني والفلسطيني في التعاطي السياسي والأمني، وهو يأتي استكمالاً لدمج الوحدات العسكرية التابعة لحركة "فتح" في "قوات الأمن الوطني"، ويتكامل مع جهود المصالحة الفتحاوية الداخلية بين عضوي القيادة منير المقدح ومحمود عبد الحميد عيسى (تمّ إعلان المصالحة أمس الاثنين).
ثانياً: أعلنَت إجماعاً فلسطينياً على ضرورة تحييد المخيمات الفلسطينية عن الانقسامات اللبنانية الداخلية، ما يعني أن المخيمات لن تكون ساحة لتصفية حساب هذا الفريق مع ذاك، ولا عنصراً مساعداً لفريق على الآخر.
ثالثاً: عزل أي حادثة من شأنها إقحام المخيمات في الصراعات، واعتبارها تصرفاً فردياً لا توجد جهة تتبناها. ينطبق هذا الأمر على بعض الأشخاص الذين قيل إنهم غادروا المخيم باتجاه سوريا، كما ينطبق على حادثة أو أكثر لتهريب السلاح من المخيم باتجاه سوريا، ففي كلا الحالتين اعتُبر العمل فردياً ومعزولاً عن الإجماع الفلسطيني، ومسؤولية التعامل معه بحكمة تقع على الجانب اللبناني كما تقع على الجانب الفلسطيني، وبالمقدار نفسه.
رابعاً: تحذير تجار الأسلحة من مغبة قيامهم بتهريبها إلى خارج المخيم تحت طائلة تسليمهم الى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وضبط العناصر الإسلامية التي يسهل اختراقها والتي يمكن أن تتسبب بمشكلات، ورصد أية عناصر غريبة وصلت إلى المخيمات (قيل إن عناصر من "القاعدة" دخلت مخيم "عين الحلوة") وفي هذا المجال يجري الاعتماد اليوم على "عصبة الأنصار" بشكل كبير، حيث أصبح هذا التنظيم في الأعوام الأخيرة ضمانة لأمن المخيم، وتتعامل معه الأجهزة الرسمية اللبنانية قبل القوى الفلسطينية على هذا الأساس.
"معلومات" مسمومة
بإمكان القوى الفلسطينية أن تتحدث إذاً عن خطوات ملموسة قامت بها لـ "تحصين المخيمات"، على الرغم من وجود عناصر لبنانية وفلسطينية لم تساعد في هذا المجال، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ جولة أحمد جبريل وما قيل عن دخول عناصر تابعة له إلى بعض المخيمات، أو تصريحات بعض السياسيين "المتخوفة من رصد مظاهر مسلحة انطلاقاً من المخيم" (تصريح منسوب الى أسامة سعد 28/5)، أو مهاجمة "مجلس علماء فلسطين" للمملكة العربية السعودية (قريب من "حزب الله").
غير أن القوى نفسها سواء الإسلامية، أو التحالف، أو المنظمة، لا تخفي تخوفها من تواصل ضخ "المعلومات" غير الدقيقة حيناً، والمتناقضة أحياناً، مما له صلة بالمخيمات. ومن ذلك، تأكيد بعض وسائل الإعلام أن فلسطينيين من مخيم صبرا هم الذين حسموا الاشتباك الأخير في الطريق الجديدة في مواجهة مجموعات شاكر البرجاوي، أو أن مجموعات إسلامية بدأت تتمركز في مخيم برج البراجنة لضرب "حزب الله"، أو أن مجموعات أخرى تحضر لضرب الجيش انتقاماً لطريقة تعاطيه مع أهل السنّة... والأخطر ما نشرته وسائل إعلام الفريق الحليف للنظام السوري، عما أسمته خطة اغتيال الرئيس نبيه بري والتعرض لمنشآت معينة، لإحداث فتنة، بالاستناد إلى أجهزة مخابرات لبنانية رصدت نشاطاً لـ "القاعدة" يرتبط بالمخيمات!.
الأمر لم يقتصر على الإعلام، فقد نُقل عن الرئيس بري قوله لمسؤول الملف اللبناني في حركة "فتح" عزام الأحمد: "أنا أعرف من يريد اغتيالي وهذه أسماؤهم"!. ووفق المعلومات فإن رد الأحمد جاء عملياً من خلال التحري عن بعض الأشخاص الموجودين في مخيم "عين الحلوة"، ممن نُسب إليهم التحضير للاغتيال، وكانت النتيجة التي أُبلغت الى الرئيس بري: "إن معلوماتك غير دقيقة"!.
والواقع؛ أن المعلومات التي حصل عليها الرئيس بري، وفق ما نشرته وسائل الإعلام القريبة منه، مجروحة من وجوه عدة ؛ فهي تتحدث تارة عن مصادر خارجية للإيحاء بأنها غربية، في حين تبين من ملابسات توقيف شادي المولوي أن هذا الادعاء لم يكن دقيقاً؛ كما تتحدث تارة أخرى عن "رصد هواتف مشتبه فيهم"، خلافاً لما هو معلوم لجهة حجب "داتا" الاتصالات عن الأجهزة الأمنية منذ شهور (إلا إذا كان هذا الجهاز مستثنى سراً، وهذا ما يجعل الموضوع أكثر شبهة). كما أن المعلومات المنشورة تتضمن أسماءً؛ ذُكر من طرف وسائل الإعلام نفسها، قبل أيام على "سيناريو اغتيال بري"، أنها غادرت مخيم "عين الحلوة" باتجاه سوريا!. الأغرب في الموضوع كله أن تفاصيل بهذه الدقة (أسماء وتحركات واجتماعات وتحضيرات...) تستدعي الاعتقال أو المطالبة بالمشتبه بهم إذا كانوا داخل أحد المخيمات، أكثر مما تستدعي نشرها بوسائل الإعلام!.
وبطبيعة الحال فإن الرئيس بري لا يلام على اهتمامه بمعلومات أمنية وصلته وتستهدف سلامته الشخصية، لكن التدقيق في الموضوع يشي بأن ثمة من يريد التلاعب بأمن المخيمات عن طريق توريد معلومات أمنية معينة، ربما لإلصاق تهمة اغتيال لاحق لا سمح الله- بطرف "جسمه لبيس" (المخيمات ولا سيما الإسلاميون فيها)، أو لتوتير العلاقة بين المخيمات ومحيطها... بالحد الأدنى.
التحليل السياسي يوصل إلى أبعد من ذلك، إذ ثمة ساحتان يريد النظام السوري المحشور الاستفادة منهما؛ الساحة السنيّة ولا سيما في الشمال، والساحة الفلسطينية أي المخيمات. تكرار محاولات التوتير وإحداث فتنة في الشمال، لا سيما بين الأهالي والجيش أو بين جبل محسن وجواره باتت معلومة، أما في ما خص المخيمات؛ فثمة جهود تبذل أيضاً، ولا سيما أن "سيناريو اغتيال بري"، يربط المخيمات بالشمال عبر "القاعدة"، وهي الدعاية الأبرز اليوم في جعبة النظام السوري، الذي يتوسل من خلالها تمديد عمره، باعتباره الضامن من خطر "القاعدة"!.
0 comments:
إرسال تعليق