حاورته:أم عُمَر
السّلام عليكم أبو محمّد، هل من الممكن أن تعرّفنا بنفسك؟
-و عليكم السلام و رحمة الله. أنا أبو محمّد الأحوازي من مواليد 1957 بمدينة المحمّرة الأحوازيّة. شاركت في نشاطات "جبهة تحرير عربستان" في عهد الشاه الإيراني ثمّ كنت من ضمن مؤسسي "التّجمّع القومي الناصري" سنة 1986 و قد حوكمت بسبب ذلك بالإعدام من قبل سلطات الاحتلال الإيرانيّة. حاليا أنا مستقلّ لا أنتمي إلى جهة حزبية أو سياسيّة معيّنة لكنّني مازلت أحمل الأفكار و المبادئ القوميّة النّاصريّة و بطبيعة الحال مازلت أناضل من أجل قضيّتي الأحوازيّة.
حسب معلوماتي، حضرتك شاركت في ثورة الخميني؟
-أوّلا لا يجدر بنا تسميتها بثورة الخميني، لأنّها كانت ثورة الشعوب بلا منازع...شعوب عانت من قمع و تسلّط الشاه الإيراني فانتفضت ضدّه و لقد كان عرب الأحواز من ضمن الشعوب المضطهدة التي انضمّت إلى الثورة منذ لحظاتها الأولى. لكن الخميني، و ما إن نجحت الثورة حتى انقلب على كلّ من عمل على إنجاحها.
يمكن لحضرتك أن تسرد لنا تفاصيل مشاركتكم في هذه الثورة ثمّ كيف تمّ الانقلاب على مطالبكم؟
-كان الخميني تلميذا لمرجعيّتنا الدينيّة آية الله شبير الخاقاني في النّجف العراقي الشريف، وقد ساهم شيخنا بشكل كبير في إسقاط نظام الشّاه. حيث أنّ كان له تأثير قوي في مجتمعنا العربي الأحوازي فدعا إلى إضرابات في المنشآت النفطيّة بمدينة عابدان الأحوازيّة و التي تعتبر أضخم مصفاة للنفط بالشرق الأوسط و بهذا فقد ساهم في ضرب عميق لاقتصاد حكومة الشاه وصل إلى حدّ الشلل التّام.
نجحت الثورة و وصل الخميني للحكم بشعارات إسلاميّة ساهمت في استجلاب مشاعر الشارع.و بعد شهر و نصف من تولي الحكومة الإيرانيّة الجديدة مقاليد السلطة، تشكّل وفد أحوازي يترأسه الشيخ الخاقاني و ذهبوا بواسطة القطار إلى قم لمقابلة الخميني و ذلك أولا، لتهنئته بنجاح الثورة و ثانيا لتذكيره بمطالب الأحوازيين. أقام الوفد الأحوازي في بيت يملكه الشيخ الخاقاني في قم و هناك أتاهم الخميني بنفسه لمقابلتهم.

و هنا دهش الوفد الأحوازي! لقد عُرف الخميني بادعائه العروبة و بإتقانه اللغة العربية (رغم أن الجميع قد اجمع على أصله الهندي السيخي) لكن ما إن بدأ الشيخ الخاقاني بمحادثته حتى انبرى يجيبه بالفارسيّة...و قد كان الخاقاني لا يفهم الفارسيّة فكان هناك مترجم ينقل له للعربيّة كلام الخميني
هل يمكن لحضرتك أن تلخّص لنا أهمّ ما جاء في حوار الشيخ الخاقاني و الخميني؟
قبل اندلاع الثورة كان الخميني قد وعد بعض القادة الأحوازيين و على رأسه الشيخ الخاقاني انه في حال شارك الأحوازيين في هذه الثورة و كتب لها النجاح فإنّه سيحقّق مطالب الشعب العربي الأحوازي و التي كانت كالآتي:
1 ـ الاعتراف بالقومية العربية في إيران على أن يدرج ذلك في الدستور الإيراني الجديد.
2 ـ تشكيل مجلس محلي لخوزستان (عربستان) كأساس للحكم الذاتي في المنطقة ليقوم بتشريع القوانين المحلية اللازمة في المجالات الداخلية.
3 ـ تشكيل محاكم عربية لحل مشاكل المواطنين العرب وفقاً للقوانين في الجمهورية الإسلامية.
4 ـ اعتبار اللغة العربية اللغة الرسمية في منطقة الحكم الذاتي، علماً بأن الفارسية هي اللغة الرسمية في عموم إيران.
5 ـ إلزامية تدريس اللغة العربية في جميع المدارس الابتدائية في منطقة الحكم الذاتي.
6 ـ إقامة جامعة عربية في منطقة الحكم الذاتي تسد حاجات الشعب العربي الإيراني في خوزستان (عربستان).
7 ـ أولوية التوظيف في منطقة الحكم الذاتي لأبنائها العرب ومواليدها وبنفس شروط توظيف الإيرانيين من أبناء القومية الفارسية.
8 ـ ضمان حرية النشر والإعلام والصحف باللغة العربية في خوزستان (عربستان).
9 ـ تخصيص قسم من موارد النفط الذي ينتج أصلاً في خوزستان (عربستان) لإعمار المنطقة.
10 ـ تغيير أسماء المدن والقرى والأحياء الفارسية وإعادة الأسماء التاريخية العربية.
11 ـ إدخال المواطنين العرب الإيرانيين من منطقة الحكم الذاتي وإشراكهم في القوات المسلحة الإيرانية وسلك الشرطة المحلية.
12 ـ إعادة النظر في قوانين توزيع الأراضي على الفلاحين من ضمن القوانين الإسلامية المتعارف عليها.
و بطبيعة الحال تنكّر الخميني لطالب الوفد الأحوازي و قال مخاطبا الشيخ الخاقاني (بالفارسيّة طبعا): "يا شيخ أنا و أنت رجلا دين و لا ينفع أن نتدخّل في أمور السياسة،من الأحسن أن ينقل وفد هذه المطالب للحكومة الجديدة"
و بعد أن ودّع الخميني قال الشيخ الخاقاني جملته الشهيرة:"الخميني خدعني و خدعكم،لقد وعدني بالحكم الذاتي للأحواز ثمّ خلف وعده."
و هل رجعتم بعد هذه المقابلة إلى الأحواز؟
كلاّ، فمباشرة بعد ذلك تكوّن وفد من ثلاثين شخصيّة أحوازيّة حملوا مطالبنا للسلطة المركزيّة في طهران. و كانت السلطة آنذاك برئاسة مهدي بازرقان و مؤلّفة من شخصيات فارسيّة معروفة بتشدّدها العنصري.
و بطبيعة الحال قوبلت مطالبنا بالرّفض المطلق متعلّلين أنّ الدستور لم يكتب بعد و أنّ ركائز الدّولة مازالت في طور التّأسيس.
و قد تلت ذلك مجزرة المحمّرة المعروفة بيوم الأربعاء الأسود؟
نعم لقد انفجر الوضع بارتكاب مجزرة المحمرة، التي أمر بها الخميني ردا على المطالب المشروعة التي تقدم بها الشعب الأحوازي، الذي رأى أن الإسلام الذي نادى به الخميني واتخذه عنوان لجمهوريته العتيدة، هو الحل الذي يضمن حصول العرب على حقوقها بالعدل والمساواة ويضمن التعايش السلمي و المواطنة السليمة بين الفرس و بقية القوميات الغير فارسية. إلا أنّ مجزرة المحمرة أضاعت هذا الحلم و فتحت جرحا عميقا في قلوب الأحوازيين لم تترك السلطات الإيرانية بجرائمها المتتالية أي أمل لاندماله،و بات الأحوازيّون الآن أكثر إصرارا على الانفصال عن إيران و تحقيق استقلال أرضهم بعد أن استحالت الجمهوريّة الإسلاميّة أداة لتكريس العنصريّة الفارسيّة على حساب بقيّة الشعوب و القوميّات الأخرى و أصبح المجلس الأعلى للثورة معقلا للظلم و للتمييز العرقي و الإقصاء القومي و الطائفي.
اندلعت مجزرة المحمّرة تحديدا بتاريخ 31|05|1979 و لم يفرّق العسكريون الفرس بين رجل و امرأة و بين طفل و شيخ.سقط في هذه المجزرة ما لا يقلّ عن خمسمائة شهيد و أذكر جيّدا أن الشهيد جبّار الثامري الذي مات بين ذراعي كما عندي قائمة باسم مائتي شهيد و حتى أنّني مازلت أذكر أساء بعضهم مثل:
عبد الزهراء دريس
عبد الجليل دريس
عزيز المحمّدي
خضير المحمّدي
حامد الشهر
إلى آخره من أسماء الشهداء
هل يمكن أن تقرّب للقارئ الصّورة و تعطيه أكثر تفاصيل عن هذه المجزرة؟
اندلعت المجزرة كما هو متعارف عليه يوم أربعاء أطلق عليه في ما بعد بيوم الأربعاء الأسود،كان يوما داميا حيث دخلت علينا القوات الإيرانيّة من مدينة خروم أباد و داهمت شوارع و أحياء مدينة المحمّرة عاصمة الأحواز و قتّلت النّاس عشوائيّا دون ذكر الأسرى و الجرحى الذين كانوا يعدّون بالآلاف. و للعلم، لم يكن الأطبّاء الفرس يقبلون إسعاف الجرحى و كانوا يرفضون استقبالهم في المستشفيات.
و في اليوم الموالي الموافق ل:1|6|1989 كان يوم حداد و كان أهالي عبادان قد سمعوا بالمجزرة الأليمة التي فتكت بأهاليهم في المحمّرة فخرجوا سيرا على الأقدام حاملين الأعلام السّود مكشّفين على الرّؤوس يلطمون و يندبون و كانت المسافة الفاصلة بين عبادان و المحمّرة تقدّر بعشرة كيلومترات. و في ذات الوقت خرج أهالي المحمّرة في موكب حزن ليستقبلوا موكب أهالي عبادان،والتقى الموكبان في مدينة كوت الشيخ في مسيرة سلميّة ردّت عليها القوّات الإيرانيّة بإطلاق النّار فأوقعت العشرات من القتلى.لكنّ عنجهية و عنف قوات الاحتلال الإيراني لم يثبط عزم الجموع في التقدّم و واصلت المسيرة وصولا إلى بيت الشيخ الخاقاني الذي كان محاصرا من طرف ميليشيات مقنّعة مدجّجة بالسلاح الصهيونيّ الصّنع!
كانت الحشود الأحوازيّة تعدّ بالآلاف و قد تجمهرت حول بيت الشيخ الخاقاني و علا العويل و البكاء و كانت الأرامل و الثكلى تنتفن شعورهنّ في حزن و كمد. ولم تحرم قوّات الاحتلال مشهد الحداد هذا،بل راحت تمطر الجموع بوابل من الذخيرة الحيّة فأردت العشرات منهم بين قتيل و جريح.
احتمت النّاس داخل مسجد الشيخ الخاقاني و اعتصمت هناك سبعة أيام بلياليها إلى أن خرج عليهم الشيخ الخاقاني و طلب منهم فضّ الاعتصام لأنّ الإيرانيين قد أعطوه وعودا بإرسال بعثة تقصّي حقائق لتعويض الجرحى و أهالي الشهداء. و هكذا فضّ الاعتصام رغم أن مسئول تنظيم الاحتجاج و الاعتصام حسن دغلاوي (رجل مدنيّ) قد نبّه المعتصمين إلى أنّ هذه الخطوة هي خدعة و مراوغة من قبل الإيرانيين الذين يحاولون فكّ الاعتصام لأسباب سياسيّة،خاصّة و قد حضر عدّة صحافيين أجانب لنقل الوقائع و من بينهم مراسل إذاعة مونت كارلو.
و مباشرة بعد انتهاء الاعتصام تمّ اعتقال حسين دغلاوي و إيداعه السجن.
صور من مجزرة المحمّرة
شكرا لك سيدي الكريم على هذه المعلومات التي ستزيل حتما الكثير من اللّبس و تعرّي النظام الملالي المخادع. و إن شاء الله في مرّة قادمة لابدّ من أن تسرد لنا تجربتك الشخصيّة في السجون و المعتقلات الإيرانيّة و تنقل لنا فضاعات الإعدامات و التصفيات الجماعيّة
العفو أختي الكريمة...أشكرك و أشكر كلّ عربيّ شريف يساهم في إيصال صوت الحق من أرض الأحواز صور من مجزرة المحمّرة
المنسيّة إلى بقيّة الوطن العربيّ...نحن في حاجة ماسّة لدعم أشقّائنا العرب..هذا حقّنا عليهم في العروبة و الأخوّة و الدّم. و طبعا أنا جاهز في أيّ وقت للإدلاء بشهادتي الشخصيّة و تقديم المعلومات اللاّزمة في سبيل الدفع بالقضيّة إلى الأمام
رأي الكاتبة:
وهكذا،تحت شعار الدفاع عن الثورة وجمهورية " ولاية الفقيه المطلقة " فُتحت النار على كل من رفع صوته مطالبا بحقه الذي كان الخميني قد وعد به . فما من قومية أو شعب أو مرجع ديني أو حزب سياسي عارض التوجه السياسي والسلوك الاستبدادية لنظام ولاية الفقيه، إلا وتعرض لمجزرة أو إعدام أو اعتقال أو حل، وكان قد دشن نظام " الولي الفقيه " عهده الدامي بمجزرة المحمرة "الأربعاء الأسود" لتتوالى بعد ذلك مجازر هذا النظام ضد الشعوب والقوميات في إيران . فمن مجزرة المحمرة الى محرقة النابالم ضد الأكراد في سنندج، الى مذبحة البلوش في زاهدان،ثم مجزرة كنبد كابوس ضد التركمان. و قد استمرت هذه المجازر عبر حمامات الدم و حفلات الإعدامات الجماعية التي نفذ بعضها تحت عنوان ما سمي ب " تبييض السجون " و التي راح ضحيتها خلال شهرين فقط، أكثر من خمسة وثلاثون ألف سجين تم دفنهم في مقابر جماعية كان من أشهرها مقبرة " خاوران " الواقعة في أطراف مدينة طهران والتي ضمت جثامين الآلاف من المعدومين، هذا ناهيك عن المقابر الجماعية في المدن الأخرى(*) .
ان اختيار نظام الملالي مدينة المحمرة، التي كانت مركز الحراك الثقافي و النشاط السياسي ومقر المرجعة الدينية والوطنية لشعب الأحوازي، لتوجيه ضربته لعرب الأحواز، لم تكن مجرد صدفة بل ان تلك المجزرة التي خطط لها عنصريو النظام وأمر بها الخميني ونفذها حاكم الإقليم آنذاك الجزار احمد مدني، كان الغاية منها تحقيق أكثر من هدف وكانت تحمل أكثر من رسالة داخلية وخارجية. لقد كان الهدف الأول من تلك المجزرة هو إرهاب الشعب الأحوازي وإسكاته وثنيه عن المطالبة بحقوقه. أمّا الهدف الثاني فكان إظهار قوة النظام وقدرته على قمع كل من يحاول رفع صوته من أبناء القوميات والشعوب غير الفارسية للمطالبة بحقوقهم المشروعة، أو كل من يحاول الخروج على سلطة " الولي الفقيه "الدكتاتورية.
ربّما تكون مجزرة الحمّرة و ما تلتها من مجازر و جرائم ضدّ الإنسانيّة قاسية جدّا على الشعب العربي الأحوازي الذي يعاني بغض النظر عن القمع من الفقر و الجهل رغم الثراء و الخصوبة التي تزخر بها أرض الأحواز الغنيّة...لكنّ هذه الضربات المتتالية على يد الفتك الإيرانيّة زادت من يقين الأحوازيين بأنّ إيران هي دولة محتلّة و مغتصبة للبلاد و العباد في الأحواز مهما كان نظام حكمها سواء إن كان شاهي أو إسلامي أو علماني و تبلور الوعي بوجوب الاستقلال المطلق عن دولة الاحتلال بعد أن كانت المطالب تنحصر فقط في حكم ذاتي تحت لواء دولة إسلاميّة عادلة. لقد أتّضح أنّ نظام "ولاية الفقيه" لا يختلف جوهريا عن نظام الشّاه الذي ارتكز على العنصريّة العرقيّة و التمييز المطلق لصالح الفرس بل و أنّ نظام الجمهورية الإيرانيّة الحديث قد اتّخذ من الدين ستارا لجرائمه العنصريّة و زاد من وطأتها و أصبح يبرّرها بوازع دينيّ طائفيّ مذهبيّ و الكلّ يعرف أن الدين و لاسيما المذهب الشيعي بريئان من هذا النظام براءة الذئب من دم يوسف، و الدليل أنّ آلة الإجرام و القمع لا تفرّق بين مسلم أو مسيحي أو صابئي و لا بين سنّي أو شيعيّ..لا فرق بين كلّ هؤلاء لأنّ مصيرهم هو الموت أو الاعتقال أو الهجرة من الديار مادام الدماء التي تجري في عروقهم عربيّة...معركتنا مع الدّولة الإيرانيّة ليست معركة طائفية و لا معركة حدود كما يحبّ البعض تصويرها، بل هي معركة وجود للعرق العربيّ على أرض عربيّة سليبة غزاها الاستيطان الفارسيّ و امتصّ ثرواتها وسرق أنهرها و مياهها الجوفيّة و طمس تاريخها العربيّ العريق و شوّه هويّتها. نحمد الله على استماتة الأحوازيين في التمسّك بعروبتهم و عروبة أرضهم و إصرارهم على التكلّم و الكتابة بالعربيّة رغم الحملة الهوجاء ضدّ لغة الضاد القرآنيّة و منعها بكلّ السبل (وصلت لحدّ اعتقال و تعذيب الشعراء الكاتبين بالعربيّة و الفنّانين المصرّين على الغناء بلغتهم الأم!). نحمد الله على دفاع الأحوازيين على هويّتهم و الذي يعتبر شكلا من أشكال المقاومة الفعّالة...لكن إلى متى سيصمدون في ظلّ سكوت و تخاذل إخوتهم العرب الذي و صل إلى حدّ عدم دعوة ممثّل عن الأحواز في مؤتمرهم المسمّى زورا و بهتانا "المؤتمر القومي" و القوميّة بريئة منه تماما كبراءة الإسلام من النظام الإيراني!
خارطة عربيّة لا يُعترف فيها بالأحواز هي خارطة مزوّرة لا صلة لها بالوطن العربيّ
Posted in: أخبار الأحواز المحتلة
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة في Facebook
0 comments:
إرسال تعليق