الثلاثاء، 3 يوليو 2012

قراءات "متناقضة" لظاهرة الشيخ الأسير واعتصامه

رغم الضوضاء السياسية تحت قبة البرلمان، والاصداء غير المريحة لانضمام السعودية الى الكويت وقطر والإمارات والبحرين في الطلب من رعاياهم عدم المجيء الى لبنان، وما أثاره الانتهاك السوري الجديد للحدود الشمالية، فإن اعتصام الشيخ احمد الاسير على الكورنيش الشرقي لمدينة صيدا لم يغادر «الشاشة» واستمر في عين الحدث السياسي مع فشل مساعي إقناع إمام مسجد بلال بن رباح بفك خيمه او نقل مكان اعتصامه، لاشتراطه الحصول على ضمانات «ملموسة» بالشروع في معالجة جدية لمصير سلاح «حزب الله».

ومع مرور اسبوع على اعتصام الشيخ الاسير، الذي ما برح يهدد بتصعيد يتكتم على طبيعته، نجح إمام احد المساجد على تخوم مدينة صيدا (عبرا) في تحويل نفسه حدثاً أربك الجميع، الحكومة وأجهزتها، «حزب الله» وفريقه المتمثل بـ«8 اذار»، و«14 اذار» لا سيما «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. فالأسير الذي كان اطل سابقاً عبر مهرجان «خاطف» في وسط بيروت، تنديداً بالنظام السوري، ها هو الآن «يستوطن» احد مداخل صيدا، عاصمة الجنوب في تحرك يصفه بـ «الانتفاضة السلمية» ضد سلاح «حزب الله». واحتارت الدوائر المراقبة في بيروت في «قراءة» ظاهرة الشيخ الاسير وأبعادها ووظيفتها، وفي تحديد المستفيد منها او الخاسر من جرائها، مع تسليم الجميع بـ«حراجة» موقف الدولة منها، حيث تحاذر أجهزتها في فض الاعتصام بالقوة في الوقت الذي لا يمكنها ادارة الظهر له، وهو ما يفسر حرص وزير الداخلية مروان شربل على تولي «مفاوضة» الاسير شخصياً والعمل على إقناعه بالحاجة الى نقل مكان اعتصامه تفادياً لاستمرار قطع الطريق، خصوصاً ان مطلبه حيال سلاح «حزب الله» يناقش على طاولة الحوار.

وثمة من يقول في بيروت ان الاسير، الاشبه بـ«ظاهرة صوتية» تولى ترويجها اعلام «8 اذار» لتخويف المسيحيين من «الأصولية السنية» ولإظهار عجز الحريري عن الامساك بساحته، قدم عبر فتحه النار وبالمباشر على الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة امل) خدمات «جليلة» له من بينها:

* نقله «الكاميرا» عن حال الازمة المتعاظمة بين هذا الثنائي وقواعده الشعبية وتجلياتها (قطع طرق، اشعال الدواليب، الاعتداء على تلفزيون الجديد) الى مكان آخر.

* تسببه، تارة عبر التلويح بقطع طريق الجنوب وتارة اخرى من خلال اسلوبه النافر في مخاطبة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس حركة «امل» نبيه بري، في إعادة استنهاض عصبية شيعية خلفهما وضعت جانباً حال التململ التي ظهرت اخيراً لاعتبارات حياتية كانقطاع الكهرباء، او سياسية ترتبط بالخيارات الكبرى في ضوء الموقف مما يجري في سورية.

* إظهاره المشكلة وكأنها في «البيت السني» مع مسارعة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى الاعتراض على قطع الطرق كوسيلة للتعبير عن الموقف السياسي، واستنفار قيادات مدينة صيدا التي تداعت لاجتماع تولى عزل الاسير كتحرك ميداني وسياسي، لاعتبارات تبدأ بـ «حرية الانتقال» للمواطنين ولا تنتهي عند رفض كل ما من شأنه اثارة الحساسيات المذهبية.

* محاولة الاعلام القريب من «حزب الله» توظيف «ظاهرة» الاسير والبناء عليها في اطار عملية تعزيز «الاسباب الموجبة» التي دعت نصرالله الى طرح فكرة عقد مؤتمر تأسيسي للبنان طالما ان الجميع غير راضين عن الدولة ويريدون إما اعادة بنائها او العبور اليها او ارساء عقد جديد لقيامها.

غير ان اوساطاً اخرى قرأت في ظاهرة الاسير وجهاً آخر، حين تحدثت عن ارباك «شديد الوطأة» يعيشه «حزب الله» في التعاطي مع واقع جديد لم يكن يتوقعه، ورصدت في هذا الاطار المؤشرات الآتية:

* ان «حزب الله» الذي كان ينأى بسلاحه عن طاولة الحوار وجده فجأة في الشارع عبر مكبرات الصوت وعلى الشاشات (عبر خطاب الاسير) ومن دون القدرة على مواجهة الامر بكلمة واحدة.

* ان الاسير، الذي لا يحظى بأي حيثية جماهيرية، تحول ناطقاً باسم شرائح واسعة يغريها خطابه المباشر و«الفج»، ولم يكن ادل على ذلك من عريضة من اكثر من 450 تاجراً من مدينة صيدا كان تسلمها الشيخ الاسير اول من امس تؤيد اعتصامه وتؤكد عدم التضرر منه واستعداد التجار لتحمل الاعباء البسيطة التي قد تنجم عن هذا التحرك.

* شعور «حزب الله» بأنه غير طليق اليدين في مواجهة هذه الظاهرة، لأن قمعها بالقوة من شأنه احداث مضاعفات ذات طابع مذهبي، ولأن «الأخذ والرد» معها سيشكل اعترافاً بها، وهو الامر الذي لن يفعله الحزب لأكثر من سبب.

واللافت كان ما كشفت عنه صحيفة «النهار» حين اشارت الى ان «حزب الله» وحركة «امل» أبلغتا قيادة الاجهزة الامنية ان حدود الاعتصام الحالية لا تزال مقبولة، لكن قطع الطريق البحرية، الشريان الحيوي للجنوب، سيكون خطاً احمر».

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية