الخميس، 30 أغسطس 2012

تركيا ومشكلة اللاجئين السوريين

عندما ارتضت بعض الدول لنفسها الدخول في لعبة المحاور السياسية الجارية في المنطقة بهدف اسقاط نظام الحكم في سوريا تحقيقا لغايات ستراتيجية بعيدة المدى، فانها لم تأخذ بعين الاعتبار حقيقة النتائج التي ستترتب على هذه الخطوة وكيفية التعاطي معها بالطريقة التي تقلل من اثارها السلبية على تحالفهم وتحد من تداعياتها على تماسكهم الهش. وهو بالتمام ما يحصل اليوم مع تركيا التي وضعت في راس الرمح الذي وجه الى سوريا وتسبب لها بعدم ارتياح كبير، بفعل ما اثاره هذا الموقف من مشكلات ابتدأت بعودة نشاط حزب العمال الكردستاني وتصاعدت عبر ازمة اللجوء السوري الى تركيا. تركيا وبحكم كونها دولة جوار جغرافي لسوريا تتوجس كثيرا من اي نتائج غير مسيطر عليها بالنسبة للازمة السورية، ومن بين هذه النتائج تاتي اليوم ازمة الهجرة الجماعية للعديد من السوريين الذين يعيشون في المدن القريبة من الحدود التركية باتجاه بعض المخيمات التي اعدتها الحكومة التركية لهذا الغرض. علما بان التوزيع الجغرافي لازمة اعداد اللاجئين السوريين التي انشطرت من ازمة اكبر اساسها الصراع الاقليمي في المنطقة ككل، يشير الى ان تركيا تأتي بالدرجة الاولى بين دول الجوار الاخرى في كونها الوجهة التي يفضلها هؤلاء اللاجئين. وقد اكدت الامم المتحدة مؤخرا بان اعداد هؤلاء اللاجئيين قد وصلت الى 214 الف لاجئ، علما بان هذه الاعداد في تزايد غير مسيطر عليه بفعل الصراع الداخلي الذي تشهده سوريا. تتصاعد الهواجس لدى الدول التي تستقبل هؤلاء اللاجئين بشكل كبير، ففي الاردن اشارت التقارير الى اكتشاف مجموعة ادعي انها لازالت على ارتباط بالامن السوري. وفي العراق هنالك تخوف من ان يقود تدفق اللاجئين الى نقل العناصر المتشددة الى المدن العراقية التي استقبلتهم، وهو ما سيساهم في تصعيد حدة العنف الذي يؤرق الحكومة العراقية. اما في لبنان فان الوضع لايختلف كثيرا اذ لازالت الشكوك تطارد اللاجئين هناك. في تركيا بدات اراء النخبة السياسية بالتحول بشكل كبير تجاه ازمة اللجوء هذه. فبعد ان حاولت تركيا ان تصور نفسها بانها الراعي للسوريين في صراعهم مع النظام الحاكم وعملت وفقا لذلك على فتح اراضيها لهم، بدأت اليوم تعاني من مشكلات نقص الامدادات التي يمكن لها ان توفرها لهؤلاء اللاجئين، وهو ما تخشى ان يتحول الى مصدر ضعف يصيب مكانتها المتصاعدة في العالم العربي من جهة، وان يولد مزيدا في الانقسام بين السوريين انفسهم ازاء الدور التركي من جهة اخرى. هنالك لدى الاتراك ايضا خشية من ان تقود ازمة الهجرة تلك الى تعقيد الوضع السياسي في الداخل التركي، على اعتبار ان هنالك امكانية لتغلغل عناصر موالية للحكم السوري بين هؤلاء، او تغلغل عناصر من حزب العمال الكردستاني بينهم. وهو ما يهيئ لهم فيما بعد الامكانية على نشر الفوضى في المناطق التي سيستقرون فيها وبالطريقة التي قد تسبب مزيدا من الاضطراب في تركيا وتؤجج بذلك الراي العام الداخلي ضد الحكومة التركية ومواقفها من الازمة السورية. يضاف الى ذلك حتمية التعقيد الذي تعانيه تركيا في بنيتها السكانية، وهي بذلك شأنها شأن العديد من الدول الشرق اوسطية. فقد عملت وسائل الاعلام لدول المحور التركي – الخليجي على تصوير نظام الحكم في سوريا على انه نظام لحكم الطائفة العلوية، وبالتالي صدرت العديد من التصريحات للمجموعات الاسلامية المتطرفة التي تدير القتال في المدن السورية تدعوا الى القصاص من العلويين. وهو مايجعل تركيا اليوم تتخوف بشدة من ان يقود توسع النطاق الجغرافي لاستقبال المهاجرين السوريين باتجاه المدن التي يسكنها العلويون في تركيا، الى خلق مزيد من الشحن الطائفي، لكن هذه المرة على الارض التركية بدلا من الارض السورية. ومثل هذا الامر هو الذي اوقع الخارجية التركية في نوع من التخبط عندما اعلنت انها لا تنظر بعين التمييز لللاجئين السورين على اساس القومية او الدين، في حين انها تعمل على الارض على محاولة نقل اللاجئين الى بعض المدن التي لا تتخوف من ان تتحول الى مصدر اضطراب مستقبلي. اذ صدر بهذا الخصوص قرار ضمني بالعمل على ابعاد مراكز استقبال اللاجئين السوريين عن المدن التي يقطنها العلويون في تركيا. وقد علق السيد احمد دواد اوغلو على هذا الامر بالقول "من الطبيعي ان تقوم الحكومة التركية بالعمل على اتخاذ بعض التدابير الاحترازية الخاصة باللاجئين السوريين، وذلك بسب زيادة اعدادهم من جهة ولكونهم قد يتحولون الى مصدر للمشكلات الاجتماعية من جهة اخرى". في ظل ارهاصات ازمة اللاجئين السورين هذه، قد تجد تركيا نفسها اليوم اكثر من اي وقت مضى تعيش تداعيات الازمة السورية وتكتوي بنيرانها اكثر من غيرها، وهو ما قد يجبرها على اعادة النظر في سياستها حيال سوريا والتخفيف من سرعة انقيادها وراء الدول الاخرى الحليفة لها في هذا الشأن. كما تجدر الملاحظة الى ان هذه الازمة يمكن ان تتحول الى احد المدخلات الحقيقية لتعاون ما يجمع دول الجوار السوري، من اجل الجلوس الى طاولة المفاوضات بهدف البحث عن حلول منطقية للازمة السورية ومن خلالها لماتفرع عنها من ازمات لاحقة. فهذه الازمة لم تضرب بعد اي من القوى الاخرى التي تقع بعيدا عن الحدود الجغرافية السورية، رغم ان الحقيقة تشير الى انها كانت عاملا محفزا للصراع فيها منذ لحظة اندلاعه حتى الان. لكن ان اختارت تركيا الاستمرار في توجهها الحالي والذي تصاعدت حدته باستثناء العراق من الاجتماع المرتقب للدول المجاورة لسوريا، فان ذلك سيعمل على زيادة تعقيد المشكلة السورية وتداعايتها وبالطريقة التي تتضاعف بها الضريبة الانسانية للصراع الجاري هناك وبالشكل الذي يقود دون وصوله الى النهاية التي تحد من الالام غالبية من الابرياء الذين ينظرون بألم وحسرة الى ما خلفوه وراءهم من بيوت مهدمة ومن مدن تأن تحت وطأة الصراع الذي اذكيت جذوره بفعل الدور الاقليمي، الذي يحاول اليوم التنصل عن مسؤولياته تجاه ما ترشح عن هذه الازمة من نتائج. والدليل على ذلك ان تركيا اعلنت انها لن تستطيع ان تستقبل اكثر من 100 الف لاجيء سوري على اراضيها ناهيك عن تخلي القوى الاخرى عن توفير الدعم المالي للايفاء بالالتزامات الانسانية لهذه الازمة، في مقابل الاستمرار بتوفير كل اشكال الدعم لادامة الصراع في سوريا. د. دياري صالح مجيد كاتب واكاديمي عراقي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية