يريد حلفاء دمشق في لبنان أن يُقنعوا الجميع بأنّ النظام في سوريا باقٍ، وفي لبنان راجع. ويوحي هؤلاء بأنّ ذلك اليوم سيكون شبيهاً بـ"يوم الدينونة"، حيث يكافَأ "ذوو السلوك الحسن"، ويعاقَب "الأشرار" بالنار!
مشكلة النظام التي تتفاقم في لبنان هي أنّ المطيعين له يتقلَّص عددهم إلى حدود تُقارب الانقراض. فهو عندما تخلّص من فريق 14 آذار في السلطة، بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، كان مقتنعاً بأنّه اجتاز نصف الطريق لاستعادة نفوذه في لبنان.
وبالنسبة إليه، الوسطية التي ينادي بها الثلاثي سليمان - ميقاتي - جنبلاط ليست سوى خرافة لا وجود لها على أرض الواقع، وأصحابُها سيجدون أنفسهم تلقائيّاً في الجعبة السورية، لأنّهم لا يملكون شيئاً يسندون ظهورهم إليه.
وهذه المقولة ربّما كانت صحيحة في حينها. لكنّ اندلاع الأزمة في سوريا، وبروز ملامح المعادلات الجديدة للقوى في المنطقة، سمحا للنائب وليد جنبلاط بأن يتجرّأ سوريّاً، واتّسع هامش رئيس الجمهورية، أمّا رئيس الحكومة فقام بخطوات، لكنّه يتحيّن الفرصة الأفضل للتقدّم. فهو ذو طبعٍ أكثر حذراً وتحفُّظاً.
أركان النظام يكتمون غضبهم من باب المكابرة. وهم مصابون بالإحباط لبنانيّاً. وأزمتهم لم تَعُد في المعارك السافرة التي يخوضونها ضدّ 14 آذار، بل في "الوسطيّين" الذين يفقدونهم على التوالي. والأسوأ هو أنّ العديد من المحسوبين حلفاء لدمشق ينأون بأنفسهم عنها في أشكال مختلفة، بالصمت حيناً والمواقف الملتبسة أحياناً.
ولذلك، يزداد التوتّر في دمشق، وتصبح المهمّات الملقاة على الأقلّية الضيقة اللصيقة بالنظام صعبة. والمثال على ذلك أنّ النظام اضطرّ إلى تشغيل سماحة عملانيّاً في الأمن، فيما يُفترَض أن تكون هذه المهمة لـ"الإختصاصيّين".
والمعلومات التي وردت عن عتبٍ سوريّ على العماد ميشال عون، وعن محاذرة "حزب الله" عدم الاحتراق بملفّ سماحة، تلتقي مع تلك الواردة من دمشق، والتي تتحدّث عن خيبة النظام من الذين كان يَفترِض أنّه سيعتمد عليهم في لبنان.
يغسلون أيديهم!
تنتظر دمشق، المحشورة جدّاً بملف سماحة، أن يقف معها الطاقم الذي جاءت به إلى السلطة بالانقلاب. لكنّها لا تجد إلّا القلائل. ولذلك، في رأي البعض، هي تضطرّ إلى اللعب بنار الأمن المتنقّلة من منطقة إلى أخرى، واستخدام ما أمكن من ضغوط يمارسها المحسوبون عليها داخل القضاء والأمن ووزارة العدل، لعلّها تخرج سالمة من هذا الملف الموثّق بالصوت والصورة.
وفي مجالسهم، يقول المحسوبون مباشرة على النظام السوري كلاماً كبيراً، خصوصاً بعد انكشافه في قضيّة سماحة. وممّا يقوله هؤلاء: الجميع يغسلون أيديهم اليوم. أمس كان رئيس الجمهورية يُدوّر الزوايا واليوم أصبح لا يساير.
أمّا جنبلاط فيركب القطار نحو السعودية لأنّه موعود. ويبقى ميقاتي متأرجحاً. أمّا الحلفاء الذين عليهم الاعتماد، فنحن نقدّر ظروفهم وخوفهم من الاحتراق، ولكن من مصلحتنا جميعاً أن نتضامن للخروج من المأزق. فكلّنا في مركب واحد، إمّا أن نَغرق فيه وإمّا أن نَعوم...
في أيّ حال، يضيف هؤلاء، إنّ المراهنين على سقوط النظام سيصابون بالخيبة. والمسألة قد تستغرق بعض الوقت والجهد، لكنّ النظام سيحسم الوضع في سوريا ويستعيد دوره حتى في لبنان.
وينقل هؤلاء الحلفاء كلاماً قيل لهم في دمشق: إنتظِروا... فنحن سننتقم من جميع الذين يخذلوننا أو الذين يطعنوننا في الظهر. والوقت ليس مناسباً اليوم لعمل كهذا، فنحن منشغلون بأمور كثيرة، لكنّنا سنرتاح ونعود للتفرّغ للملف اللبناني!
وفي تقدير أوساط سياسية أنّ بعض حلفاء دمشق الخُلَّص يقول هذا الكلام اقتناعاً منه بأنّ النظام سينجو فعلاً وسيستعيد أوراقه كلّها.
إلّا أنّ البعض الآخر لا يقوله اقتناعاً، بل لأنّه عاجز عن القيام بأيّ شيء آخر، فلا سبيل آخر له ولا موقع، ولذلك هو يلعب "صولد" على حصان النظام السوري، مع ما في ذلك من معاناة. والتجربة التي يمرّ بها سماحة تثير الكوابيس لدى العديد من نماذج الفريق اللبناني العامل لمصلحة النظام السوري، سواء سياسيّاً أم أمنيّاً.
ولا يبقى أمام هؤلاء إلّا أن يقتنعوا بتسويق النظرية التي يسوِّقها النظام، والتي تؤكّد أنّه قويّ وباقٍ، وأنّ هناك تسوية ستنتهي بها الأزمة في سوريا، يرضخ الغربيّون بنتيجتها للواقع، ويعترفون بأنّ الحاجة إلى النظام كعامل استقرار إقليمي ما زالت حيويّة. ويراهن هؤلاء على أنّ لا جديد متوقّع في الأزمة السورية، على الأقلّ إلى ما بعد الانتخابات الأميركية وتسلّم الرئيس المقبل زمام الحكم.
وبالنسبة إلى النظام، لن تتخلّى موسكو وبكين عن الأسد، وطهران لن تتركه. وأمّا المعارضة السورية فهي عاجزة عن تأمين التوازن الذي يتيح لها إسقاط النظام.
وفي الانتظار، تبدو مهمّة حلفاء دمشق إيصال ما يكفي من الترهيب إلى الساحة اللبنانية، بعدما فقدوا القدرة على الترغيب. الترهيب المعنوي، ولكن أيضاً الترهيب المادي الذي يترجمه ملفّ سماحة... وملفّات أخرى قد تكون قيد الولادة من خاصرته، وربّما تكون أكثر شناعة منه!
''طوني عيسى''
0 comments:
إرسال تعليق