الاثنين، 6 أغسطس 2012

اتفاق المبادئ .. سقوط للمالكي ، ام سقوط للاسلام السياسي


اتفاق المبادئ بين بوش والمالكي حول التعاون العراقي الامريكي المظلومية لعبة شاهنشاهيه ترتدي لباس الإسلام السياسي

 د .موسي الحسيني
 لا شك ان الحديث عن ما سمي بـ "إعلان المبادئ "لا يمكن ان يكتمل دون الحديث عن المالكي، نفسه. والمالكي كدور لم يصل الي منصبه الذي هو فيه، بقدرات مميزة او خاصة اهلته لمثل هذا المنصب. هو يختلف كليا عن بقية رؤساء الوزراء الشيعة الذين وصلوا لهذا المنصب في ظل الاحتلال البريطاني بقدراتهم الخاصة، كصالح جبر، فاضل الجمالي، محمد الصدر، او عبد الوهاب مرجان. فكل من هؤلاء ادرك اصول اللعبة واتقن قواعدها، فأجاد اللعبة. ولم يصل اي منهم لانه شيعي، بل كلاعب بخصائص معينة. حتي السيد محمد الصدر، رغم ان رجل العراق القوي ــ نوري السعيد ــ والسفارة البريطانية حاولا الاستفادة من عمته للقضاء علي التيار القومي العربي في العراق بعد ما عرف بثورة رشيد عالي الكيلاني، الا ان تشيعه لم يكن الاعامل مساعد، وليس هو الاصل في اختياره. يختلف المالكي عنهم جميعا، في ان وصوله لمركزه تم علي اساس انه ممثل للشيعة والتشيع. والسؤال الذي يطرح نفسه الي اي مدى كان المالكي مخلصا للتشيع، وفيا في التزاماته للشيعة، وحرصه علي مصالحهم؟ اذا سلمنا فرضا، ان للشيعة مصالح متباينة عن مصالح بقية ابناء بلدهم من العراقيين من طوائف اسلامية اخرى، او من اديان اخرى. نفس الامر يمكن ان يقال عن حزب الدعوة، وهو حزب طائفي. لم يطرح نفسه ــ علي الاقل في مرحلة ما بعد الاحتلال ــ كحزب وطني لكل العراقيين، بل كممثل لشيعة العراق او بعض من الشيعة، رغم ان غالبية رجال الدين الشيعة يرددون ان التشيع هو جوهر الاسلام والامتداد السليم له باعتبار انه يعتمد في اساسياته الفقهية علي تفسيرات الائمة من آل البيت للدين. يعني انك ستكون بالضرورة مسلما اذا كنت شيعيا حقيقيا. فالهروب للطائفية لايجرد الشيعي من اسلامه، بل يضعه في موقف المتصلب في الدين كما تناقل تعاليمه الائمة عن جدهم رسول الله. ما الذي بقي من اسلام حزب الدعوة ونوري المالكي بعد تحولهم لغطاء محلي او اداة بيد المحتل المندفع لتحقيق اهداف اليمين المسيحي المتصهين. دور الخادم (او الناطور بمصطلحات ادبيات حزب الدعوة نفسه) لمصالح الامبريالية العالمية علي حساب الاسلام والمسلمين، هذا الدور الذي تكلل بما يسمي بمعاهدة المبادئ، اية مبادئ. وقد سمعت ان هناك من يعتبرها نصرا او انتصارا للتشيع او الشيعة. اي تشيع واي شيعة يقصدون..!؟ علم ذلك عند الله. لنبدأ بحزب الدعوة ، وكان قد طرح مؤسسوه عام 1961 ــ 1962، فكرته او بذوره الاولي كحزب اسلامي، يهدف للوصول للسلطة او التاثير بالقرار السياسي لمواجهة المد الشيوعي الالحادي الذي هدد الدين ورجال الدين فتنادوا لانقاذ الموقف من خلال المساهمة او الاشتراك في اللعبة السياسية، وظل الحزب حتي اواسط التسعينات يروج لفكرة انه حزب اسلامي غير طائفي، وهناك اثنين من اعضاء قيادته السرية هم من ابناء الطائفة السنية يتحرج الحزب في الاعلان عنهم، خوفا عليهم، لوجودهم في الداخل. حزب الدعوة والموقف من المصالح الغربي : ومن يقرأ ادبيات الحزب ما قبل الاحتلال سيكتشف ان للحزب موقفا متطرفا ضد التدخلات والنفوذ الاجنبي في العراق خاصة، والمنطقة العربية عامة. وهو موقف منسجم كليا مع اساسيات التشيع. وصل هذا الموقف الي حد اللاعقلانية او التعصب الاعمي في اتهام جميع الاحزاب والقوي السياسية في العراق علي انها كانت مجرد مجموعات من النواطير للمصالح الغربية في العراق، خاصة القوى القومية وجميع الانظمة التي تتالت علي حكم العراق بعد 14 تموز 1958. ادرك الغرب الاستعماري او لاحظ نمو الحركة الاسلامية في العراق فراح يتامر عليها بايصال مجموعات عميلة للحكم لاحباط نمو هذه الحركة، كما يتحدث كتاب "نواطير الغرب"، وكتاب "سنوات الجمر". واذا اعتبرنا ان هذين الكتابين غير ملزمين للحزب، خاصة وانهما كتبا بأسماء وهمية.نذكر هنا بعض النصوص من كراس "بيان التفاهم"، الذي نشره الحزب بحدود عام 1982. "ويلعب ساسة الدول الكبري ببلادنا ويقسمونها، ويستولون علي خيراتنا، ويسلطون علينا من لا يرحمنا من اليهود والعملاء، وان عذاب الانسان في فلسطين والساواك ومخابرات الحكام في البلاد العربية اوضح شاهد علي ما يقوم به المستعمرون في بلادنا علي ايدي حلفائهم اليهود واتباعهم الحكام. واصبح الكثير من ابناء امتنا ينساق وراء العملاء الفكريين والسياسيين ويقلد حياة المستعمرين تقليد القردة دون تفكير". ص: 3 "ان الصراع السياسي والفكري مع عملاء الاستعمار احد مهمات العاملين في سبيل الله بل هو من افضل العبادات: (ومن احسن قولاً ممن دعا الي الله وعمل صالحاً وقال انني من المسلمين)" ص: 11 "ان تفريق المسلمين وضرب الحركة الاسلامية ببعض علماء الدين باستعمال سلاح التفرقة المذهبية انما هو ضلال مبين، ولا يقوم بذلك الا عميل نذل". ص: 27 نكتفي بهذه النصوص الثلاث من كراس امتلأت صفحاته الـ 58 بنصوص مشابهة، ونوجه انتباه القارئ لبعض الكلمات القاسية التي وردت في هذه النصوص مثل "القردة"، و"عميل نذل". ما الذي تغير الان. هل تغيرت طبيعة سياسة الدول الكبري، او طبيعة الصراع مع عملاء الاستعمار..!؟ بالعكس لقد كشفت هذه الطبيعة عن وجهها الاشرس والاعنف منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، وبروز امريكا كقوة عظمي منفردة، تتلاعب بمصير العالم، ثم وصول جماعات اليمين المسيحي المتطرف للبيت الابيض. ولم يكن حجم وطبيعة الحرب التدميرية علي العراق الا نموذج لهذا العنف والشراسة. لم يخفي الرئيس بوش اسباب استهداف العالم العربي والاسلامي بهذا العنف، عندما اعلن بعد احداث ايلول في انها حرب صليبية جديدة. متي كان المالكي مسلما فعليا من شيعة ال البيت ومتي كان قردا (حسب مصطلحات البيان)، يوم كتابة البيان، ام الآن. أو يجوز ان يستخدم الحزب مفردات مثل القرد، والنذل علي غير اعضائه، ويسكت عنهم وهم يمارسون أخس انواع جريمة الخيانة. ان هذا الموقف لا يمكن ان يوصف الا بالنفاق. والله تعالي عرف المنافقين بانهم اخوة الشياطين. واخو الشيطان هل يمكن ان يكون الا شيطان. لنترك الحكم لاعضاء الحزب، ولجماهير شعبنا من شيعة ال البيت. يروج البعض الي ان اعلان اللامبادئ جاء انتصار للشيعة او التشيع. ويحتار الانسان بمضامين هذا الانتصار، وعلى من انتصروا..!؟ يفهم الانتصار او يربط بمقولة "مظلومية الشيعة" وهو المفهوم او الشعار الجديد الذي طرحه المجلس الاعلي بعد تخليه عن شعار تطبيق الشريعة الاسلامية واقامة الحكم الاسلامي علي شاكلة ايران، في اواسط التسعينات من القرن المنصرم: ان هذا التوجه الجديد يلغي المبررات التي تاسس عليها المجلس، ويحوله الي مجرد تكتل يشبه العصابة التي تهدف لكسب المنافع لرئيسها واعضائها، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فكانت بدعة مظلومية الشيعة. ومن يدقق في مسار وتوجهات الحكم في العراق، يكتشف ان هذه المظلومية التي تتمحور في جوهرها حول مقولة حرمان الشيعة في عملية توزيع الوظائف، والمراكز الحكومية الحساسة في الدولة العراقية. ولو اخذنا فرضا بصحة هذه المقولة ودققنا بها، سيكتشف الانسان ان مجتهدي الشيعة الذين كانوا في الغالب من غير العراقيين، هم من اراد عزل الشيعة العرب عن دولتهم، خوفا من ان يعزلوا هم ويفقدوا امتيازاتهم، حرموا الدخول في مدارس الدولة، والعمل في مؤسساتها، وعندما بدء الوعي يدب بين شباب الشيعة، ويتمردوا على هذا التحريم غير المنطقي، تمكن من ادرك منهم ادوات اللعبة السائدة، في العهود المختلفة من ان يصل الي أعلى المراكز الحكومية، كصالح جبر، فاضل الجمالي، محمد الصدر، عبد الوهاب مرجان، وناجي طالب وغيرهم. وتكشف الوثائق البريطانية التي نشرها واحد من رموز المجلس الاعلي نفسه، تحت عنوان "شيعة العراق بين الطائفية والشبهات" الي ان الحديث عن هذه المظلومية تصاعد في زمن الاخوين عارف، بتنسيق بين شاه ايران، كلب الحراسة للمصالح الغربية في المنطقة، ومرجعية محسن الحكيم لمواجهة المد القومي العربي، ولاحباط مشروع الوحدة العراقية المصرية التي كانت تخيف الشاه، واسرائيل. مع ان زمن الاخوين عارف كان رئيس مجلس الخدمة المؤسسة المسؤولة عن التوظيف في بقية مؤسسات الدولة، شيعيا، كما تم في عهد الاخوين عارف، ولاول مرة تجاوز قاعدة وزيرين شيعين في كل وزارة، ليصل عدد الوزاراء الشيعة في عهد طاهر يحيي الي تسعة وزراء، وبنسبة تتجاوز 47% من مجموع الوزارة. ورغم دعوة السيد محمد الصدر ابان توليه رئاسة الوزارة شيوخ العشائر الشيعية لارسال ابنائهم للكلية العسكرية، لم يستجب له الا اربعة من الشيوخ، ولم يستمر بالخدمة الا اثنين من المتطوعين وصلا لأعلى الرتب التي يسمح بها الجيش في حينها ــ السيد حميد الحصونة ومحمد حسين الحبيب ــ وهرب الاخران بحجة انهم ابناء مشايخ يستنكفوا ان ياخذوا التحية ويقولوا سيدي لمن هوأعلى رتبة منهم، من ابناء العامة. وفي الفترة من 1966 ــ 1968، التي روج اتباع شاه ايران بانها تمثل قمة المظلومية، دخل خريجي ثانوية الناصرية الراغبين في الكلية العسكرية دون ان يكون هناك مانع من اسمائهم او هويتهم المذهبية، منهم علي ما اتذكر علي عبد الحسين، وعبد الحسن شكاحي، ورياض حميد محيدي، وموسي عبد الزهرة الحسيني، وعناد جهاد، وفوزي علوان مشعل، ورياض علي زمام. ووزعوا على الصنوف والوحدات بالتساوي مع اخوانهم من ابناء الرمادي او الموصل وغيرها من المدن. وعندما سالت الملازم (اللواء فيما بعد) رياض حميد حميدي لماذا اختار صنف النقل، قال: عيني موسي بعدنا شباب زغار بعد وقت للموت، انا موظف مدني بامتيازات ضابط، عندي 30 سيارة و30 سائق ومتونس"، واختار عبد الحسن شكاحي الصنف الاداري دون ان يجبره احدا علي ذلك. فالمظلومية كانت لعبة شاهنشاهية، تبناها المرجع محسن الحكيم ارضاء للشاه. ظهرت ثانية بقوة بعد اعلان مشروع شارون ــ ايتان عام 1982 الداعي لتقسيم العراق الي ثلاث دول علي اساس طائفي وعرقي لضمان امن اسرائيل. وجندت الموساد مجموعة من الكتاب العراقيين، غالبيتهم من يهود العراق، للترويج للفكرة.وعلى خطى ابيه تبناها باقر الحكيم، فيما بعد. عاش شيعة العراق متاخين مع اخوانهم من السنة وابناء الاديان الاخري من مسيحيين وصابئة. وفي الناصرية كان الصابئة يدعمون المواكب الحسينية، ويبعثون الخرفان واكياس الرز دون ان يجبرهم احدا علي ذلك. ولم يحصل بتاريخ العراق ان قتل شيعيا او سنيا او يهوديا بسبب مذهبه او دينه. وحتي في زمن صدام عاش الشيعي حياة طبيعية كغيره، شرط ان لا يتدخل بالسياسة. واول رجل دين ممن تعرضوا للقتل في زمن النظام السابق، كان سنيا وليس شيعيا هو الشيخ عبد العزيز البدري. واول مرة تمنع فيها شعائر العزاء الحسيني، كانت في زمن عبد الكريم قاسم وليس في زمن صدام حسين. شكلت بغداد خاصة بوتقة للتعايش والتفاعل بين ابناء المذاهب المختلفة من خلال التزاوج والاشتراك بالعمل. دعاة المظلومية : اين هو الانتصار، ومن هو المنتصر، ودبابات الاحتلال الامريكي هشمت حتي عظام امواتنا في مقبرة السلام بالنجف، وهدمت السياج الخارجي لحضرة الامام علي، وتعرضت القبة والمنائر لصليات الرصاص، وتناثرت جثث الشيعة من ابناء النجف في الشوارع. ثم كشف لنا بريمر بانه كان يخضع للتحريض من دعاة المظلومية بضرورة الاستمرار بهذا القتل والتخلص من السيد مقتدي الصدر. ثم من يتعرض الان للقتل في الديوانية والسماوة على ايدي مرتزقة ما يعرف بقوات بدر، اليس هم ابناء الطائفة الشيعة. يعرف المالكي كما يعرف جميع قيادات الشيعة، لو كتب غدا لعزيز الحكيم ان ينفرد بحرية اتخاذ القرار، فان المالكي نفسه وجميع اعضاء حزب الدعوة، وجميع مناصري التيار الصدري سيكونوا اول ضحاياه، وسيبدو الحجاج رحيما بالشيعة، مقارنة بعزيز الحكيم. تقول اخر احصائية عن عدد الضحايا في العراق، انه بلغ مليون قتيل، مليونا معوق، واربعة ملايين مشرد. واذا سلمنا بالاحصائيات التقريبية التي تقول ان الشيعة يشكلون الاغلبية في العراق. الا يعني هذا ان اغلبية هؤلاء الضحايا، هم من الشيعة. سيقول القائل ان المتسبب بهذا هو تنظيم القاعدة. ولا نريد ان نطيل علي القارئ ونكرر ما قلناه سابقا في كتاب "المقاومة العراقية والارهاب الامريكي المضاد" ومقالات اخري منشورة. من ان القاعدة ليست الا لعبة امريكية استخدمها الاحتلال لاحباط ومحاصرة المقاومة العراقية. والا اين كانت القاعدة في زمن النظام السابق ومن ادخل ادواتها الي العراق، وقد انهكت السي. اي. ايه نفسها بحثا عن خيط ولو رفيع جدا عن علاقة النظام مع القاعدة، فلم تجد. يفهم من المظلومية، وكأنها فقط مظلومية آل الحكيم، الذين ابتدعوا بدعة جديدة في تراث المرجعية والتشيع، بتوارث امتيازات المرجعية، اما الشيعة ليسوا الا خرافا عليهم ان يستعدوا للذبح، قرباناَ، من اجل تحقيق هذه الامتيازات، وارضاء للتوجهات المرضية لابناء الله من آل الحكيم، والا فهم متهمون بالردة، والتخلي عن حب الامام الحسين وآل البيت. يتميز الشيعة عن غيرهم من المسلمين في انهم لايأخذون بالنص الماخوذ عن النبي (ص)، الا الوارد من خلال الائمة الاطهار من ال البيت، باعتبار ان الاخرين بشر غير معصومين من الزلل والخطأ، في حين عصم الله الائمة من الخطأ.فالامامة هي المبدأ الاساس الذي يميزهم عن بقية المسلمين. فتأتي احاديث الائمة وسيرتهم كجزء متمم او مكمل، او تفسيرا للسنة النبوية. فهل في تحالف القوي المتأسلمة الشيعية مع الاحتلال ينسجم ويتساوق مع سيرة واحاديث ائمة ال البيت الاطهار. ذلك ما سنناقشه في الجزء التالي من هذه المقالة. ان مراجعة سيرة ال البيت، وخطبهم وادعيتهم تؤشر الي ردة ال الحكيم وحزب الدعوة عن التشيع، والاسلام، ماداموا يقولون ان التشيع هو روح الاسلام. يفترض ان سيرة الائمة الاطهار وخطبهم وادعيتهم تكمل بعضها بعضاً لتشكل الاطار الفقهي العام للمذهب الجعفري او التشيع، او الفهم الشيعي للاسلام.وتجاوز هذه السيرة يمثل من وجهة النظر الشيعية خللا في فهم الاسلام. ان موقف الائمة التسعة الذين تتالوا على موقع الامامة بعد ثورة الحسين، تتميز بالرفض او المعارضة السلمية للحكم في العهدين الاموي والعباسي. والمعارضة السلمية لاتعكس موقف خوف او تخاذل من الائمة الاطهار، بل هو نهج الغاية منه الحفاظ على وحدة المسلمين، والا فان الشجاعة تمثل شرطاً اساسياً من شروط الامامة، والمرجعية ايضاًَ، ولا ينقص الائمة القدرة على التأمر مع دول الاعداء في الخارج وهي تحيط بالدولتين علي امتداد تاريخهما. وبقدر ما نجد من احاديثهم ما ينهي عن التعامل او العمل في نظام حكم ظالم او لا يلتزم باساسيات الدين، نجد انهم يمثلون بمواقفهم حالة من الحرص الشديد علي دولة الاسلام، أي انهم كانوا يفرزون بين مفهوم الدولة ونظام الحكم، ويدعون للدفاع عن الدولة باعتبارها ملكا لجميع المسلمين، حتي وان كانت محكومة بنظام جائر او من قبل حاكم جائر. تتجسد هذه المفاهيم واضحة من خلال نصين. الاول: وهو للامام علي زين العابدين، يستنكر فيه العمل او التوظف في خدمة نظام حكم جائر، بعد ان عمل احد اتباعه في خدمة الدولة الاموية، يقول النص: "أوليس بدعائهم اياك حين دعوك جعلوك قطبا اداروا بك رحي مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك الي بلاياهم، وسلما الي ظلالتهم، داعيا الي غيهم، سالكا سبيلهم. يدخلون بك الشك علي العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال اليهم. فلم يبلغ اخص وزرائهم ولا اقوي اعوانهم الا دون ما بلغت من اصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة اليهم، فما اقل ما اعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما ايسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك. فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول..." (عقائد الامامية للشيخ محمد رضا المظفر، ص: 112 ــ 113). ولا اعتقد ان المالكي يستطيع ان يقول بعدل وشرعية حكومة الاحتلال التي تستخدمه كواجهة لتحقيق الاهداف التي جاءت من اجلها، وجيشت الجيوش عبر الاف الكليو مترات لتأتي لاحتلال العراق، وتدمير كل بناه التحتيه وقتل اهله بالملايين. ونعتقد ان المالكي او غيره ممن يحملون ألقاباً رنانة لا يستطيع القول انه حاكم حقيقي مستقل، وانه ليس الا موظفا يعمل تحت امرة السفير الامريكي وبتوجيه منه، محكوم بالعمل وفقا للمنهج الذي تحدده له السفارة. وتصريح المالكي حول هذا الدور وبانه لايمتلك السلطة لتحريك جندي واحد، معروف، وتناقلته وكالات الانباء، وسمعه الملايين.. فهو موظف واجهة بلا صلاحيات الا في القضايا البسيط والجزئية التي لا تؤثر علي سياسة الدول المحتلة وتوجهاتها. هل يمتلك المالكي او عبدالعزيز الحكيم أي مبرر شرعي او فقهي حتي يخرجا علي مفهوم الامام زين العابدين عن العمل في خدمة الاحتلال. ولا نعتقد ان احدا يستطيع القول ان هناك ظلما ما وقع علي الشعب العراقي اكثر مما يقع الان في ظل الاحتلال، ولم يميز هذا الظلم بين شيعي او سني، فرصاص المحتل لم يكن طائفيا. بالعكس نجد ان المالكي وامثاله يدركون المعاني والمفاهيم الاساسية في مقولة الامام علي زين العابدين. ففي مقدمة البرنامج الذي طرحه المجلس الاعلي للثورة الاسلامية في العراق في بداية تأسيسه، والذي شارك فيه حزب الدعوة قبل ان يتحول الي حزب خاص بال الحكيم، يحذر البيان من التعاون مع الاستكبار العالمي لانه سيستخدم من يتعاون معه من المسلمين كمخلب قط ضد اهله وشعبه. النص الثاني: دعاء الثغور للامام زين العابدين ايضا، وهو دعاء طويل يدعو فيه الامام للدفاع عن اراضي الدولة الاسلامية، نشرة في فترة حكم عبد الملك بن مروان، فهو دعوة لمناصرة الجيش الاموي، نفس الجيش، الذي قتل اباه واعمامه واخوته، واسره وبقية عياله. فهل اراد الامام ان يجامل بني امية، او هل طرح دعائه جاء بضغط او اكراه سلط عليه. الكل يعرف انها مبادرة شخصية من الامام، ولغة الدعاء لاتخلوا من التطرف والغلو في اظهار الحقد والكره لجيوش الاعداء، والحب المطلق لجنود الدولة الاسلامية. والدولة الاسلامية عند الامام، تستمد هويتها من سكانها، واكثريتهم في الغالب مسلمون من غير الشيعة، بغض النظر عن طبيعة الحكم، والحاكم. يرفض الامام رفضا قاطعا السماح لقوات اجنبية ان تنتهك اراضي المسلمين، او تقوض دولتهم، رغم انها محكومة بنظام جائر، قتل اباه واهله. وعندما يطرح الشيعي الامام زين العابدين، جانباَ من سلسلة الائمة، هل يستقيم المذهب الجعفري الاثني عشري، ام يصبح شيئاً اخر لا اثر للتشيع فيه. التقدير هنا متروك لاعضاء حزب الدعوة، والشيعة عموما. دعم مجتهدو الشيعة علي اختلاف توجهاتهم وجنسياتهم هذه المبادئ التي وردت في دعاء الثغور، وجسدوها كقواعد فقهية عند الحديث عن الجهاد. فقسموا الجهاد الي قسمين، جهاد بدائي: ويعني قيام المسلمين بغزو ارض غير اسلامية بهدف نشر الاسلام، واشتروطوا لتحقيق ذلك ان يتم تحت قيادة امام معصوم فقط. وجهاد دفاعي، للدفاع عن بلاد المسلمين ضد غزو اجنبي من قبل قوات غير مسلمة، واعتبروه واجباً علي كل مسلم. لذلك افتي مجتهدو الشيعة للجهاد ضد الغزو الايطالي لليبيا عام 1911، ولمقاومة الغزو البريطاني للعراق عام 1914. هل يحق للمالكي ان يدعي انه شيعي او ما يزال فعلا ملتزما بخط ال البيت، وهو لم يكتف ان يكون جسرا يعبر عليه الاحتلال لترسيخ وجوده في العراق، وسلما لارتقاء الاحتلال الي حد تحقيق اهداف الصهيونية العالمية الرامية لاخراج العراق من دائرة الصراع العربي ــ الصهيوني. يؤكد احد نصوص بيان التفاهم علي ان: "وسيلجأ الاستعماريون واذنابهم الي لباس الاسلام ليمتص النقمة الشعبية الاسلامية، ويبعد بعضنا عن بعض.فلا ينخدع أحد بألاعيب الاستعمار الكافر" ص: 12. ما هو موقع المالكي الان، وفقا لهذا النص. اليس هو موقع الذنب..؟ كيف يرتضي لنفسه ان ينخدع بألاعيب الاستعمار، وبمحض ارادته. انها لمفارقة غريبة، تلك التي تجري في العراق. عمائم ومسابح ولحي تتكلم بأسم الاسلام، وتستظل بظل دستور كتبه الصهيوني نوح فالدمان. وتركض وراء عدو يقوده اليمين المسيحي المتصهين، لتتفق معه علي ضرورة ان يبقي قواته في العراق لحماية هذا الدستور، وتدعي ان كل ذلك انتصار للاسلام، بأعتبار ان التشيع يمثل جوهر الاسلام..!؟ ماذا بقي، او ماذا ابقت عمائمهم من الاسلام والتشيع. اليست هذه هي المظلومية بعينها للتشيع والشيعة عندما يريدون ان يحولوا التشيع الي مرتكز وقاعدة يبني عليها اليمين المسيحي المتصهين قواعده، لينطلق لتحقيق اهدافه. لاول مرة ارى ان الحسين مات مظلوما، وانا ارى ان دماءه تستثمر للترويج لاعداء الاسلام، وتغيب تلك المعاني السامية بثورته. موقف المرجعية : لا يستطيع الانسان وهو يناقش ردة حزب الدعوة وانقلابه على التشيع والاسلام، ان يتجاوز دور المرجعية. وقد ذكرنا في مقالة سابقة، كيف ان المرجعية ومبدأ الاجتهاد ما هو الا صناعة بشرية تبناها علماء الشيعة في وقت متاخر بأكثر من 500 سنة علي غيبة الامام المهدي. وان القدسية التي اراد اعوان الاحتلال من المتشيعين اضفائها على المرجع ــ السيستاني ــ كانت تهدف لتضليل جماهير الشيعة والسيطرة عليهم من خلال اضفاء قدسية وهمية لا سند شرعي يدعمها على المرجع الذي قالوا انه حرم علي الانسان زوجته ان لم ينتخب قائمة الائتلاف. مع ان الحقيقة ان لا المجلس الاعلي الاسلامي، ولا حزب الدعوة يؤمنون بمرجعية السيستاني. أي يعتبرونها مرجعية ناقصة او لا تمتلك مؤهلات الاعلمية. المجلس كان يقلد الخميني ومن بعده خامئني. وعليه اعتمد باقر الحكيم عندما اراد تبرير تعاونه مع الاحتلال. فاعلن في اواخر عام 2002، انه اخذ الاجازة من ولي امر المسلمين بالتعامل مع الوضع الدولي الجديد وطبيعة التغيرات الجارية في العراق. ولا يؤمن حزب الدعوة بدور المرجعية في تقرير سياساته، ويضع المرجع بموضع المستشار، للعودة له عند الضرورة للتعرف علي الحكم الشرعي في القضايا الغامضة. وحتي الساعات الاولى من احتلال بغداد، كان الحزب يخصص مرجعيته بين اثنين هما الحائري والسيد محمد حسين فضل الله. والارجحية كانت للثاني. وموقف السيد فضل الله من الاحتلال معلن ومعروف. اما السيستاني فتعوزه الاعلمية لكي يكون مرجعا جامعا للشرائط بالنسبة للطرفين. والتركيز عليه كان بهدف استثمار مكانته عند شيعة العراق لتخديرهم والسيطرة عليهم وكسب تعاطفهم. اي تكتيكا سياسيا، انتهازيا. وتلاشي ذاك التطبيل لقدسية المرجع بعد ان انجز العملاء ما ارادوا من خلال هذه القدسية المصطنعة. فنجدهم يوقعون مثل هذا الاتفاق الخطر علي تاريخ العراق، والتشيع، والاسلام عموما، دون العودة للمرجع، او دون ان يقولوا لنا ما هو موقف المرجعية منه. انه موقف اخر من مواقف النفاق. فالمرجع الذي ظل رموز الائتلاف يتقاطرون عليه كل يوم قبل ما يسمى بلعبة الانتخابات. يًركن الان على جنب ويلفه النسيان كما هو الامام زين العابدين. وفي مقابلة مع عبد العزيز الحكيم على تلفزيون العراقية قبل حوالي الثلاثة اشهر، كرر عشرات المرات كلمة المرجعية، وضرورة العودة لها ويقصد بمرجعيته الجديدة الدستور الذي وضعه فيلدمان، ولم يأتي ولا مرة واحدة على ذكر مرجعية السيستاني. يقول علماء الشيعة ان وظيفة المرجع هي تبصير الناس بالحكم الشرعي الصحيح في قضايا دينهم ودنياهم، ولا نعتقد ان هناك من حاجة للمرجع اكثر الآن ليقول رأيه الشرعي بما يجري من ظلم، واستهتار باموال المسلمين وارضهم ووجودهم. وليس هناك من حق اكثر من رفض هذه المظالم التي يمارسها الاحتلال على ارض العراق. ليس الكاتب، ولا اي من البشر من قال: الساكت عن الحق شيطان اخرس. فهل تحولت مؤسسات الشيعة من احزاب ومرجعيات بايدي شياطين تبحث عن اشباع نزعاتها الشيطانية في الدنيا على حساب الاخرة...!؟ وهل بقي شيء من مبادئ التشيع لم ينتهك بأعلان المبادئ، بل هل بقي شيء من الهوية الاسلامية للاحزاب المتشيعة ــ المتاسلمة. انها لقرمطية جديدة..!؟

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية