الخميس، 4 أكتوبر 2012

سلاح الجوّ "البعثي": تاريخ آلة القتل وحاضرها

فادي الأحمر حافظ الأسد هو المؤسّس الفعلي لسلاح الجو السوري منذ كان قائداً له في العام 1963. وسهر على تطويره عندما كان وزيراً للدفاع بعد وصول الضباط البعثيين الى السلطة في العام 1966. ثم أسّس له جهاز المخابرات الجوية الخاص به (لعب رئيسه اللواء محمد الخولي دوراً أساسياً في قمع المعارضة المسلّحة للإخوان المسلمين في سوريا، وفي الحرب اللبنانية خلال السبعينيات وبداية الثمانينيات). خسارة "حرب الأيام الستة" في العام 1967 زادت الأسد قناعةً بضرورة تطوير سلاح الجو لموازنة التفوّق الاسرائيلي. فأبرم، بعد وصوله إلى قمة السلطة، تحالفاً عسكرياً مع الاتحاد السوفياتي في حينه. وأصبحت سوريا من أولى الدول المستوردة للسلاح الروسي، خاصة الجوّي منه، ما مكّنها من خوض مغامرة "حرب اكتوبر" في العام 1973، إلى جانب مصر، لاستعادة الجولان. تلك الحرب كانت كارثية على سلاح الجو السوري. فبعد إيقاف تقدّم القوات المصرية على جبهة سيناء، تحوّلت المقاتلات الجوية الإسرائيلية باتجاه سوريا، فقصفت طائراتها ودمّرت مطاراتها الحربية. سلاح الجو المصري لم يتعرّض لمثل هذه القصف التدميري، لأن الحكومة الاسرائيلية كانت تخشى ان تُطلق مصر الصواريخ الباليستية البعيدة المدى والتي تطال العمق الإسرائيلي. هنا تجدر الإشارة إلى أن الأسد استخلص العبرة من تلك الحرب، فعمل على تجهيز الجيش السوري بترسانة صواريخ باليستية بعيدة المدى. كما أعاد تجهيز سلاحه الجوي وبناء مطاراته بمساعدة الاتحاد السوفياتي. كانت خطّته إقامة توازن عسكري استراتيجي في مواجهة اسرائيل، وكانت منصّات صواريخ "سام" أرض – جو في البقاع اللبناني جزءاً منها. لكن الـ"بريسترويكا" التي بدأها ميخائيل غورباتشيف في العام 1985 لم تسمح بإنجازها. فتراجع إرسال السلاح الى سوريا بنسبة كبيرة. وتوقّف نهائياً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. منذ وصوله الى الرئاسة، أدرك بشار الأسد الحاجة إلى تطوير قدراته العسكرية خاصة في سلاح الجو. توجّه الى موسكو طالباً المساعدة والدعم. هناك لقي لدى فلاديمير بوتين آذاناً صاغية وإرادة صادقة في التعاون. فـ"القيصر الروسي" الجديد لديه الطموح باستعادة نفوذ "الأمبراطورية الحمراء". وسوريا إحدى ركائزها الأساسية في منطقة الشرق الاوسط. فهي الحليف التقليدي لها، ورابع "زبون" عسكري. وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن 10 بالمئة من إنتاج روسيا من الأسلحة الحربية يُصدّر الى سوريا. الطائرات الحربية التي تقصف حلب وغيرها من المدن السورية اليوم، تعود إذاً إلى مرحلة السبعينيات والثمانينيات. كلّها روسية الصنع. يبلغ عددها حوالي 611، وهي من طراز "ميغ 29 س"، و"ميغ 23"، و"ميغ 21 س"، وكلها طائرات مقاتلة متعدّدة المَهام. كما يملك سلاح الجو السوري عدداً كبيراً من طائرات "ميغ 25 س" الاعتراضية، ولديه طائرات روسية أخرى من نوع "سوخوي 24 س"، و"سوخوي 22 ف"، وهي طائرات هجومية. وبالتالي فإن إقامة منطقة حظر جوي في حلب، كما يُطالب بعض حلفاء المعارضة السورية، لن تكون نزهة كما حدث في ليبيا. أما الطوافات فعددها أقل بكثير، لا يتجاوز الـ 90. وهي روسية الصنع وفرنسية(غازيل) . تلعب اليوم دوراً كبيراً في المواجهات. استعملها النظام منذ بداية الثورة لتفريق التظاهرات الشعبية التي كانت سلميّة. وكان لها دور أساسي في معارك بابا عمرو في حمص. أما اليوم فطلعاتها الحربية شبه يومية ضد مراكز "الجيش الحرّ" في مختلف المدن السورية. وطلبت دمشق من موسكو تزويدها بعدد من الطوافات لتعويض الخسائر وزيادة عددها. وبالفعل انطلقت باخرة روسية في حزيران الفائت وعلى متنها طوافات حربية، لم تبلغ الشواطئ السورية، لكنها ستفعل، بحسب تأكيد الديبلوماسية الروسية. وردّاً على الانتقادات الاميركية والاوروبية، صرّح سيرغي لافروف بأن روسيا "ليس في نيتها تبرير" تزويد سوريا بالسلاح، كونها تنفّذ الاتفاقات المُبرمة بين البلدين قبل الثورة. الوزير الروسي يقصد في تصريحه هذا الاتفاقات العسكرية التي وُقِّعت بين البلدين في العام 2007 وبلغت قيمتها 3 مليارات دولار. إحداها يقضي ببيع روسيا للنظام السوري 12 طائرة حربية متطوّرة من نوع "ميغ 29" و"ميغ 31"، ولم يتم تنفيذ هذه الاتفاقية بسبب الاعتراضات الأميركية والإسرائيلية. يبقى السؤال الأساسي اليوم هل ستسلّم روسيا تلك الطائرات الى نظام يتهاوى؟ وإلى متى يمكن للنظام تحمّل كلفة طلعات حربية يومية؟ إن الحسم العسكري الذي كان يتكلّم عنه بشار الأسد أصبح مستحيلاً. فـ"الجيش الحر" انتقل من موقع الدفاع الى الهجوم. وسنشهد مزيداً من العمليات الهجومية ضد القوات النظامية. روسيا تدرك جيداً هذا الواقع العسكري. ولكن هذا لن يمنعها من تزويد نظام الأسد بالأسلحة، خاصة بالطوافات والطائرات الحربية ربّما، لإطالة صموده. ما ينبئ بـ"حرب باردة" جديدة.. ساحتها الأساسية اليوم سوريا.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية