عملية «عمود السحاب» انتهت أو شارفت النهاية. ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وصلت إلى المنطقة، قادمة من آسيا قاطعة جولتها مع الرئيس باراك أوباما، لترعى الاتفاق الذي استغرق التوصل إليه أسبوعاً كاملاً من القصف والتدمير، وهو اتفاق يذكّر بالاتفاق على القرار 1701 الشهير الذي وقعه لبنان نيابة عن «حزب الله» عام 2006.
طبعاً سيسيل حبر كثير كذلك الذي سال في ذلك العام بعد "النصر الإلهي" الذي حققه حزب الله، فيما النتيجة السياسية الأهم التي استطاعت إسرائيل تحقيقها، كانت تحوّل هذا الحزب واحداً من أهم حراس حدودها.
عملية "عمود السحاب" لم تدم أكثر من أسبوع، فيما حرب تموز دامت 33 يوماً، لكن النتيجة واحدة غير أن من بين ما حققته ايضاً، أنها أخرجت إيران نهائياً من غزة، لتصبح الأخيرة "وديعة" في يد نظام "الأخوان المسلمين" في مصر، الأب الروحي لحركة "حماس" وغالبية الحركات الإسلامية في المنطقة.
الزيارة الاحتفالية لوزراء الخارجية العرب برفقة وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو، تكثف الرمزية السياسية لما تم الاتفاق عليه. زيارة قد تشير إلى أن مستقبل قطاع غزة قد دخل مرحلة جديدة، مع تغير المناخ الذي خيّم على أجوائه، وانتقاله من الفلك الإيراني إلى الفلك الإسلامي الإخواني، الذي يُعاد ترتيبه وفق أجندات، ستضع حداً لـ"العبث الإيراني"، مثلما أنها تعيد تحديد أحجام القوى الإقليمية في المنطقة ودورها وتوازناتها الدقيقة. طبعاً كل هذا تحت إدارة "المايسترو" الأميركي.
بعضهم قد لا يؤيد هذا الكلام، لكن من متابعة وقائع "المفاوضات" والاجتماعات التي كانت تدور في السر والعلن، من أجل الإعلان عن هذا الاتفاق، فإن هذا البعض قد فاته الانتباه إلى أن عملية "عمود السحاب" بدأت قبل أربعة أيام من مغادرة أوباما في جولته الآسيوية. وتصريحاته الأولى عكست عدم اعتراضه على تلك العملية، فيما تولّت الديبلوماسية الأميركية ترتيب ما ينبغي ترتيبه من أجل إزالة هذه "الشوكة" الإيرانية من خاصرة المنطقة، بحسب مصدر في الخارجية الأميركية.
وفي اعتقاد مصدر ديبلوماسي في نيويورك، إن مجلس الأمن سينجح خلال الساعات القليلة المقبلة في إصدار قرار حول غزة، بعدما تم تذليل العقبات التي حالت دون صدوره منذ الجمعة الماضي، في ظل مقاطعة واشنطن ومندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة سوزان رايس المناقشات، ما لم يجر حل العقد التي كانت تحول دونه.
ويؤكد المصدر في الخارجية الأميركية أن المرحلة المقبلة ستشهد اندفاعة سياسية مختلفة، وخصوصاً في شأن الوضع السوري. فما افتتحته فرنسا من اعتراف بالائتلاف الوطني السوري المعارض، ولحقت بها بريطانيا، يشكل إيذاناً جديداً بالمرحلة التي سيشهدها النزاع هناك. ما جرى في غزة أربك الحلف الإيراني، على رغم أنه حاول استغلاله، سواء في سوريا أو لبنان، أو على مستوى المنطقة ككل.
ولا يخفى أن بعضهم اعتبر أن مبادرة إسرائيل إلى فتح الجبهة مع غزة، هي محاولة لتسليف النظام السوري قرضاً يبعد عنه السقوط المباشر. لكن بالنسبة إلى الحسابات الإسرائيلية الخالصة، فإنها لحظة استثنائية أيضاً، ولا بد من استغلالها من اجل تأمين وقف إطلاق نار يدوم فترة زمنية لا يستهان بها، وخصوصاً أن ما يجري يرتبط أيضاً بالمواجهة السياسية المفتوحة مع السلطة الفلسطينية الساعية إلى نقل معركتها مع إسرائيل حول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة إلى أقصى حد، علّها تنجح في كسر الجمود في عملية السلام المتوقفة "برعاية أميركية" ولو غير مباشرة.
ويقول المصدر نفسه إن الخطوتين الفرنسية والبريطانية في اتجاه المعارضة السورية، لا بد من أن تتركا الأثر المباشر على مختلف الأطراف الدولية. وهي تكشف عن رضى الإدارة الأميركية التي تواصل سياسة الإدارة من الخلف، بعدما ثبت حتى الآن أن تلك السياسة قادرة على تحقيق الأهداف نفسها من دون الوقوف في الواجهة.
وفي اعتقاد هذا المصدر أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً ميدانياً وسياسياً ينقل النزاع في سوريا إلى مرحلة اكثر عنفاً. فالرئيس بشار الأسد لم يتمكن من استغلال ما حصل في غزة، بل على العكس، خسر على الأرض مناطق جديدة ومراكز عسكرية اكبر بكثير مما كان يتوقع. ويخشى هذا المصدر أن يكون الأسد مع حلفائه الإيرانيين وحزب الله اللبناني، يعدّون للمرحلة المقبلة أو ما يمكن وصفه بالخطة "باء"، حين يفقد سيطرته على دمشق التي يخسر كل يوم مواقع جديدة في ريفها، ويتقلّص وجوده في مدينة حلب وريفها
شيئاً فشيئاً. وخيار التحصن في دولته العلوية شمال سوريا، قد يتحوّل خياراً حقيقياً، مع ما قد يشكله هذا الأمر من ضغوط على دول الجوار، وخصوصاً لبنان وتركيا.
دويلة علوية على حدود تركيا الجنوبية، ودويلة كردية تجاورها في ظل إمكان اندلاع النزاع بين الممسكين بتلك الدويلة والمعارضة السورية المسلحة التي حرّرت كثيراً من الأرض من قبضة النظام، هو بلا شك كابوس لا يمكن تركيا تحمله، ويفسر في جانب منه انضواء أنقرة في إعادة تشكيل الحلف السياسي في مواجهة محور طهران.
أما في لبنان فإنّ سياسة الرؤوس الحامية ستبقى هي السائدة، في ظل انعدام الكلام السياسي الحقيقي في خطاب أصحابها، على رغم كل ما يجري حولهم. ومن لا يزال يعتبر أنه حقق "نصراً إلهياً"، لا يمنعه ذلك من التنظير في صواب خياراته السياسية على رغم علمه أنها لا تنتسب إلى أي مصلحة لبنانية داخلية، وتأكده مما جرى في عملية "عمود السحاب".
صحيفة الجمهورية
0 comments:
إرسال تعليق