السبت، 8 ديسمبر 2012

الصـّقـــر يـعــاقـــب خـفـافـيـــش الـتــزويـــر

بقلم محمد البوعزيزي


واخيرا... ظهر الصقر محلقا في السماء الزرقاء، كشف زيف إدعاءات "القبابيط" التي سوقت نفوسها على أنها حساسينا، انتفضت صراصير الزمن الرديء، كشحت عن أكتافها "البرداية" الفارسية، التي طالما تغنت بها معتقدة أنها عباءة الأصالة والعروبة، تشبها بالكرام، هكذا ظن أحد صراصير واحدة من الروابي، التي اعتلاها مراقبا خياله في صباح مزيف، ولما رأى خياله كبيرا ظن نفسه شاهينا، الى أن عاد الى زعيم الحشرات من فصيلته العضوية والمعنوية قائلا: ها قد اقترب وقت الظهيرة، وغاب الثوب الوهمي الذي ألبستني إياه، وكدت أعود الى حيث ولدت.

 سقط هذا الصوص في شر افتراءاته، وإنزوى يلملم وأترابه أذناب الخيبة، بعد أن جمع بعضهم الطعم الذي رماه العقاب، واعتقدوا لساعات سهولة هضمه، فإذا بالحقيقة تتوزع على بلاعيمهم، وتتمترس في بلعوم كل منهم، وراحوا يتقيأون أفكارهم هربا مما يلاحقهم، وروائحم النتنة تدب خلفهم مسرعة، وهم الى مآويهم في الجحر يسرعون.

الحكاية حقيقية، نعم، لقد أوقع الصقر كل "جلابيط" الجحر الحزين، الذي اعتبر أحدهم أن معلمه وسيده جبلا، فإذا به عامودا مهزوزا، تعلو قُمّته (مصدرها قُمامة) يوما بعد يوم، تعمم ريحها العفن على كل الحشرات الدابة على الأرض، وتحتها، بعد تناولها علاجات وصفها الثور الأكبر، فمرضت غالبية الحشرات، والحيوانات، حتى الثعالب استاءت من هذه الروائح، التي ينثرها أشباه الخنازير، الذين اعتادوا الاغتسال في المياه الآسنة، والأكل من بقايا الشواهين، لأن أسود الغاب لا تترك لها ما تستطيع التفاخر بأنها تناولته.

خرج الصرصور من القعر الجنوبي للجحر، معاتبا الصقر على تحليقه في فضاءات الأمة، متناسيا تاريخه الأسود في غابة العمالة للحيوانات، التي كان ينقل لها أخبار أبناء عشيرته من الحشرات، عله يحظى ببعض من فتات قوتها، ونسي رفيق درب الصدفة، التي أوصلته وإياه  الى الجحر الكالح،  فهرب الى جمع المؤنة لذاته، بعد أن اكتشف أن الصرصور الكبير، غادر مأواه الذي يليق به، فقط من اجل ان يسرق منه ما جنى خلال فصول الصيف العامرة، وهو من سمعت به كل مخلوقات الدنيا، دون أترابه الذين لا يعرفونه إلا بالإسم، كما كل الحشرات.

استاء "الجلبوط" من الصقر، وراح يعيّره بأنه لا يشرب إلا من أعالي الشلال، وهو يذرف الدمع لأنه لا يرتوي إلا من الأقنية العفنة، وتحداه مدعيا أن زعيمه ومعلمه الذي يطير ولا يرتفع عن الارض كثيرا (كما هو فيل أحد أشباهه) جبلا أكبر من كل الشواهين، وهو يدرك في قراره اتساخه الداخلي، المحمّل بكل موبقات زمن الردّة، أنه أصغر من الجرادة، يدب في دهاليز يظنها ممرات آمنة، يخف بحركته خوفا ورعبا من وهم يتابعه، صارخا، مستنجدا، معاتبا، زاجرا، نابحا...

العقاب... العقاب... يلاحقنا يا أهل المروءة، ولكن من يعتبرهم أهلا للمروءة وضعوا في أذانهم حبيبات الفستق الفارسية الكبيرة، ولم يسمع منهم أحد بما جرى للصرصور، الحليف، وغابوا عن الاسماع والرؤية، احتجبوا، وانزووا يلطمون على صدورهم أسفا على تورطهم، وإنكشاف زيف إدعاءاتهم وكذبهم، أن العشبة الملونة ستسعد الحلفاء والأصدقاء والرفاق، وتدر عليهم البذور الوفيرة لفصول شتاء مقبلة، هذا إن أقبلت زراعتها وتجارتها، وأن العلاج الذي وصفوه للعلوج إفتضح أمره، وتبين أنه مزيفا لا يصلح حتى لتلك الحشرات.

عاد الصقر. رمى لهم ما يستحقونه أو أقل بقليل، وإنطلق الى عباب السماء الزرقاء معانقا سحاب الحرية، تاركا تلك الحشرات، التي استحالت الى مجموعة خفافيش، هائمة في ليل مدلهم بلا هوادة، أسيرة عقد نقصها الذاتية، تلطم نفوسها بجدران الحقيقة، تنهض متكاسلة متكالبة تحاول اللحاق بنسر الجو، ترفع رأسها ذليلة لا حول ولا قوة لها، تكاد تقول أعزونا بمكرمة عربية أصيلة، لأننا مللنا الترزق من بقايا البقايا التي يتركها ذلك المجوسي، تهم الى الإعتراف بأنها ولدت من رحم الخطيئة، ولكنها تكابر وتتعجرف، وتصر على متابعة مسيرتها القذرة في ليل حالك، خفافيش كالحة غارقة في مستنقع العمالة والهوان، لا تستحق الإعتراف بوجودها، بل يليق فيها تلك الزاوية التي تشبه الوانها في صفحات التاريخ. هذا إن قبلها هذا التاريخ، الذي يعتبر من أعدل الحاكمين بعد الله.




0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية