الثلاثاء، 15 يناير 2013

في ذكرى ميلادك... عذرا جمال عبد الناصر


 بقلم  : محمد البوعزيزي



عذرا جمال عبد الناصر...

في ذكرى ميلادك، يا أشرف الرجال، وأنبلهم، وأصدقهم، وأكثرهم فداء ووفاء، لا يسعنا إلا تقديم الإعتذار لك، وطلب السماح، لأننا عجزنا عن حماية إنجازاتك، بعد ان فرقتنا الأنانيات، وغرقنا في البحث عن المصالح الخاصة، بعيدا عن قضايا أمتنا وأهالينا فيها، وبات كل منا قائدا من دون جنود، ومفكرا من دون أفكار، وزعيما من دون شعب، وفاضت النرجسية في بعضنا الى حد الكفر، وعاد كل منا الى عشيرته، وتخلى البعض عن العروبة لمصلحة الأسرة، تحت عناوين عديدة، وسوّق لإستحالة الوحدة في زمن التشظي، وعمل ضدها من أجل منافعه، ومنافع أبنائه وأقاربه والمقربين منه.
ماذا أقول لك؟ لن أخبرك شيئا عن وضع الأمة، وتمزقها، وحال أهاليها، ولن أنطق بكلمة واحدة لأنني أخشى أن أدفعك الى 
الندم.

عذرا... لأننا خذلناك، وغدرنا بك. وأضعنا البوصلة، وبتنا ننهش في لحوم ذواتنا، ونأكل أموال الأيتام، وحقوق الآخرين، ونحتقر 
الفقراء، وننبذ المعوزين، ونرى الفوضى قمة الحرية، والإعتداء على المحرمات دفاعا عن النفس الأمارة بالسوء، والكذب شطارة والتملق حنكة سياسية وديبلوماسية ناجحة، والمواجهة بالحق كرة من النار يجب تجنبها، ومؤازرة أخينا العربي أمام ظلم السلطان الجائر خيانة، وإدانتنا للمجرم الذي يتلذذ بالدم العربي المسفوك حراما وظلما وعدوانا في أي قطر عربي عمالة، وسعينا الى الحرية الفردية والوطنية والقومية ترفا سياسيا وإجتماعيا لا طائل منه، والمناداة بالقومية والإتحاد والتضامن أصداء للغة خشبية يريد أكثرنا تشييعها الى الآخرة، والتمسك بالحق العربي أو السعي الى تحرير فلسطين من مخلفات الماضي، وعادة سيئة ومشينة وجب التخلص منها، والنطق بكلمة الحق في وجه الحاكم العاهر قلة أدب نستحق أن نعدم بسببها، والمطالبة برغيف الخبز باتت موضة بالية يجب إجتنابها، والحلم ببيت يأوي الأسرة يعرضنا للمساءلة المقننة والمشرعة من ذوي المال والجاه والقوة.

ماذا أقول لك في ذكرى ميلادك؟
سأصارحك القول، نحن عاتبون عليك، ونسألك ببلاهة، عفوا بل وبكامل قوانا العقلية والجسدية، لماذا أيقظتنا من النوم؟ ولماذ ناديت بحريتنا؟ ولماذا علمتنا أن الإنسان ولد حرا مع بدايات الأيام الأولى لهذه الفانية؟ ولماذا أكدت لنا حقوقا وطلبت منا أن نحميها؟ ولماذا قلت أننا أمة تستحق الحياة، في زمن بات فيها المؤمن بهذه الأمة وقضاياها وماضيها ومستقبلها 

كالقابض على الجمر؟.
ولماذا وعدتنا بما لسنا أهلا له، بكرامة لا تسمو بلا تضحيات؟ ولماذا كنت المثال الصالح في عهد الطالحين؟ ولماذا كنت الأشرف والأنقى في زمن تحول الشرف فيه الى شعار، والنقاء شبهة؟ ولماذا كنت الأصدق في عهود عز فيه وجود الرجال؟ الرجال؟ ولماذا كنت الأمين في زمن بات السارق فيه حاميا للدار؟ ولماذا دعوتنا الى إقتفاء أثرك ونحن عاجزن عن السير من دون مرشد؟ ولماذا؟ ولماذ؟ عذرا لأن هذه اللماذات لا تنتهي.
عذرا لسنا مؤهلين للوفاء لأمثالك، ولسنا أهلا لحمل إسمك والتباهي به، ولسنا أوفياء لتجربتك الرائدة، ولم نعمل من أجل تحقيق وصيتك، ولا طموحاتك وآمالك. لسنا من أمِنتهم على ميراثك الهائل الذي لا نستحقه، لسنا نحن، بل أننا أولئك الذين حذرتنا منهم، الذين يستغلون الآخر الى آخر قطرة عرق، بل نقطة دم، نحن أولئك الذين قتلوا شعوبهم، نحن المجرمون، المستغلون، الإنتهازيون، الوصوليون، الغارقون في ملذاتهم وإشباع رغباتهم الجسدية والنفسية، وزيادة الميراث لورثتهم، نحن الذين قلت لا تأمنوا لهم، نحن الذين توزعنا شيعا وفرقا لا يجمعها منجم مغربي، توزعنا قبائلا، وعدد قادتها يوازي عدد أفرادها، نحن من قلت لا تقربوهم، لأنهم يقولون ما لا يفعلون، نحن الثوار الذين نهدد ونبدد وندمر ووو... ولا نعمر ولا نحمي، ولا نصون الحق، ولا نحمي وطنا ولا أرضا ولا عرضا.

عذرا عبد الناصر ... لا  يستحقك بعض الناصريين، ولا يجوز لهم أن ينطقوا بإسمك، أو يدّعوا نسبك، لأنهم خانوا العهد، وباتوا خدما في أروقة السلاطين، ويدافعون عن الظالم في وجه المظلوم، ويقفوا الى جانب الجاني ويلوموا المكلوم، لقد باتت الحرية محصورة بمن يحقق مصالحهم، وخلاف ذلك عمالة للعدو، وتهديدا لأمن قومي مفقود منذ زمن بعيد، نعم هؤلاء هم من 
يحملون رايتك اليوم، أو بالأحرى غالبية هؤلاء.

عذرا جمال عبد الناصر... نحن شعب لا يستحقك، لقد أتيت في التوقيت الخاطىء، ورحلت في زمن غير ملائم، ولكن وعدنا لك، بأن تبقى تلك التجربة التي أورثتنا إياها عهدة وأمانة في رقابنا، الى أن يتحقق ما سعيت إليه، وأن تعود فلسطين التي تحولت الى شعار يردده أعداء العرب في كل المحافل، وتعود أمتنا كما عهدتها وأردت لها أن تكون، أمة واحدة، وتاريخ واحد، ومستقبل واحد. نقدم لك إعتذارنا بكل خفر وورع ونحن مجبولون بالخجل، سامحنا، واعذرنا، كنا عن كل ما قدمته لنا غافلون.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية