السبت، 23 مارس 2013

ميقاتي يتذوَّق "عيش السرايا" حتى 2014 على الأقل

تهتزّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مرّة تلو الأخرى، لكنها لا تسقط. تصل «لقمة» المعارضين «إلى الفم» ثم تعود. وهناك مَن يجزم: لن تسقط الحكومة، ولاحقاً ستكون الحاجة إليها أقوى، حتى في وضعية الشلل أو الاعتكاف أو حتى تصريف الأعمال.
  

ينتقل لبنان قريباً من "إدارة الأزمة" إلى "إدارة الفراغ". وسيكون مطلوباً من ميقاتي أن يكون "مدير الفراغ"، بعدما كان "مديراً للأزمة". ولا يعني ذلك أنه سينجح في "إدارة الفراغ". فهو لم ينجح في "إدارة الأزمة".

  

قوة ميقاتي في ضعفه. لكنّ بقاءه محصَّناً في تلة السراي هو نتيجة ضعف الآخرين في تسلُّق أسوارها: لا تيار "المستقبل" يمتلك الآليات لبلوغها، ولا شركاء ميقاتي، الذين جاؤوا به على مضض، يجرؤون على هدم البيت الحكومي قبل ضمان "مستقبلهم". ولذلك، يضحك ميقاتي "في عِبِّه"، ويدرك أنه مربوط بـ"حبل الصرّة" الثلاثي: سليمان - بري - ميقاتي: يرحل الجميع أو لا أحد.

  

قبل اليوم، لوّح ميقاتي مراراً بالمغادرة (تمويل المحكمة الدولية، اغتيال اللواء وسام الحسن...)، لكنه لم يفعل. وهناك مقولتان في ذلك: إما أنه يناور لتنفيس الضغوط في كل مرّة، وإما أنّ الذين صنعوا الحكومة لا يسمحون بإسقاطها، إلّا وفق توقيتهم الخاص. لكن ميقاتي ينفي ذلك، ويردّد في أوساطه مقولة ثالثة: أنا متعَب كثيراً في السراي، وأتمنى لو أكون خارج الأزمة، لكنني لا أستطيع التهرُّب من المسؤولية.

  

والأرجح أن المقولات الثلاث تتضافر لبقاء ميقاتي في السراي، وفي نسبٍ متفاوتة، وفقاً لكل ظرف: في المراحل الأولى، لم يكن راغباً في الخروج فاشلاً من نادي رؤساء الحكومات، وضعيفاً سياسياً في مدينته وطائفته.

  

واليوم، ربما باتَ يدرك مخاطر رمي الكرة والخروج من الملعب تاركاً الأمن والسياسة والاقتصاد "على الأرض". لكنه دائماً كان يعرف أنّ مَن يمتلك القرار الحقيقي بإسقاط الحكومة موجود خارج حدود السراي... بل خارج الحدود، وأن مخالفة هذا القرار مكلفة جداً!

  

«مدير الأزمة» يدير «الفراغ»

  

ما يتمناه ميقاتي هو أن يعود رئيساً لحكومة توافقية كما في العام 2005. فطبيعته الوسطية تناسب ذلك. ومن مصلحته الاستجابة إلى العرض الذي تلقّاه من الرئيس فؤاد السنيورة بترؤّس حكومة حيادية. فهذا يريحه من الضغط الحريري. لكن الأقوياء في حكومة ميقاتي ضبطوا "رشوة" 14 آذار له (السراي مقابل التوافق)، وأحبطوا طموحاته التوافقية: "الأمر لنا"!

  

وقبل أيام، أرسل ميقاتي نصف إشارة إلى إمكان الاستقالة: "أنا مرشّح للانتخابات. ولذلك، سأستقيل، ولكن بعد التوافق عليها وتحديد موعدها". ويعني كلام ميقاتي عملياً أنه لن يغادر حتى اللحظة الأخيرة. أولاً لأنّ من البديهي مجيء حكومة جديدة بعد الانتخابات، وثانياً لأن هذه الانتخابات مؤجلة حتى إشعار آخر!

  

في التاريخ الحديث للحكومات في لبنان، سقطت حكومة الرئيس عمر كرامي، تحت ضغط الشارع، في العام 2005. لكن فريق "14 آذار" لم يحكم وحده. وفي العام 2011، تمّ الردُّ عليها بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري تحت ضغط الفريق المقابل. لكنّ "8 آذار" لم يحكم وحده أيضاً، بل استعانَ بالـ"الوسطيين".

  

طموح فريق "8 آذار" استعادة حكومة كرامي ليحكم وحده، وطموح فريق "14 آذار" استعادة الحريري على رأس حكومة منسجمة. وفي المنطقة المنزوعة السلاح بين الطرفين، يجد ميقاتي مكاناً للإقامة في السراي. ولأن كلاً من الطرفين المتصارعين عاجز عن حسم المعركة لمصلحته، ارتباطاً بالمعركة في سوريا، فإنّ ميقاتي ورفاقه الوسطيين سيحافظون على أوراقهم الرابحة في تركيبة السلطة، على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية في أيار 2014.

  

فتأجيل الانتخابات "تقنياً" أو تحت عنوان "الظروف القاهرة" لأشهر عدة، سيؤجل تغيير الحكومة من دون أي إشكال دستوري. وإذا تمّ تمديد التأجيل - لا التمديد للمجلس - فستبقى العملية مغطاة دستورياً أيضاً. فالدستور لا يتحدث عن تأجيل "تقني" ولا عن مدة التأجيل. ولأنّ الجميع توافقوا على المخرج، فهو لن يصطدم بأي عائق سوى بلوغ الاستحقاق الرئاسي. وسيبقى ميقاتي في السراي أكثر ممّا كان هو يتوقع عند دخوله.

  

وخلال هذه المدة، إذا استطاع لبنان تقطيع "الفراغ" في حدود مقبولة من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وإذا وجدت سوريا طريقاً إلى التسوية، فقد يتوصل الوسطاء الدوليون والإقليميون إلى صياغة "دوحة" جديدة ومتكاملة: مجلس نيابي وحكومة ورئيس للجمهورية. أما إذا غرقت سوريا في الفوضى، فسيكون على لبنان أن يُثبت قدرته على "النأي بالنفس"، فيما المؤشرات الأولى لا توحي بالاطمئنان.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية