الخميس، 14 مارس 2013

اللعبة اﻷمريكية القذرة


شاء سوء طالع السوريين أن ينتخب الشعب اﻷمريكي السيد "باراك حسين اوباما" لمرة ثانية في البيت اﻷبيض. الرجل يتمتع بذكاء خارق وبطلاقة لسان لكنه لا يتحرج من توخي سياسات ذرائعية بعيدة كل البعد عن اﻷخلاق وعن المبادئ. لا يظنن أحد أن السياسة الدولية هي أمر أخلاقي، لكن حين تعم المجازر بلداً بأكمله ويخرج الملايين من البشر من بيوتهم للعراء والجوع تحت القصف والدمار، فالموضوع يصبح ٳبادة للجنس البشري تتجاوز "الدناءة" السياسية العادية. في مقابل جزارين مثل "ستالين" و"هتلر" و"بول بوت" يحتاج العالم لقادة أخلاقيين من طراز "تشرشل" و"ديغول" وليس "لبائعي شنطة".

في "ميونيخ" عام 1938، اتفق القادة اﻷوربيون، في غياب التشيك، وبقيادة رئيس الوزراء البريطاني "شامبرلين"، مع "هتلر" على التضحية بتشيكوسلوفاكيا من "أجل ٳنقاذ السلام...". وقتها قال "تشرشل" لهؤلاء : "لقد ذهبتم لتجنب الحرب وعدتم مكللين بالعار، في النهاية ستحتفظون بالعار وستقع الحرب...". كلنا نعرف ما حصل بعدها

في "جنيف" تفاهم "قادة العالم الحر" مع شبيح "موسكو"، في غياب السوريين، وترك اﻷمريكيون للروس أمر "حل" المسألة السورية...من وقتها، ما فتئت كرة النار المتدحرجة تكبر في بلاد الشام وتكاد تبتلع المنطقة بكاملها في ظل مركانتيلية روسية ولامبالاة دولية بالدم السوري. مع ذلك، يبقى السيد "اوباما" وٳدارته متمسكين ب"جنيف" تماما كما تمسك "شامبرلين" باتفاق "ميونيخ"!.. النتيجة تبدو واحدة، أمريكا والعالم الحر يحملون عار التخلي عن السوريين وسيحصلون في النهاية، على اﻷغلب، على حرب تأكل اﻷخضر واليابس في منطقتنا، لكنها ستكون، ربما، في صالح العم سام على المدى الطويل

يذكر المؤرخون أن اﻷمريكيين الذين لم يشاركوا في محادثات "ميونيخ" قبل الحرب العالمية الثانية، لم يكونوا غاضبين من نتائجها رغم قناعتهم أن الحرب لا بد ستقع في القارة القديمة ! بالفعل وقعت الحرب التي دمرت "العالم القديم" وخرجت منها "أمريكا" منتصرة بثمن بخس للغاية مقارنة بغيرها

اﻷمريكيون أدركوا مبكراً الطبيعة العنفية "لهتلر" و"ستالين" ولم تكن لديهم أوهام حول ترهّل النظامين الفرنسي والبريطاني. كان واضحاً للرئيس الديمقراطي "روزفلت" أن الحرب لابد قادمة وأنها ستنهي النفوذ اﻷوربي في العالم وستكون تلك فرصة تاريخية ﻷمريكا. لذلك رفض "روزفلت" دخول الحرب، واستمر اﻷمريكيون في بيع السلاح لبريطانيا وفي التعامل مع النازي وحتى مع اليابان حتى غزت ٳمبراطورية الشمس المشرقة "بيرل هاربور" وفرضت على اﻷمريكيين أن يدخلوا دوامة المعارك

عدد الضحايا اﻷمريكيين اقترب من 420 ألفاً كلهم تقريبا من العسكريين، مقابل أكثر من خمسة ملايين ونصف من اﻷلمان وثلاثة وعشرين مليون سوفييتي وأربعة ملايين صيني، الولايات المتحدة خرجت ٳذاً من الحرب العالمية الثانية كالرابح اﻷوحد واﻷكبر بثمن "معقول" وفرضت نموذجها الثقافي والاقتصادي. من يومها يكتفي اﻷمريكيون بطباعة أوراق خضراء يبادلونها بكل سلع العالم !

غباء اﻷوربيين وتخاذل قياداتهم الديمقراطية، ٳضافة ٳلى موقف أمريكي لاتنقصه الدناءة، كانا وراء "المعجزة" اﻷمريكية.

الرئيس "اوباما" ديمقراطي، مثله مثل "روزفلت" وكلاهما من دعاة الانعزالية اﻷمريكية ومن ممارسي السياسات الذرائعية و"البراغماتية" وهي كلمة تعني بين ما تعنيه "الخسة".

تبدو سياسة السيد "اوباما" سائرة في ركاب سلفه "روزفلت" المتجردة من اﻷخلاق والمبادئ والباحثة عن مصلحة الاقتصاد اﻷمريكي في بعده "المركانتيلي" البحت

في سوريا، كما في "تشيكوسلوفاكيا" عام 1938 لامصالح كبرى ﻷمريكا ولا نفط ولاحتى اقتصاد. بالمقابل فالمستنقع الشرق أوسطي حافل باﻷخطار وبالكمائن والمصلحة اﻷمريكية تتلخص بجملة : "لندع أعداء أمريكا ومنافسيها ينزفون حتى الموت، وفي مقدورنا حتى أن نبيعهم السلاح والخطابات...بعدها سوف نقطف الثمار بأبخس اﻷثمان".

على اﻷرض السورية هناك لاعبون كثر وكلهم غارق حتى الركب في الدماء والوحل

الروس فقدوا في سوريا رصيدهم اﻷخلاقي الضئيل أصلاً وهم في طريقهم لتأليب العالم اﻹسلامي السني كله ضدهم. ليس في مقدور الروس "تغيير" سلوك النظام ولاحتى ٳطلاق سراح "عبد العزيز الخير" فما بالك بتغيير النظام كله ! الروس يكتفون ببيع أسلحة خردة لجيش اﻷسد يدفع اﻹيرانيون ثمنها نقداً من اقتصادهم المحاصر. الروس يبتزون الدول الخليجية عبر صفقات هدفها المعلن "تغيير الموقف الروسي" الذي لن يتغير ﻷن لا شيء لديه ليعطيه للسوريين الثائرين. الروس سيخسرون ٳن بقي النظام ﻷن الحرب السنية الشيعية التي أسهموا في ٳذكائها والتي تلوح تباشيرها في "حمص" لن تكون بعيدة كثيراً عنهم وسيرون نتائجها في الشيشان

الروس سوف يخسرون أكثر ٳن سقط النظام. ٳضافة ٳلى "الشرشحة" التي ستنالهم فهم سوف يفقدون آخر موطئ قدم في شرق المتوسط وستخسر المافيا الروسية صديقتها اﻷسدية واستثماراتهما المشتركة

اﻹيرانيون يغرقون في دماء السوريين ولن تعود ٳيران ٳلى وضع "الجار" الطبيعي بعدما ساهم "الولي الفقيه" في الهولوكوست السوري. ٳيران دخلت "فييتنام" خاصة بها لن تخرج منها سالمة خاصة ٳن تطورت اﻷمور كما يريد العم "سام" وقام الجيب العلوي الذي يريده اﻷمريكيون متصلاً بالعراق، لكي يتم استنزاف "الهلال الشيعي" بكل أطرافه

حزب "نصر الله" أسفر عن وجه طائفي مقيت وشديد القبح، وجه القاتل "اﻹلهي" صار محفوراً في ذاكرة كل سوري وحساب الدم مع زعران الولي الفقيه بدأ للتو ولايمكن له أن ينتهي ببساطة، خاصة ٳن قام الجيب العلوي الذي سيكون مقبرة لمقاتلي "الولي الفقيه" الآتين من كل صوب.
الجهاديون المسلمون صار من الصعب عليهم الجعجعة بالعداء ﻷمريكا في حين يسفك الروس واﻹيرانيون و"العلويون" الدم السني بغير حساب. سوف "يؤجل" الجهاديون حسابهم مع العم سام وسيخفون فرادى وجماعات "لنصرة" أهل الشام وهذا ما يتمناه اﻷمريكيون

حتى ٳسرائيل، الصديق اللدود ﻷمريكا، تجد نفسها في ورطة بدأت نذرها مع انسحاب جيش اﻷسد وتوقفه عن حماية احتلالها للجولان ومع الانسحاب التدريجي لقوات الفصل الدولية هناك

وحدهم المبتدئون في السياسة يظنون أن اﻷمريكيين سيبذلون دمهم حماية ﻹسرائيل. الدولة العبرية بلغت درجة من النفوذ والسطوة في المنطقة تسمح لها بمنافسة التفوق اﻷمريكي وهذا لا يرضي العم "سام". تحجيم النفوذ اﻹسرائيلي وٳعادة ٳسرائيل ٳلى حجمها الطبيعي سيكون أمراً جيداً للسيد "اوباما".

ٳسرائيل خسرت "درعها" اﻷسدي وسيكون عليها أن تدفع من دماء أبنائها ثمن احتلالها للأراضي العربية أو أن تختار الرجوع عن غيها والقبول بتسوية مشرفة مع جارها السوري. أي تسوية سوف تحد حتماً من نزوع ٳسرائيل التوسعي والامبراطوري. اﻷمريكيون لن يكونوا منزعجين كثيراً ٳن اختارت جحافل الجهاديين والقاعدة فتح جبهة مع ٳسرائيل، تلهيهم عن "واجبهم الجهادي" ضد الشيطان اﻷكبراﻷمريكي وتضع الشيطان اﻹسرائيلي "اﻷصغر" في فم المدفع

وحدهم السوريون هم من يموتون ويدفعون الثمن اﻷعلى، كما مات "التشيكيون" وبعدهم اليهود تحت جنازير دبابات الرايخ الثالث في ظل تواطؤ دولي وصمت أوربي

?مادام اﻷمر هكذا فلماذا يتوقف السيد "اوباما" عن اللعب

د. أحمد الشامي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية