فادي شامية
لا يعد سراً أن "حزب الله" يقاتل في سوريا؛ ليس في قرى يقطنها لبنانيون -كما أقر أمينه العام- فحسب، وإنما على مساحة الخارطة السورية؛ من حلب وحتى الحدود اللبنانية، مروراً بدمشق وريفها، غير أن انتشار الحزب الأساسي هو في القصير، لاعتبارات عدة أهمها:
1. متاخمتها للحدود اللبنانية، وتحديداً منطقة الهرمل، التي يتمتع الحزب فيها بقاعدة شعبية ضخمة.
2. وجود قرى في المنطقة يقطنها لبنانيون شيعة (كوكران- الحمام- مطربا – الجنطلية- وادي حنا...)، وقرى يقطنها سوريون شيعة (الديابية-الفاضلية-زيتا...)، وقرى مختلطة (حاويك- بلوزة- الصفصافة...).
3. مرور كثير من خطوط إمداد السلاح السرية عبر هذه المنطقة (على سبيل المثال لا الحصر: نفق وادي حنا عبر منطقة "سهلات المَيْ").
4. موقعها جنوب حمص، التي يستميت النظام السوري في السيطرة الكلية عليها، تحسباً لخياره الأخير؛ الدولة العلوية.
وبحسب "الجيش الحر" فإن آلافاً من مقاتلي الحزب يتواجدون حالياً في هذه المنطقة وحدها، وقد نجحوا في احتلال قرى سورية عدة (أكوم- السماقيات- البجاجية- المصرية- السمكانية...) وهم يحاولون احتلال قرى جديدة هي: البرهانية- سقرجة- العقربية- أبو حوري- الخالدية- الأذنية- النهرية (قرى سورية سكانها من السنة)، إضافة إلى احتلالهم بلدة ربلة المسيحية على الحدود مع لبنان.
صناعة الفتنة
ليس سهلاً أن ينجح الحزب في إرسال شريحة واسعة من متفرّغيه ومتطوعيه (التعبئة) إلى جبهة قتاله الجديدة على الحدود مع سوريا، ليس لأن في ذلك انقلاب على أدبياته كلها، بما فيها أن سلاحه هو لحماية لبنان من العدو الإسرائيلي فقط، وإنما باعتبار حجم المخاطر التي يواجهها المقاتلون هناك أيضاً.
والواقع أن "حزب الله" يلجأ إلى تركيب شرعية القتال إلى جانب النظام السوري على أسس دينية، من قبيل؛ قتال "الأمويين الجدد"، و"الدفاع عن شيعة آل البيت"، و"حماية مقام السيدة زينب"، و"حماية مناطق الشيعة من العصابات التكفيرية"... وهذا المعطى بالذات هو أخطر ما في تورط "حزب الله" في الأتون السوري، سيما أنه جزء من دعاية مصدرها إيران نفسها، بدليل صدور مواقف إيرانية علنية في هذا السياق، وانتشار هذه الدعاية بالذات في مناطق شيعية في العراق(على سبيل المثال: تصريحات رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة الإيرانية حسن فيروز أبادي، وتصريحات الشيخ الإيراني المحافظ مهدي طائب...).
ويأتي "تشكيل لواء أبو الفضل العباس" (يضم نحو 1500 مقاتل وفق صحف غربية) ترجمةً عملية لهذه الدعاية؛ إن لجهة أهدافه، أو مناطق انتشاره (منطقة السيدة زينب أساساً)، أو لجهة المقاتلين متعددي الجنسيات الذين يضمهم ( لبنانيون وعراقيون بشكل أساسي)، مع الإشارة إلى أن نشاط هذا اللواء لا يقتصر على الجانب العسكري، وإنما يتعداه إلى الجانب الإعلامي أيضاً، حيث ينشر بين الحين والآخر مقاطع مصورة عن عملياته القتالية، فيما يؤكد بيانه التأسيسي أن مهمته الأساس: "حماية مقام مولاتنا وحبيبتنا السيدة زينب من هجمات التكفيريين والوهابيين وما يسمى بالجيش الحر وأعداء أهل بيت رسول الله"!. ووفق معارضين سوريين فإن متطوعي لواء العباس يأتون من لبنان والعراق؛ بعضهم عبر المعابر البرية، والبعض الآخر عبر مطاري دمشق وبيروت (شُيّع عدد من القتلى ممن ينتمي لهذا اللواء في العراق بصورة علنية في مناسبات عدة سابقة).
وفيما تتواصل حملات التطوع في هذا اللواء في لبنان والعراق، خطا "حزب الله"-العراق، و"عصائب أهل الحق" خطوة إضافية في إعلان تورطهما المباشر في الصراع الدائر في سوريا عندما تبنت المجموعتان، في الخامس من شهر نيسان الجاري، أربعة قتلى قضوا في منطقة السيدة زينب، بينهم قائد ميداني اسمه: أرفد محسن الحميداوي، إضافة إلى ثلاثة آخرين هم: مهدي نزيه عباس، وكرار عبد الأمير الفتلاوي، وكرار عبد الأمير عزيز. اللافت أن الصور وشريط الفيديو الذي نُشر على الإنترنت أكد مقتل زميل خامس لهم هو اللبناني علي جمال جشي، وهو نفسه الذي شيعه "حزب الله" في بلدة جويا الجنوبية (4/4/2013).
وإذ يواجه "حزب الله" معارضة متزايدة حالياً في مناطق نفوذه، استناداً إلى مواقف وفتاوى شخصيات شيعية تخالفه مقاربته الملف السوري، أمثال الشيخ صبحي الطفيلي، والسيد علي فضل الله، والسيد علي الأمين... إلا أن لا شيء يدل على تراجعه عن "دعاية الفتنة"، ولا عن القتال في سوريا.
مزيد من التورط
ليس هذا فحسب؛ فالواقع أن "حزب الله" حوّل قسماً من الأراضي اللبنانية في الهرمل إلى أرض عمليات لدعم جبهة قتاله المفتوحة باتجاه الأراضي السورية؛ منها يقصف مواقع "العدو" (مرتفعات الهرمل)، ومن خلالها يمد مقاتليه في سوريا بالمال والسلاح والذخيرة، وفوقها يقيم معتقلاً لأسرى "الجيش الحر" (بلدة القصر)، فضلاً عن تعاونه الميداني مع جماعة أحمد جبريل التي تقيم معسكرات لها في أعالي قوسايا البقاعية، لا سيما في دعم قواته وقوات النظام السوري في منطقة الزبداني (قصفت جماعة أحمد جبريل الزبداني ليل الأول من نيسان الجاري بالمدفعية الثقيلة لتخفيف الضغط عن قوات النظام والحزب في ترجمة عملية لموقف أعلنه أحمد جبريل في حزيران الماضي: "بحثنا الموضوع مع الإخوان في سوريا ومع السيّد حسن نصر الله ومع الأخوة في إيران. نحن جزء من المعركة").
ولـ "حزب الله" أيضاً معسكرات في البقاع يدرّب فيها الراغبين بالتوجه إلى القتال في سوريا، من لبنانيين وغير لبنانيين. ووفق "الجيش الحر" فإن نشاط هذه المعسكرات لا يتوقف، لكن الأخطر توارد التقارير الغربية عن نية إيران، وتالياً "حزب الله"، تدريب عشرات الآلاف من العلويين السوريين والشيعة اللبنانيين والعراقيين ليشكلوا ميليشيا تحفظ المصالح الإيرانية، وتثبت نفسها في معادلة ما بعد بشار الأسد (يُظهر فيلم نشر على اليوتيوب مؤخراً متدربين علويين يتحدثون عن نيتهم قتل مواطنيهم السنة واغتصاب نسائهم).
وسبق أن ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" (13/2/2013) أن "حزب الله" يعمل على تنفيذ مخطط إيراني لـ "تشكيل ميليشيات مسلحة من خمسين ألف عنصر على الأراضي السورية لحماية مصالحها في حال رحيل الرئيس السوري بشار الأسد". ووفق "وورلد تريبيون الأمريكية" (9/3/2013) فإن "حزب الله يدرب الآلاف في وادي البقاع اللبناني لقمع الثورة السورية" وأنه "أنشأ مواقع استطلاع ومراكز؛ نشر بعضها قريباً من مدن حدودية سورية بهدف توفير الحماية والسيطرة على الطريق الدولي السريع الذي يربط بين دمشق وحمص والساحل السوري". أما "التايمز" البريطانية (18/3/2013) فكشفت أن إيران و"حزب الله" يعملان على تأسيس "ميليشيا تضم آلاف المقاتلين في سوريا، وذلك استعداداً لمرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد".
أحدث العمليات العسكرية
في العمليات الميدانية في ريف القصير؛ يظهر أن الحزب يخوض معارك أشد ضراوة من ذي قبل، في محاولة منه لحسم السيطرة على ريف القصير كاملاً لصالحه، ويعتبر احتلال بلدات: البرهانية- سقرجة- العقربية هدفاً مرحلياً هاماً، الأمر الذي لم يتحقق له حتى الآن.
وفيما لا تزال المناوشات على خطوط التماس قائمة، تقوم مجموعات الحزب بنهب وتدمير ممتلكات "الأعداء"، إضافة إلى خطف سوريين بقصد الفدية، وثمة أكثر من حالة على هذا الصعيد، من بينها خطف 18 فرداً من أسرة واحدة من عائلة مندو، معظمهم نساء، في تلة مندو المحتلة (جنوب السماقيات)، ثم إطلاقهم في بلدة حاويك المحتلة من قبل الحزب مقابل 125.000 دولار، وذلك بتاريخ 4/4/2013.
من جهة أخرى يواجه الحزب ضغوطاً متزايدة من كتائب "الجيش الحر" التي تحاول صد توغل مقاتليه في المناطق السورية (شكّل الثوار السوريون في 23/3/2013 لواءً لحماية الحدود اللبنانية- السورية)، حيث تنفذ هذه الكتائب هجمات بين الحين والآخر على مواقع الحزب، لعل أظهرها المعارك التي جرت قبل أيام في منطقة جوسيه (الهجوم على موقع الـ 14)، حيث نجح الثوار السوريون من إعادة السيطرة على المنطقة، قبل أن يضطروا للانسحاب بعد تدخل سلاح المدفعية التابع للحزب من جهة (مرتفعات الهرمل)، وللنظام السوري من جهة أخرى (منطقة القلمون وقارة). وكان سبق هذه المعارك استهداف كتيبة الإمام علي بن أبي طالب التابعة لـ "الجيش السوري الحر" موكباً للحزب في 23/3 قرب معبر جوسيه؛ أثار لغطاً حينها، حول حجم ونوعية خسائر الحزب فيه.
كما سجلت الساعات الماضية مكمناً محكماً للثوار في منطقة ريف القصير، حيث سقط عدد كبير من عناصر الحزب قتلى وجرحى أثناء محاولة تقدمهم نحو القرى التي يسيطر عليها "الجيش الحر"، وقد نُقل عدد من الضحايا والجرحى إلى غير مسشفى في لبنان، لا سيما مسشفى "الرسول الأعظم" في الضاحية الجنوبية.
في السياق عينه تشهد في الفترة الأخيرة أحياء دمشقية عدة انتشاراً علنياً لمقاتلي لواء العباس، على ما أفاد فارون من القتال، وذلك إثر ازدياد المعارك في هذه المنطقة، وتمكُّن الثوار السوريين من تكبيد عناصر لواء العباس خسائر فادحة في الأرواح. ووفق جماعة "الأخوان المسلمين" ومصادر أخرى، فإن الحزب يخوض معارك نشطة في حمص وريفها أيضاً.
سجل الضحايا
ليس ثمة شك في أن سجل ضحايا الحزب جراء "إلقاء النفس" في الأتون السوري بات كبيراً. الأسماء المعروفة أو المعلنة ليست كل الحقيقة، فبعض القتلى يدفنون في الأراضي السورية نفسها، وبعضهم يدفنون سراً في لبنان.
- ومنذ أن أعلن الحزب مقتل علي حسين ناصيف المعروف بأبي العباس في سوريا بتاريخ 30/9/2012؛ ثمة لائحة طويلة من القتلى عُرف منهم: حسين عبد الغني النمر (7/10/2012)- حيدر محمود زين الدين (1/11/2012)- باسل حمادة (10/11/2012)- ربيع فارس (1/2/2013 من بلدة كفركلا)- حسين محمد نذر (2/2/2013 من بلدة عربصاليم)- حسين هيثم البوداني (6/3/2013 من بلدة علي النهري)- محمد حيدر (15/3/2013)- حسن الشرتوني (16/3/2013 من بلدة ميس الجبل)- مهدي نزيه عباس (2/4/2013 من بلدة كوثرية السيّاد) - جمال الجشي (4/4/2013 من بلدة جويّا)- حسن ناصر الدين (7/4/2013 من الهرمل) - محمد حيدر حيدر (7/4/2013 من بلدة اللبوة)- حمزة ابراهيم غملوش (شُيع الاثنين 8/4 في روضة الشهيدين)-، هذا فضلاً عن أعداد أكبر من الجرحى والمعاقين.
غير أن الضحية الأكبر من هؤلاء جميعاً – مع الاحترام الكامل لما يعنيه الموت لأهلهم- هي "حزب الله" نفسه، الذي نحر نفسه في العالم الإسلامي ولدى الشعوب العربية ولدى الشعب السوري على وجه التحديد. ليس ثمة خسارة تلقاها الحزب أكبر من هذه الخسارة خلال السني الثلاثين من عمره. والمؤسف أكثر أن الحزب يورط معه أيضاً الشعب اللبناني، وعلى وجه التحديد الشيعة.
ثمة نداءات متكررة أصدرتها التشكيلات السورية، سياسية وعسكرية، للحزب كي يعيد النظر في سياسته (على سبيل المثال: نداء "المجلس الوطني" في شباط الماضي- "نداء اللحظة الأخيرة" لـ "القيادة المشتركة للجيش الحر" في الشهر نفسه...)، لكن لا يبدو أن شيئاً تغير إلا نحو مزيد من التورط في الأتون السوري، وكثير من التبريرات التي لا تسمن ولا تغني من خوف على انزلاق لبناني أخطر في القضية السورية، لا سيما الشق الدموي منها.
0 comments:
إرسال تعليق