الجمعة، 12 أبريل 2013

"العرّافة" لعون: طريقك مسدود مسدود مسدووود

علي الحسيني

منذ كان ضابطاً صغيراً وحلم الرئاسة لم يفارق مخيلته لحظة، حاول بشتّى الطرق الوصول إلى حلمه لدرجة فأرتكب جميع المعصيات والمحرّمات لكن أن الفشل كان حليفه الدائم وصديقه الصدوق لدرجة القسم على السير معاً في رحلة عمر لم يكن للنجاح مكان على متنها فأستحقت حمل عنوان "رحلة جنرال سكنه الوهم" لكثرة الخيبات والإنكسارات التي رافقتها.

الزمن في عجلة من أمره، وكذلك جنرال الرابية، الأول يريد الوصول إلى بر الأمان بأقل الأضرار الممكنة، والثاني همه الجلوس على كرسي الرئاسة بشتى الوسائل الممكنة والغير ممكنة، خمسة وعشرون عاماً مضت على إنقلاب النائب ميشال عون على الشرعية والحال عنده واحد لم يتغيّر وبقى الحلم مجرد وهم، في ذاك اليوم تحّكم مهووس الرئاسة بالبلاد وأدار فوهة مدفعه نحو العباد لينتهي به المطاف نزيلاً من الدرجة العاشرة في ملجأ السفارة الفرنسية في العاصمة بيروت التي كان سبق له أن هدد بمحوها للمرة السابعة.

طيلة مكوثه خارج البلاد ظل يحلم بيوم يعود فيه فاتحاً مظفّراً على ظهر جواد وإذ بصفقة مذّلة تُعيده خاضعاً خانعاً، أبرم الإتفاقيات الجنابية في إعتقاد منه أنها الطريق الأفضل والأقصر إلى قصر "بعبدا" فكان واهماً، طرق أبواب السفارات وجال معظم البلدان، فعاد خائباً، لم تنفعه المصالح المشتركة مع حارة حريك وسيدها ولا إصطحابه لصهره في زيارات دينية سياسية إلى دمشق ولقاءاته المتكررة ببشّارها ولا حتى محاولاته المتكررة لإحتياله على الزمن الذي نقش بدوره تجاعيد الخيبة على وجهه رغم محاولات مشرط التجميل المتكررة لكن هل يُصلح العطّار ما أفسده الدهر؟.

بعد سنوات طوال من المحاولات الفاشلة وإتكاّله على السياسة كحلّ وحيد للوصول إلى حلمه الساكن فس "بعبدا" أو حتى إلى نافورة مياه القصر الخارجية، خضع الجنرال عون أخيراً لرغبة راودته منذ أصبح العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فقرر دعوة إحدى "العرّافات" الشهيرات في لبنان والمعروفة بـ"لطفها" علّها تنصحه وتُرشده إلى الطريق الأقصر للجلوس على الكرسي، فأعد عدّته لجلسة طويلة تنتهي بحسب أوهامه بالتحضير لخطاب القسم.

على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة كان الحوار بين الجنرال والسيدة "اللطيفة" يشتد أحياناً وتخف وتيرته أحياناً أخرى، فلا يشغل بال الرجل سوى سؤال واحد واضح وصريح، كم هي نسبة نجاحي في الوصول إلى الرئاسة الاولى؟. لكن السؤال بحد ذاته صعب، والبحث عن جواب شاف له ربما يحتاج إلى لقاءات مكثّفة مع سحرة فرعون، ولهذا فأن أي إجابة محددة لم تخرج عن لسان جليسته التي يبدو أنها في تلك اللحظة قررت أخذ الحديث إلى مكان أخر فأعادته إلى السياسة حيث يكره الحالم. "الله يلعن السياسة، لشو أنا جايبك لهون لنحكي بالسياسة"؟. تحاول إضفاء نوعاً من الجديّة على الجلسة، فتنبهه من غدر بعض المقربين، يرد عليها بمزحة مبطّنة، شو قصدك الصهر؟ يبتسم فتبتسم له وجوه الحاضرين، ترد "العرّافة" لا جنرال مش لـهلدرجة.

ساعة تلو الأخرى، التوتّر يزداد، والحالم أرهقه السهر وبدأ يشعر أن كل الأبواب أصبحت موصدة في وجهه، لكن السيدة "اللطيفة" بدأت تُهدّء من روعه وبما أنه مشهود لها بكثرة التسبيح بالله خلال إطلالاتها الإعلامية، قررت الإستدارة في حديثها لكن هذه المرّة نحو الدين والموعظة الحسنة علّها تفلح في تهدئة الحوار، تدعوه إلى عدم فقدان إمانه بالله والإكثار من الصلاة لما لها من فوائد نفسية وصحية في حياة الإنسان إضافة إلى الامل الذي تمنحه إياه، في تلك اللحظات بدأ الجنرال يشعر بقوّة خفية تشدّه لإقامة صلاة الفجر حاضراً وجماعة، لكنه يتنبّه إلى أن الواعظ هذه الليلة هو ليس الحاج غالب المكلّف بهداية جنرال الرابية.

إنتبه على صحتك كلمة لا يستسيغها الجنرال فهي تشعره وكأنه في حال خطر خصوصاً وأنه من الأشخاص الذين يتباهون بقوتهم الجسدية وكم من مرّة أضطر لأن يؤكد لعدد من الأصحاب أنه لم يلجأ يوماً إلى إستعمال المنشطات على كافة أنواعها. يطلب من "العرأّفة" عدم الدخول في هذا الموضوع لأنه بحسب رأيه، هو من إختصاصها، فكل ما يطلبه هو الإجابة عن سؤال واحد سبق أن طرحه عليها، " كم هي نسبة نجاحي في الوصول إلى الرئاسة الاولى؟ أنا أطلب منك أن تعطيني نسبة النجاح فقط، رغم أن هناك من أكد لي بأنكأنه يمكنك الإجابة بنعم أم لا.

في الدقائق الاخيرة من عمر الجلسة المنعقدة بدأت السيدة تشعر بالإنزعاج من بعض كلمات خرجت من فم الجنرال أعتبرتها خارجة عن سياق الحديث، ربما لشعهوره بفقدان الأمل في الحصول على جواب شاف لسؤاله اليتيم. فأخبرها أنه أرسل بطلبها فقط لكي يتسلىّ قليلاً لأن إيمانه المسيحي يمنعه عن تصديق "البصّارات"، ألم يقل دينكم كذب المنجمون ولو صدقوا؟ تجيبه، نعم لكنني لست منجّمة فأنا أتوقع فقط، وإما أن أصيب أو أخيب، ومع هذا أعتذر منك جنرال، فقد تأخر الوقت وعليّ العودة إلى منزلي".

إنتهت الجلسة والجنرال لم يحصل لا على حق ولا باطل وهذا يعني أن الرئاسة ستبقى حلماً معلّقاً بين السماء والأرض، إلاّ أن كلام أخير نطقت به "العرافة" للشخص المكلّف مرافقتها حتى الباب الخارجي وإعطائها ظرفاً مغلقاً، "أرجو منك أن تخبره بأن طريقه إلى "بعبدا" مسدود".

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية