الجمعة، 2 ديسمبر 2011

"كأس مرة" جديدة



الذهول الذي أصابنا به قرار الحكومة اللبنانية تمويل المحكمة الدولية عبر مجلس الإنماء والإعمار يجب ان لا يحجب حقائق أخرى حملها القرار.

فالحكومة اللبنانية التي يملك "حزب الله" غلبة فيها، قررت دفع مستحقاتها للمحكمة الدولية التي أصدرت قراراً ظنياً يتهم مسؤولين وعناصر من "حزب الله" باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري!

لنا هنا ان نتخيل الحال التي أصابت المتهمين نتيجة قبول حزبهم تمويل محكمة تتهمهم وتطلب محاكمتهم. ولنا ان نتخيل عائلاتهم وأقاربهم وان نتخيل مستقبلي خطب الأمين العام لـ"حزب الله" المتتالية عن عدم اعترافه بالمحكمة وعدم قبوله بقراراتها.

هل هي عينها "الكأس المرة" التي قال ذات يوم الامام الخميني انه "لا بد من تجرعها"؟ ففي حينها كان الثمن اعلان قبول ايران بنهاية الحرب العراقية - الايرانية، اما اليوم فلنتأمل بالثمن الذي سيتقاضاه "حزب الله" نتيجة قبوله بتمويل المحكمة.

في الشكل، الثمن يتمثل في بقاء حكومة نجيب ميقاتي على قيد الحياة. لكن لنتأمل أيضاً في الأثمان المتتالية التي ما برح الحزب يدفعها لحماية نصاب سياسي أمنته له غلبته الأمنية والعسكرية، ولحماية "وهم الهيمنة" التي يفترِض انه يفرضها على التركيبة اللبنانية.

لقد دفع الحزب أثماناً في كل الاتجاهات نتيجة هيمنته على الحياة العامة في لبنان. أثماناً ابتذلت خطابه وموقعه وصورته، وأهانت ذكاء جمهوره. وهذه الأثمان تلغي المكاسب المقابلة وتضعف مقولة هيمنته.

وهنا عرض سريع لبعض هذه الأثمان:

- قبوله بتمويل المحكمة الدولية، وما ينطوي على هذا القبول من اعتراف بها يلغي حجة رئيسة كان يواجه بها قرارات المحكمة، وتتمثل في توقيع حكومة "غير شرعية" على قرار انشائها. اما اليوم فقد تولت تمويلها حكومة يشترك فيها الحزب، لا بل يتولى حمايتها، مما يعني سقوط الحجة التي أسس عليها خطاب رفض المحكمة.

- تنازله عن مقعد في الحكومة لمصلحة الطائفة السنية. وهذا الثمن وان كان هزيلاً الا انه يبقى ذا قيمة في العلاقات التبادلية بين الطوائف.

- اضطراره للصمت حيال قضية هي في صلب خطابه التعبوي، هي قضية ادانة العميد فايز كرم بالعمالة لاسرائيل، وما نجم عن هذا الصمت من تصدع في خطاب التخوين، وهو سلاح الحزب الأثير في الحياة العامة في لبنان.

- ابتلاعه جرعات كراهية كشفتها وثائق "ويكيليكس" حقنه بها أقرب حلفائه، بدءاً برئيس مجلس النواب نبيه بري ووصولاً الى العشيق المستجد ميشال عون. وكانت أهون شرور "ويكيليكس" وثيقة الرئيس نجيب ميقاتي، الرجل الذي جلد الحزب نفسه من أجله في قبوله التمويل. ونعني بها الوثيقة التي قال فيها ميقاتي ان "حزب الله" ورم في الجسم اللبناني، ثم عاد وأوضح انه كان يعني انه "ورم حميد".

المرارة الأكيدة التي تذوقها الحزب نتيجة مسلسل الأثمان هذا، والتي يبدو انها ضرورية لـ"وهم هيمنته"، أفقدت هذه الهيمنة قيمتها ووظيفتها. فأي هيمنة على الحياة العامة هذه التي يُجبر صاحبها على القبول بتعرضه للمحاكمة، وعلى قبول كارهيه وعلى التنازل عن خطابه والتواطؤ على نفسه.

هذه الهيمنة أمنت حتى الآن للحزب هدفاً واحداً، يتمثل في اضعاف خصمه الوحيد، أي "تيار المستقبل". نعم الخصم الوحيد، بعد ان سبق للحزب ان فقد عدوه على الجبهة الجنوبية ثمناً لانقاذ سورية في العام 2006.

فكم يبدو الانجاز ضئيلاً قياساً بالإثمان.

حازم الأمين

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية