الاثنين، 30 يناير 2012
بعد إعلان «المجلس الوطني» تَصوّره لمستقبل العلاقة مع لبنان وترحيب 14 آذار: الثورة السورية نموذج حديث لـ الثورات «الشاملة»!
3:06 م
اضف تعليق
فادي شامية
خلافاً لبقية الثورات العربية فإن الثورة السورية مرشحة لأن تكون "ثورة شاملة"؛ وهي صفة تُطلق على الثورات عندما يصل حجم التغيير إلى إسقاط النظام كله، وتغيير "الإيديولوجيا"، والقيم المجتمعية السائدة، وإحداث تأثيرات كبيرة على الإقليم أو العالم. وهذا أمر لم يكن لتصل إليه الثورة السورية، لولا شدة القمع، وطول مدة الحراك الثوري؛ باعتبار أنها الأكثر قمعاً عربياً، والأطول مدة بين أخواتها في ثورات "الربيع العربي".
تغييرات شاملة في سوريا
على هذا الأساس؛ فإن ما يطرحه ثوار سوريا اليوم ليس مجرد إسقاط حاكم أو تغيير نظام، وإنما هدم ثقافة "البعث" كلها، وتغيير "إيديولوجيا" النظام والمجتمع والمؤسسات الأمنية والعسكرية كلها-وهذا أمر حاصل راهناً حتى قبل انتصار الثورة، أقله على مستوى المجتمع-. هذا الشمول في التغيير لم يسبق أن حدث في أيٍ من بلدان "الربيع العربي"-اللهم إلا في ليبيا نسبياً-، ذلك أن حزب مبارك مثلاً، لم يكن حزباً عقدياً بقدر ما كان حزباً سلطوياً، والأمر نفسه ينطبق على حزب بن علي، خلافاً للحالة في سوريا، إذ تصل "أدلجة" الشعب إلى مناهج التعليم في مراحله كافة، وبشكل إلزامي.
ويمكن أن يقال الوصف نفسه عن الجيش السوري، لجهة تغيير عقيدته من الولاء للحاكم إلى الولاء للوطن، ومن "إيديولوجيا البعث" إلى "الحياد الإيدولوجي" وحصر عمله بـ "حماية الديار"، وتغيير التركيبة الطائفية لكبار الضباط، وصرف بعضهم، وترفيع آخرين (ضباط "الجيش السوري الحر"). بمعنى آخر؛ إن سوريا مقبلة حال انتصار الثورة على ما يشبه بناء جيش من جديد، حتى على مستوى التسليح والتدريب –المرتبط راهناً بروسيا وإيران إلى حد كبير- وهو ما لم يحصل في مصر أو تونس، أو حتى في ليبيا، التي لم يكن فيها جيش بالمعنى التقليدي أصلاً.
يضاف إلى ذلك أن سقوط نظام الأسد يعني على المستوى الإقليمي نهاية ما يسمى "محور الممانعة"، إذ لن يبقى فيه سوى إيران، سيما أن تركيا وقطر باتا بعيدين كلياً عن مرحلة "التعاطف السابق" لبعض طروحات هذا المحور، بل انتقلا إلى دائرة الخصومة الشديدة للنظام.
كما أن الحال في لبنان لن يبقى على ما هو عليه بعد سقوط نظام الأسد، والأمر نفسه يسري على الوضع في العراق، وهذا أيضاً وأيضاً لم يحدث لا في تونس ولا في ليبيا ولا في اليمن، وحتى في مصر، لم يحدث أن انهارت منظومة ما يسمى "الاعتدال"، وإن كان أحد رموزها الكبار؛ حسني مبارك، قد سقط.
ووفق ما تقدم؛ فإن تغيير آخر أنظمة "البعث" يعني تغييراً شاملاً في النظام، وفي الثقافة السياسية، وفي العلاقات الإستراتيجية... وتغييراً لوجه المنطقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ انهيار التحالف الإستراتيجي القائم تاريخياً بين سوريا-الأسد وإيران-ولاية الفقيه، وقطع الصلة بتوابعه في المنطقة لا سيما "حزب الله"، وانقلاب هذه العلاقة إلى ضدها، ويسري الأمر نفسه على العلاقة مع روسيا، إضافة إلى تأثيرات كبيرة على دول الجوار، وترتيبات جديدة داخل سوريا نفسها فيما يتعلق بدخول الوافدين إليها، وجنسياتهم وانتماءاتهم، ومعاقبات كثيرة لمن تورط في الدم السوري أو دعم المتورطين، ما يعني تعرض طبقات كاملة للمساءلة عن موقفها إبان ثورة؛ تكاد تكمل عاماً كاملاً من العمر، بكثير من الدماء!.
ولأن قمع الثورة يدفع نحو تجذرها "إيديولوجياً" -بغض النظر عن طبيعة هذه "الإيديولوجيا" (شيوعية، قومية، دينية...)، فإن ما تشهده سوريا -من خلال إطالة أمد الثورة- هو سير حثيث على مستوى الشارع نحو "الأدلجة"، لدرجة اختفاء شعار "لا أخوان ولا سلفية"، الذي رُفع في بدايات التظاهر، لصالح ترديد شعارات وكلمات معروفة بنسبتها لـ "الأخوان المسلمين"، إضافة إلى توجيه التحايا في التظاهرات لرموز دينية (الشيخ السلفي عدنان العرعور مثلاً)!، فضلاً عن صبغ أسماء الجُمَع والهتافات بالصبغة الإسلامية...وإحياء ذكرى مجزرة حماة 1982، كحدث وطني ثوري، تشارك فيه كل التيارات الثائرة. وبهذا المعنى أيضاً فإن تنامي نفوذ الإسلاميين، -بعد أن كان في الحضيض-، في شعب متدين أصلاً، يزيد من شمولية الثورة!.
... وتغييرات في لبنان وفي علاقاته مع سوريا
قبل أيام سرت أخبار كثيرة عن وجود عناصر من "حزب الله" في الزبداني تقاتل إلى جانب النظام، وقبلها سرت أخبار عن إطلاق "حزب الله" صواريخ على البلدة المذكورة، وقبل أشهر نقلت تنسيقيات الثورة أخباراً مشابهة. قد تكون هذه الأخبار غير مؤكدة، بل هو الأرجح، لا سيما فيما يتعلق بإطلاق صواريخ من لبنان، لأنه لا يمكن إخفاء أمر كهذا، لا في لبنان ولا سوريا، لكن المؤكد هو أن الشعب السوري الثائر بات يصدق ما لا يُصدق –سلباً بالطبع- عن "حزب الله"، وهذا يعني انقلاب علاقة الشعب السوري الثائر مع "حزب الله" من الاحترام والتأييد إلى العداء والتنديد، وهذا يعني لبنانياً، في ظل معادلة "الحزب- الطائفة"، أن الأمر سيتسبب لاحقاً بإرباكات كبيرة في علاقة النظام السوري الجديد مع طائفة كاملة من الطوائف اللبنانية، ما سيحتاج إلى مضي وقت ليس بالقليل حتى يُعالج.
هذا ليس كل شيء، ذلك أن التغيير في سوريا سيؤدي إلى تأجيج العلاقة المتأزمة بين اللبنانيين، والتي تأخذ –بحكم الواقع المطيّف راهناً- الشكل المذهبي، وهو ما نراه اليوم محصوراً في الإطار السياسي... وعسى أن يبقى كذلك.
أما الأخطر -وهو احتمال ليس قوياً ولكنه موجود- هو أن تخاطر إيران بإشعال مواجهة بين "حزب الله" و"إسرائيل"، بحيث ينتقل المحور السوري-الإيراني (طالما أن لبنان جزء من هذا المحور كما أكد قائد فيلق القدس قبل أيام) من الكفاح لإخماد ثورة شعبية يسميها هو مؤامرة، إلى القتال في مواجهة عدو، لا مراء في عداوته.
ودون ذلك؛ أمور أصغر كسقوط الحكومة الحتمي حال سقوط النظام السوري، وعودة الأغلبية النيابية إلى وضعها ما قبل التهديد باستخدام السلاح، وتعديل في موازين القوى اللبنانية، وغير ذلك من تداعيات الزلزال السوري.
بالمقابل؛ فإن لانتصار الثورة السورية إيجابيات كبيرة على لبنان؛ لجهة حل إشكالات لا يمكن حلها بوجود نظام الأسد ولو بعد عشرات السنين، وتأتي في طليعة هذه الإيجابيات، حسم مأساة المفقودين أو المسجونين اللبنانيين في السجون السورية، لجهة إطلاق سراح الموجودين، وحسم مصير المفقودين، ويلحق ذلك مسألة لا تقل أهمية على صعيد تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة، من خلال تقديم السلطات الجديدة في سوريا ما يلزم لإثبات لبنانية مزارع شبعا، وتالياً خضوعها للقرار الدولي 425، ما يعني تحريرها وفق الأمم المتحدة، وإلا فبالمقاومة المسلحة، التي لا يمكن التشكيك – دولياً- بشرعية نشاطها إذاك... وثالث هذه الملفات الكبرى ترسيم الحدود نهائياً، بما ينعكس إيجاباً على العلاقة بين البلدين الشقيقين، وغير ذلك كثير من الملفات العالقة؛ وعلى رأسها؛ إعادة النظر بالاتفاقات الموقعة بين البلدين، ومشكلة المناطق العسكرية المسماة فلسطينية والموجودة على الحدود بين لبنان وسوريا.
وإذا كان ما سبق؛ قد بقي في إطار "الآمال" التي تُناقش في المجالس الضيقة، فإن الفضل يعود إلى "المجلس الوطني السوري" في جعل هذه "الآمال" وعوداً يلتزم بها في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وفق ما صدر عن مكتبه التنفيذي يوم أمس لجهة "إعادة النظر في الاتّفاقات الموقّعة بين البلدين في سبيل التوصّل إلى اتّفاقات جديدة تراعي مصالح كلّ من البلدين من جهة، والمصالح المشتركة بينهما من جهة ثانية، فضلاً عن تركيز العلاقات بين البلدين والدولتين في إطار التمثيل الدبلوماسي الصحيح على مستوى سفارتين وإلغاء المجلس الأعلى اللبناني – السوريّ، وترسيم الحدود السوريّة – اللبنانيّة، ولا سيما في منطقة مزارع شبعا، وضبط الحدود المشتركة بين البلدين، وإنهاء الدور الأمني - المخابراتي، سواء التدخّل في الشؤون اللبنانيّة، أو تهريب السلاح لجعل لبنان ساحة تتنافى ومبادئ الكيان والدولة والقانون، فضلاً عن تشكيل لجنة تحقيق سوريّة - لبنانيّة مشتركة لمعالجة ملفّ المعتقلين والمفقودين اللبنانيّين في سجون النظام".
ربما يعتبر البعض أنه من المبكر الحديث عن مرحلة ما بعد انتصار "ثورة الكرامة السورية". قد يكون ذلك صحيحاً، لكن الأصح أن هذه الثورة -بالمواصفات التي استجمعتها- لا يمكن إلا أن تنتصر، طال الزمن أو قصر، وأن سوريا الجديدة، لن تشبه بحال "سوريا-البعث"، وأنه من المفيد –والحال هذه –أن يكون اللبنانيون على بينة بأهمية الحدث-الزلزال الذي يقترب منا حثيثاً، بغية التعاطي الجيد مع الإيجابيات المتوقعة، وتلافي قدر الإمكان المحاذير المحتملة!.
0 comments:
إرسال تعليق