السبت، 21 أبريل 2012

عونيّون بلا ربيع

::أمجد إسكندر:;
"الجمهورية"

تقصد ميشال عون ليداويك من داء القرحة، فيعقد حاجبيه، ويوجّه ناظريه إلى معدتك، وينهال عليها بالصراخ، لاعناً مرض القرحة وشاتماً مساوئه. تخرج وقد كسبت عطفاً، وخسرت صحّة. هذا "المسيحي" أصاب الروح المسيحيّة بأضرار جسيمة عندما عمّم ثقافة الكراهية والعداوة. أنت "عونيّ"، إذاً أنت "عدوّ" لشخص، أو "كارِه" لحزب، وفي الغالب "ناقم ومنتقم " من شخص، ومن حزب. لا وجود "للعونيّة"، ولا مبرّر لها، إذا لم تختلق "عدوّاً". ويجب ألّا "يحبّ العوني أعداءه"، لأنّ المحبّة تلغيه سياسيّاً. النازيّة تعيد إنتاج نفسها. إذا ما انتهى من افتراس تاريخك، يترصّدك "العونيّ" في نيّاتك المستقبلية. أنت بالنسبة إليه شرّ من التاريخ، وخطر على المستقبل. أمّا حاضرك، فمحطّة بين جريمة ارتكبتها ماضياً، وأخرى تخطّط لها مستقبلاً. قلْ له "ماذا فعلت اليوم؟" يَقُل لك "لقد أورثتني أخطاء الماضي". قل له، "ماذا ستفعل غداً"، يَقُل لك، "وهل أنت تتركني لأعمل اليوم"؟ منطق مقفل وعقيم. ومن سهام عون التي أصابت الروح المسيحيّة، نظرية "الكفّ النظيفة". هذه النظريّة دحضها الإنجيل عندما تكلّم يسوع على "القبور المكلّسة". رخام جميل، يخفي الديدان والأفاعي، كما قد تخفي النظافة الخارجيّة تلوُّثاً في الروح وبشاعةً في النيّات وهدماً عبثيّاً. كلّ عونيّ هو الأفضل. لأنّه: نظيف الكفّ. مبدئيّ. متطهّر. العونيّون "سكارى" الأفكار عامّة، وإن سبقهم اليها الأم تيريزا وهتلر في آن واحد. وشتّان ما بين الأم تيريزا و"العونيّة". أمّا النازية فتندب زمن السلع غير الأصليّة. ويقصد "العونيّون" بالنظافة، أنّ كفّهم لم تتلطّخ بدم أو بمال. أمّا كم سالت دماء، وكم خسر المسيحيّون من مال، ومن سلطة بسبب "سياستهم"، فليس أمراً يوجب المحاسبة، لأنّهم قاموا بما قاموا، بـ"كفّ نظيفة"... وبدم بارد! عشت طفولتي في بسكنتا، ولا أزال أذكر هذه الحادثة. وصل ابن بسكنتا مخائيل نعيمة إلى منزل فلّاحة على حين غرّة، فخجلَت واعتذرَت عن مصافحته، لأنّ كفّها خشنة وأصابعها مشقّقة وتحت أظفارها تراباً. قال لها نعيمة:" أنا من يجب أن يعتذر منكِ لأنّ كفّي ناعمة... ونظيفة".

أوديب لبنان

غداً، لن يبقى من عون في التاريخ، إلّا ثلاث "مآس يونانيّة" ستدمغ جبين "أوديب" الذي قتل أباه، أي لبنان الـ 43. المأساة الأولى أنّه شنّ حرباً على الجيش السوري، في أفضل توقيت دوليّ لسوريا، ليزيد خسائر المسيحيّين بعدما وعدهم بالنصر السياسيّ قبل العسكري. والمأساة الثانية أنّه يوم اندفع التاريخ مصحّحاً مساره في العام 2005، أخذ عون المفترق التاريخي القاتل مرّة جديدة، فتحالف مع "حصان طروادة"، وتوالت الاغتيالات، وساد شلل المؤسّسات والانقلابات الحكوميّة. والمأساة الثالثة، أنّه يوم ثار الشعب في سوريا... ناصر عون النظام الاستبدادي. هذا كلّ ما سيذكره التاريخ عن عون... حتى كتابة هذه السطور. لن يتوقّف أحد عند صراخه ضدّ الفساد، أو عند استحضاره الساذج للمؤامرات الكونيّة، أو عند اعتباره البطريرك صفير مصاباً بالخرَف، وأنّ كلّ من انتمى إلى القوات اللبنانية "ابن شارع""، وأنّ رفيق الحريري عميل. "العونيّون" يحبّون فكرة الاستشهاد، شرط أن لا يموتوا، أو يعانوا ما عاناه مروان حماده، والياس المر، ومي شدياق. "العونيّة" ليست عدوّة الأحياء فقط. مع العونيّين، لسان حال من اغتيل يقول: "حتّى على الموت لا أخلو من الحسد". لو يوم عاد عون من باريس، مشى وراءَه، وأُشدّد على كلمة وراءَه، سمير جعجع وأمين الجميّل وسعد الحريري وسائر شخصيّات 14 آذار، وهم يهمسون في أذنه أنّهم سيعيدونه إلى القصر الذي خرج منه "على عجل"، لو حدث ذلك، أكان هو اليوم حليف ميليشيا "حزب الله" وجيش نظام الأسد؟ "من لا قضيّة له" وحده يمكنه أن يفعل ذلك، وهو يواصل الصراخ لأنّ قوى كونيّة تقف ضدّه في تعيين موظّف رسميّ، أو في انتخابات مقعد متنيّ، نافسه فيه أب لشهيد وأخ لشهيد وعمّ لشهيدة. "أوديب" يضرب هذه المرّة، من فتح له طريق السلطة.

زمن العواء السياسي

عون كان ضدّ "المحسوبيّات العائلية" في معركة المتن. لكنّه في البترون مع صهره. في الحكومة مع صهره. في التيّار مع صهره. وفي تلفزيون التيّار مع صهر آخر. على علّات صيغة الـ 43، كان فيها لياقات. كميل شمعون وكمال جنبلاط كانا على خصام، وكان زمن: "حدّة في السياسة. أناقة في المواقف". الصراخ بما يشبه العواء السياسيّ، جاء بعد زمن. الصراخ في السياسة لا يزعج الأذن بل يعمي العين، ويعكس الرؤية. بعد انسحاب إسرائيل، أصبح "حزب الله" مقاومة. يوم كانت إسرائيل محتلّة كان "حزب الله" ميليشيا. "العونيّة" التهاب الجرح الناجم عن افتقاد المسيحيّين فكراً واضحاً. يوم كان لبنان محتلّاً من جيشين سوري وإسرائيلي، وتسوده عشرات الأحزاب والحركات المسلّحة الفلسطينية واللبنانية، وجد قائد الجيش اللبناني ورئيس الحكومة الانتقالية، علّة العلل في القوات اللبنانية التي كان مرّة نصيراً لها. فكر النازيّة ساد وطغى. ألوف الشبّان أصبحوا "عملاء" لسوريا وماتوا في معارك السرقة. ألوف الشبّان لم تحسن عائلاتهم تربيتهم، ويجب إلغاؤهم سياسيّاً أو أخلاقيّاً أو جسديّا. يجب إلغاء القوات لأنّ هناك مَن أخبره أنّ جاره "القواتي" تَطاوَل عليه وصادر موقف سيارته. مواقف تاريخيّة سببها مواقف السيارات، ورسوم الحوض الخامس. مواقف تاريخية قامت على استعمال أضعف سلاح لديه ضدّ أقوى سلاح لدى خصمه. المدفع مع الجيش السوريّ والحسابات الاستراتيجية مع القوات اللبنانية.

المسيحيّون في لبنان سيف بين حدَّي "الأمّية السياسية" والحقّ. متى ينتهي زمن الفكر السياسي القاحل والرافض لزهر الربيع؟ يحلو للمسيحيّين التغنّي بأنّ هِممهم كقمم جبالهم. ولكن كلّ قمم جبالنا قاحلة وجرداء، ويستعصي عليها زهر الربيع. سئمنا القمم.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية