السبت، 21 أبريل 2012

بالعربي الصحافة والإستهداف

وكأن قدرنا نحن، معشر أحباب القلم وأهله وأربابه، ألا تجف منا الدماء، بسبب الرأي السياسي الحر، أو المناهض للواقع السائد. ضريبة الدم، كتب على الصحافة اللبنانية أن تدفعها حتى يبقى لبنان، لبنان الوطن، منسجم مع تاريخه، حتى يبقى يوصف بواحة الحريات، يتعين أن يقدم لأجل ذلك ثمناً باهضاً.

تاريخ الصحافة والرأي الحر في لبنان كبير وحافل، نستعرضه في غير مقالة، أم الحدث اليوم، ولو بعد أسبوع، فاستشهاد المصور في قناة الجديد "علي شعبان"، والأحدث، محاولة إغتيال الناشط السياسي والصحافي مصطفى مصطفى جحا، بتعرضه لاطلاق نار على سيارته على اتوستراد الدامور، جنوب بيروت، ليل السبت في الرابع عشر من نيسان الحالي.من قبل مجهولين كانوا يطاردونه وهو في طريق عودته الى منزله... فأصيبت سيارته بخمس رصاصات على واجهتها الأمامية.

مرت الرصاصات على بعد سنتيمترات قليلة من رأسه. إذ تجاوزته سيارة فجأةً بالقرب من منزله وأطلقت عليه النار بشكل مفاجئ... فنجا بأعجوبة مما لم ينج منه والده المفكر مصطفى جحا الاب. عن الحادث قال جحا:"لقد دفعنا الدم في سبيل قضيتنا، ولن تثنينا رصاصة أو رصاصتان أو خمس عن متابعة المسيرة".

الخامس عشر من كانون الثاني من العام ألف وتسعماية وإثنين وتسعين، إغتيال الصحافي والكاتب مصطفى جحا، بعده بعشرين عاماً وثلاثة أشهر، محاولة إغتيال نجله مصطفى. بعد عشرين عاما من الإغتيال لمصطفى الأب، لا يزال الملف فارغاً، ما دفع بإبنه لعقد مؤتمر صحافي في السادس عشر من كانون الثاني الماضي، وإعلان إعادة فتح ملف الإغتيال.

قد لا تتفق مع رأي مصطفى جحا، الإبن أو الأب، قد تعارض أو ترفض أو تنأى بنفسك عن الرد، ولكن ما هو مرفوض أن يكون إختلاف الرأي مبرراً لإلغاء الرأي الآخر، هذا ما هو مرفوض بالمطلق.

من غير المقبول أن تسكت الأصوات التي تنادي برأي آخر في بلد الحريات، من غير الواقعي أن يكون الجميع بفكر واحد ورأي واحد ومنطق واحد، من غير المسموح الإفلات من العقاب، من المعيب اللجوء إلى الأمن الذاتي في زمن الدولة، من العار إعتماد أسلوب القتل السياسي، أياً تكن الأسباب.ومن غير المطلوب أن يتحول الصحافي من ناقل الخبر، ومحلله ودارسته، إلى أن يكون هو الخبر، جثة محمولة على الأكف!

بيانات الإستنكار، والوقوف "دقيقة صمت"، أو حداد ليوم أو أكثر، هذا ما يناله صحافي شهيد ثمناً لحياته، وفكره، وقلمه. هذه "فدية" إسكاته ،وهذا ثمن " الجرأة" على المرتكبين والفاسدين.

في الفصح، مع القيامة، سقط.. هو علي شعبان... مقاوم باسل بكاميراته...سقط... من صانع الحدث والصورة إلى الحدث والصورة...رحلة الخلود.

كان يوم عمل عادي، فنحن معشر اهل الصحافة، لا نرتاح ولا نترك أحداً يرتاح، وطالما هناك حركة في البلد، سياسية كانت أم إجتماعية أم ثقافية، ترانا نبادر إلى "تغطيتها"... والوحيد الذي "يغطي" الصحافيين، في زمن المحسوبيات السياسية، هو العزة الإلهية، خصوصاً إن لم يكن الصحافي "مدعوماً".

العمل في مهنة المتاعب صعب، ومحفوف بالمخاطر، ولكن إستهداف الصحافيين أيضاً محظور أيضاً في القانون الدولي، والأنكى، تجهيل الفاعل. وكأن كثير على الشهيد أن يعلم ذووه من قتله.

شهداء...شهداء..شهداء... اللهم لا معترض..ولكن!أما آن لنا نحتفل مع الشباب بإنجازات، لا بجنازات؟لماذا قدر للبنان أن يدفع ثمن الحرية غالياً، غالياً جداً، بالدم القاني، وبالأرواح. والأنكى أن يستشهد البعض ليس في مواجهة الأعداء، بل إما بيد خفافيش الليل، أو المتآمرين على لبنان، أو على يد ما لا يريد بلبنان خيراً...أو أن يموت هكذا، برصاص "مجهول الهوية"، بانتظار إنتهاء التحقيق، وجلاء الحقائق كاملة.

علي شعبان، وقفت عروسك تنتظرك، وأنت الذي كنت ستعقد زفافك في "هذا الصيف" كما كنت تقول"... ...لتعود محمولاً على الأكف، والزهور تغطي نعشك، المضمخ بحبر الشهادة، وبقوة الكلمة-الصورة... ومتى تتكلم الصورة، فليخرس المتكلمون.

وحده الدمع بحجم الشهادة، ووحده التحقيق الفاعل والناجع، والإقتصاص من القاتل هو الذي يبلسم الآلام جزئياً.. أياً يكن قاتلك علي، فهو آثم خاطىء، بشرع الله، والحق الإنساني، والتاريخ.وحده التاريخ من سيحاسب، فيبارك، ويلعن. وحده التاريخ من يقول نعم، ولا...

أما عن مصطفى جحا، مرت محاولة الإغتيال بسلام، لم يجرح مصطفى جحا، لأن "الأعمار بيد الله"، ولكن، هل هذا مؤشر على أيديولوجية "كل مين إيدوا إلو"، وهل على الصحافيين أن يعتمدوا الأمن الذاتي من أجل البقاء على قيد الحياة؟ هل المطلوب أن يكون مصطفى جحاً مسلحاً، ويبادل مطلقي النار عليه إطلاق النار؟ ونعود مرة أخرى إلى الأسلوب الميليشياوي، وأخذ الحق باليد؟

علي، ارقد بسلام، فالإعلام لن يموت، والصحافة لن تركع، وسنبقى، على العهد سائرون، ستبقى عين كاميرتك ترصد الباطل لتنشره، وترصد الحق لتنشره، وتيسر على الشعب المسكين معرفة حقائق ما يجري من فساد وصفقات وتسويات... مهما سقط منا أحرار.مصطفى، كما قلت أنت، الكلمات لا تموت، لا برصاصة ولا برصاصتين ولا بخمس. فالكلمة والقلم، والصوت أقوى...

غسان بو دياب.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية