الخميس، 3 مايو 2012

بين "أشرف الناس" والمواطن العادي!

فادي شامية بعيداً عن معزوفات تمجيد السلاح "المقاوم" و"الممانع"، فإن الواقع في لبنان بات يقول إن المواطنين فيه أصبحوا فئتين؛ فئة المواطن العادي وفئة المواطن من "أشرف الناس". المواطن العادي معرّض للاعتداء، وربما للقتل إن عبّر عن قناعاته السياسية، مهما كان موقعه الاجتماعي. ثمة من سيتطوع لنفي الجريمة إن فشلت، أو لتبريرها واتهام "العدو" بها إن نجحت، أما المواطن من "أشرف الناس" أو حليفهم أو حليف حليفهم... فإنه يتمتع بالحماية الأمنية التي تمنع توقيفه، وتعيق إحالته إلى القضاء إن أوقف، وتخفف عنه العقوبة إن حوكم... حتى لو أدانته المحكمة بجرم العمالة للعدو!. المواطن الشريف يحتاج إلى الركض الدائم وراء لقمة العيش، أما المواطن من "أشرف الناس"، فإنه يتمتع بخيرات "المال النظيف"، ويحظى بـ "تسهيلات استثنائية" على الموانئ البرية والبحرية والجوية، خصوصاً إذا كان صاحب عمامة، أو يحيط نفسه بالعمائم!. المواطن الشريف بحاجة إلى المطالبة بحقه، وأن يزيل الشبهات عنه، أما "أشرف الناس" فواجب الدولة أن تبرر أفعالهم، أو أن تسكت عنهم، أو أن تصدر أجهزتها الأمنية بيانات للتعمية عن الحقيقة!. لا يهم المواطن من فئة "أشرف الناس" أخلاقه وأقواله، يبقى وحده المخوّل منح شهادات للآخرين في الوطنية والقومية وصحة الانتساب إلى الإسلام أو المسيحية!. يبقى وحده المخوّل حمل السلاح، والتجول بسيارات بلا نُمر ذات زجاج داكن، دون أن يوقفه أحد أو يتجرأ على سؤاله أحد!. لا يهم الإعلامي أو السياسي من فئة "أشرف الناس" إن شتَم أو خوّن. المنابر الإعلامية مفتوحة لـ "المقاومين" دوماً، حتى لو كان تاريخ الرجل ضد المقاومة، فالمهم موقعه اليوم؛ تأييده لحزب المقاومة ولنظام الممانعة، وبعد ذلك كل ذنب مغفور، وكل وزر مهدور!. في كل يوم ثمة ما يؤكد الفروقات السابقة، وما ظهر للعلن أقل بكثير مما خفي، والاطلاع على ما يجري في المحاكم يصيب بالغثيان؛ فهذا مواطن يحاكم على خردة سلاح وجدها أحدهم في منزله، وذاك مواطن من فئة أخرى يقتـُل بسلاحه لسبب وغير سبب، دون أن يجرؤ أحد على توقيفه!. خلال الأشهر الأربعة المنصرمة من العام الجاري؛ وقع بضعة اشتباكات مسلحة، مسرحها بعلبك وضاحية بيروت الجنوبية، وأبطالها مسلحون غير كرام من آل حيدر والمقداد وفاضل والمصرفي... وغيرهم الكرام. لم يوقف أحد بعد الاشتباكات، مع أن المسلحين معروفون، والجرحى في المستشفيات راقدون!. ولأن إطلاق النار في الأفراح والأتراح من شيم أشرف الرجال، فلا بأس أن يصاب مواطن في بعلبك، بعد إطلاق النار حزناً على وفاة نائب سابق (علي جعفر)، طالما أن أحداً لن يوقف أحداً!، ولا بأس إذاك أن تنتشر ثقافة انتزاع الحق -أو ما يعتبر حقاً- باليد، ولو أدى ذلك إلى إطلاق النار على القوى الأمنية نفسها وإصابة عسكريين (3/4/2012 في بعلبك)، أو الانتقام ممن أرشدهم إلى مطلوب بجرم مشين! (قتل محمد صلح وخاله محمد بقبوق في مدينة بعلبك 17/4/2012)، أو الاشتباك مع القوى الأمنية نفسها (26/2/2012 بئر العبد- مداهمة منزل مسؤول في "حزب الله" ومصادرة أسلحة ومسروقات منه وجرح مؤهل في قوى الأمن الداخلي). وبما أن مواطني "أشرف الناس" متفوقون درجات على شركائهم في الوطن؛ فإنه يحق لابن أحد مسؤوليهم أن يسرع بشكل جنوني فيصدم مواطناً عادياً ويقتله على خط صيدا-بيروت، ثم يفرض حزب السلاح طوقاً أمنياً ويمنع قوى الأمن الداخلي من الاقتراب، حفاظاً على أسرار "المقاومة" (26/2/2012). يحق لهم أيضاً تهديد أهالي إحدى قرى البقاع الغربي (لا ينتمي سكان القرية إلى "أشرف الناس") ويطلبون منهم إطفاء الأنوار والتزام الصمت، لأن إحدى الشاحنات القادمة من سوريا جنحت وممنوع أن يعرف أحد ماذا يوجد بداخلها (سلاح أو جثث أو ممنوعات)، ودون أن تكون القوى الأمنية مستثناة من هذا المنع (23/3/2012). يحق لهم أيضاً أن يُجروا تحقيقاتهم الخاصة، وأن يسائلوا الناس عن ظروف مقتل مسؤول من حزبهم في بدنايل (3/4/2012)، وأن تتكفل القوى الأمنية مشكورة باعتبار مقتل الرجل (م. سليمان) ناتجاً عن حريق سيارة فقط!. وبما أن "أشرف الناس" لا يوقَفون إذا لم يُرفع عنهم الغطاء؛ فإن خمسة متهمين بقتل أحد أكبر زعماء لبنان يمارسون حياتهم في مكان ما فوق الأراضي اللبنانية، وإذا سألت الأجهزة الأمنية عنهم يأتيك الجواب "الرائع": لم نعثر عليهم. الأمر لا يقتصر على أصحاب الجريمة السياسية فحسب، فحتى تجار المخدرات (الكابتاغون) يمكن أن لا تعثر عليهم الأجهزة الأمنية إذا كان أحدهم شقيق نائب من "أشرف الناس"!. ولأن الاستقواء بالسلاح يرتد على أصحابه كما الآخرين؛ فإن وقائع الفوضى والاقتتال تكاد تكون يومية، في المناطق تلك، فضلاً عن انتشار ظواهر الخطف والسرقة!. يقول المثل؛ إذا عُرف السبب بطل العجب. بالتأكيد لا داعي للعجب في أن تُصدر المحكمة العسكرية استدعاءات لـ 19 شاباً دافعوا عن أنفسهم في قبل أكثر من خمس سنوات أمام هجوم "أشرف الناس" عليهم ("جمدت" المحكمة العسكرية التوقيفات في وقت لاحق). لو كانوا من غير فئة مواطن عادي لكان طبيعياً أن يقتلوا "الخونة" وأن يحرقوا بيوتهم في 7 أيار 2008، وأن يتمتعوا بحصانة تمنع استدعاءهم، لكنهم مواطنون عاديون... وهذا ذنبهم!.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية