الأربعاء، 2 مايو 2012

العراق ليس لقمة سائغة لايران...

كلام كثير يسمع هذه الايّام عن الدور الايراني في المنطقة والقدرة الايرانية على توظيف المفاوضات في شأن الملف النووي لمصلحتها وحتى في مصلحة النظام السوري الذي تعتبره امتدادا اكثر من طبيعي لها. لكن الكلام الاهمّ الذي لم يعط الاهتمام الذي يستأهله هو ذلك الذي صدر اخيرا عن مسؤول ايراني كبير عن ضرورة تحقيق وحدة اندماجية بين العراق وايران وعن ايران والعراق "روح واحدة في جسدين".

لم يسبق الايرانيين احد على قول مثل هذا الكلام سوى الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد الذي كان يعتبر سوريا ولبنان "شعب واحد في بلدين".

يكشف الكلام الايراني عن طبيعة العلاقة مع العراق اوّل ما يكشف حقيقة التطلعات التي لدى طهران. وتكمن اهميّته في انه صدر عن احد نوّاب رئيس الجمهورية خلال الزيارة الاخيرة التي قام بها لطهران السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي.

يبدو ان المسؤول العربي الذي لفت نظره منذ فترة لا باس بها شعار الاذاعة الايرانية، وهو " صوت الجمهورية الاسلامية من طهران"، على حق في ابداء مخاوفه. تساءل هذا المسؤول، امام شخصيات رسمية اميركية في لقاء وردت تفاصيله في البرقيات السرية التي نشرتها "ويكيليكس": اين حدود الجمهورية الاسلامية التي يصدح صوتها انطلاقا من طهران؟ الظاهر انها جمهورية لا حدود واضحة لها. الاكيد، في ضوء التجارب التي مرّت بها المنطقة في السنوات الاخيرة ان لا التزام ايرانيا بحدود ايران ما دام في الامكان التمدد في كلّ الاتجاهات، خصوصا في اتجاه العراق.

من الواضح ان الوضع العراقي فتح شهية ايران التي لم تعد تخفي ان لديها طموحاتها على الصعيد الاقليمي. في النهاية، ما لا بدّ من الاعتراف به ان ايران كانت الطرف الوحيد الذي خرج رابحا من الحملة العسكرية الاميركية على العراق قبل تسع سنوات.

شاركت ايران في تلك الحرب الاميركية بطريقة غير مباشرة وايدتها ووفّرت الدعم لها في مراحل الاعداد لها سياسيا وحتى عسكريا. قطفت ايران ثمار تلك الحرب عندما وضعت بعض رجالها في السلطة في بغداد معتمدة سياسة الخطوة الخطوة. اكثر من ذلك، ايّدت طهران كلّ خطوة اتخذها الاميركيون في العراق، خصوصا تلك التي تصبّ في تأجيج النزاعات المذهبية.

بعد انتخابات السابع من آذار- مارس 2010، توفرت لايران فرصة تأكيد ان ليس في الامكان تشكيل حكومة عراقية من دون موافقتها. فازت في تلك الانتخابات "القائمة العراقية" برئاسة الدكتور ايّاد علاّوي الذي كان يحظى بتأييد عربي واسع. لم يستطع الدكتور علاّوي تشكيل حكومة على الرغم من النص الدستوري الواضح الذي يدعو الى ان يكون رئيس الحكومة من يأتي على رأس اكبر تكتل نيابي منبثق عن الانتخابات.

بقدرة قادر، استطاعت طهران منع علاّوي، الذي تنقصه الكثير من مزايا السياسي المحترف، من تشكيل حكومة. وبعد ثمانية اشهر، تولى المنصب نوري المالكي الذي راحت كتلته، التي حلت ثانية، تحظى بدعم كتل نيابة اخرى مرتبطة بطريقة او باخرى بطهران. الى الآن، لا تزال حكومة نوري المالكي غير مكتملة. وقد اتاح له ذلك وضع يده على المواقع الاساسية في الدولة بما في ذلك كلّ الوزارات التي تهتم من قريب او بعيد بالامن...

ما يتبيّن الان، خصوصا مع التغيير السلبي الذي طرأ على الموقف العراقي من الثورة السورية والكلام الايراني عن وحدة اندماجية، ان طهران تنوي فرض امر واقع جديد في المنطقة. بكلام اوضح، يبدو ان طهران تريد ابلاغ كلّ من يعنيه الامر ان العراق صار في جيبها وان كلّ كلام آخر لا معنى له.

تترافق الهجمة الايرانية الاخيرة مع مرونة لطهران في المفاوضات التي تجريها مع المجتمع الدولي وكانها تسعى الى توجيه رسالة فحواها ان السيطرة على العراق تغنيها عن تطوير برنامجها النووي من جهة وان كلّ ما تريده من جهة اخرى هو الاعتراف بانّها "شرطي الخليج" وانه لم يتغيّر شيء أكان الشاه في السلطة ام لا. من النتائج المباشرة للمرونة الايرانية تخفيف المسؤولين الاسرائيليين من حدة اللهجة تجاه البرنامج النووي.

لو لم يكن الامر كذلك، كيف يمكن تفسير تلك الاستفزازات التي تستهدف الجزر الاماراتية الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وابو موسى) المحتلة منذ نوفمبر من العام 1971 عندما كان لا يزال الشاه في الحكم؟

يمكن الذهاب بعيدا في عرض ما تقوم به ايران حاليا في كلّ المنطقة مستخدمة الغرائز المذهبية اكان ذلك في العراق وسوريا ولبنان او في البحرين او في اليمن، حتى لا نذكر بلدانا اخرى. لكن الاهمّ من كله ذلك سؤال في غاية البساطة: هل مسموح لايران وضع يدها على نفط العراق؟

الاكيد ان النظام في ايران يعتبر مستقبله مرتبطا بالثروات النفطية العراقية حيث الاحتياط النفطي كبير فيما الاحتياط الايراني يمكن ان ينضب خلال فترة قصيرة. الاكيد ايضا ان العالم يعرف ذلك. ما يعرفه خصوصا انه لا يجوز لايّ دولة في المنطقة لعب دور القوة الاقليمية المهيمنة. الم يحاول صدّام حسين في الماضي القريب ممارسة هذا الدور مع الكويت، وهي دولة نفطية صغيرة ومسالمة وليست كالعراق من ناحية عدد السكان والتنوع البشري والجغرافي، فكان ما كان وصولا الى الاجتياح الاميركي في العام 2003 .

مسموح بادوار صغيرة لا تتجاوز حدودا معيّنة، خصوصا اذا كان ذلك يخدم اسرائيل. لا مجال لما هو ابعد من ذلك...

عندما يتعلّق الامر بالنفط والاحتياطات النفطية ومستقبل منطقة مهمة للعالم مثل منطقة الخليج، ليس امام ايران سوى ان تأخذ حجمها الحقيقي. صحيح ان هناك دهاء ايرانيا وان حكام ايران ليسوا في غباء صدّام حسين، لكن الصحيح ايضا انّ العراق قد لا يكون تلك اللقمة السائغة التي يسهل ابتلاعها مهما ذهبت ايران في محاولاتها الهادفة الى تحكيم الميليشيات المذهبية التابعة لها بالمدن والبلدات والقرى العراقية...ومهما تساهلت في المفاوضات المرتبطة بملفها النووي وصولا الى صدور مواقف اسرائيلية تتحدث عن وجود "عقلاء في طهران". في النهاية، لا تنطلي اللعبة الايرانية على احد، وربّما على المواطنين الايرانيين انفسهم. هؤلاء يعرفون معنى العقوبات الدولية التي بدأوا يشعرون بتاثيرها، لكنّهم يخشون في الوقت ذاته من نظام يسعى الى الهرب الى امام من ازمته العميقة.

خيرالله خيرالله

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية