فداحة جرائم نظام بشار الأسد ومجازره فجرت ردودا غاضبة في العالم والعالم العربي، لكن الغضب ظل غضبا ومنتهى قرارات المجتمع الدولي جاءت مخيبة لأبسط آمال السوريين ورجاءاتهم، فطرد سفراء بشار الأسد استحقاق مر عليه أكثر من عام، واتخاذ مثل هذا القرار على أهميته لا يعيد الآلاف من السوريين الذين جزرهم النظام الى أهاليهم، وكان سيكون للأمر صدى مختلفا في الداخل السوري لو كان قد اتخذ قبل عام، لكن كلمة "لو" لا تعني شيئا في حسابات الحقل والبيدر للأسف الشديد.
الحالة السورية لا تحتمل هذا البطء والاستخفاف والجبن، فالنظام بات يعرف أن أمامه فسحة زمنية معقولة نسبيا للإجهاز على ثورة شعبه وسيفعل المستحيل من أجل تحقيق ذلك على حساب عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين والمشردين، و في حسابات النظام ورئيسه المجتمع الدولي غير قادر على التوافق بسبب الموقف الروسي، والجوار الإقليمي بين من حسم مصالحه مع النظام وبين من هو متردد، وتحالف الغرب ليس أكثر من "جعجعة " بلا طحين، والعرب غير مقبلين للنصرة.
المأساة الفعلية أن مقابل تلك الصورة المشينة للموقفين العربي والدولي، هناك شعب في سوريا أسقط بثورته النظام وإن لم يرحل بعد، ولم يعد النظام فارضا سيطرته حتى داخل العاصمة دمشق، بل إن طلائع الجيش السوري الحر ضربت في منطقة السيدة "زينب" قلب العاصمة دمشق، وفي ظل المعلومات القادمة من دمشق ليس هناك مسؤول سوري رئيسي واحد ينام ليلتين في نفس البيت، بل إن جلهم أجلوا عائلاتهم عن العاصمة الى مناطق النفوذ الطائفي للنظام.
إذن العالم خائف ومتردد وجبان ولا يبدو أنه مقبل على أية خطوة عاجلة، ورجال النظام يعيشون حالة رعب تجعلهم لا يثقون بتسعة أشخاص من كل عشرة سوريين، والثورة لا تتراجع و لا يبدو في الأفق أن عزائم الثوار في حالة تفكك أو تراجع، بل العكس هو الصحيح، الثورة انتشرت على رقعة أوسع واقتحمت الخطين الأحمرين، دمشق وحلب ، لكن الأكثر أهمية من ذلك كله أن الثورة أصبحت نظام حياة عند السوريين جميعا، والمعارض قبل المؤيد للثورة.
قد لا يرحل النظام الأسبوع القادم أو الشهر القادم، وبقدر ما ذلك يعتبر خبرا جيدا لرجاله وأنصاره، فإن الشعب يبلغهم كل يوم بالخبر السيء، الثورة السورية مستمرة وقد اعتادت على التضحيات، واكتشفت الوسائل الأولية البسيطة للاستمرار بمواردها وطاقاتها الذاتية معتمدة على تضحيات أبنائها، لأنها ثورة وجدت لتبقى على مقولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأنها ثورة وجدت لتنتصر على مقولة الزعيم الراحل ياسر عرفات، في وصفهما للثورة الفلسطينية والشعب السوري ليس أقل شأنا من أي شعب ثائر.
ولكن، أين هي المعادلة الصحيحة لإسقاط النظام؟، ذاك سؤال يتبعه آخر ويرتبط به، أين العوائق أمام رحيل نظام ساقط أصلا؟، لا بد من الاعتراف أولا أن العرب، بما فيهم المعارضة السورية قد أخطأوا في فهم الموقف الروسي والتعامل الجدي معه باعتمادهم الكلي على الغرب المضطرب والمشغول، وهو ما أمن للنظام "حق النقض" الروسي و هو عامل غاية في الأهمية في عصرنا الحالي، وموسكو حقيقة الأمر ليست مجنونة بحب بشار الأسد لكنها لا تريد تكرار "الخديعة" الليبية وفق مفهومها مرة أخرى، وفي منطقة أكثر حساسية من العالم، وموسكو لا تريد الخروج النهائي من هذه المنطقة، فهل حاول أحد بحث ذلك مع القادة الروس؟، الجواب لا طبعا وإلا كنا لمسنا موقفا روسيا أكثر توازنا.
بل إن سهولة ويسر سقوط أنظمة تونس ومصر، وسقوط النظامين الليبي واليمني، أغرت الجميع بـ"حتميات"، حتميات أهملت تطوير الموقف التركي بسرعة أكبر، فحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لا تعمل مثل حكومات تركيا السابقة منذ كمال أتاتورك، بل هي أقرب لمزاج و كرامة الامبراطورية العثمانية ولكن بوسائل ديموقراطية وقانونية حديثة، والود المفقود بين أنقرة وواشنطن بسبب إسرائيل لم يوازيه الثقل الاقتصادي والسياسي العربي وتركيا بحاجة الى ذلك ، خاصة مقابل نظام سوري لا تحبه تركيا أصلا.
الضلع الثالث من المعادلة موجود في الرياض، فسوريا دوما كانت من أولويات الرياض حربا أو سلما، كرها أو حبا، حافظ أو بشار، لقد بنى الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز استراتيجية المملكة لكيفية التعامل مع سوريا والشعب السوري على قواعد قومية حكيمة، مع سوريا ضد أي احتلال، ولا يجوز لسوريا بأي احتلال أو إخلال بالأمن القومي.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز طور تلك القواعد بأن أضاف إليها الصبر في الملمات، وأفعال بشار الأسد صبرت عليها المملكة، لكنها لم تقبل بها إطلاقا، ورغم كل سفاهات نظام الأسد، والتحذيرات الأمنية المتعلقة بسلامته الشخصية، تحمل الملك عبد الله المخاطرة وزار سوريا واصطحب معه بشار الى لبنان، لحماية لبنان، ولكن علينا أن نعترف أن شهامة وشجاعة العاهل السعودي شيء، وخبث وعدوانية النظام السوري شيء آخر، وربما على المملكة اليوم اتخاذ مواقف أكثر اندفاعا مع موسكو وأنقرة.
لكن الغموض يبقى مخيما على الموقف الإسرائيلي، الضلع الرابع من المعادلة، خاصة في المواقف المتناقضة بين تصريحات وزيري الخارجية والدفاع أن المنطقة ستكون أفضل من غير نظام بشار، وبين تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الثورات العربية خطر استراتيجي على إسرائيل، وهناك شيء غير مفهوم في الموقف الإسرائيلي، فإن كانت إيران عدوا فعليا لإسرائيل فإن نظام الأسد هو راس الأفعى، فما الذي يجبر نتنياهو على حشد الجهود لضرب الذنب هناك بعيدا في مجاهل إيران، وترك الراس قريبا منه، ولا يفسر الموقف الإسرائيلي الراهن إلا الاتفاق الذي نجح رامي مخلوف ابن خال الرئيس من إبرامه في نيسان/أبريل من العام الماضي مع موظفين كبار في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي!!.
الأسئلة تبقى مفتوحة، والقتل يستمر في سوريا لكن الثورة تتصاعد، فعدم رحيل النظام ليس ناتجا عن قوته بل عن ضعف الإرادة العربية والدولية، وإعادة ترتيب الأحجار والمواقف
محمد رشيد
الحالة السورية لا تحتمل هذا البطء والاستخفاف والجبن، فالنظام بات يعرف أن أمامه فسحة زمنية معقولة نسبيا للإجهاز على ثورة شعبه وسيفعل المستحيل من أجل تحقيق ذلك على حساب عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين والمشردين، و في حسابات النظام ورئيسه المجتمع الدولي غير قادر على التوافق بسبب الموقف الروسي، والجوار الإقليمي بين من حسم مصالحه مع النظام وبين من هو متردد، وتحالف الغرب ليس أكثر من "جعجعة " بلا طحين، والعرب غير مقبلين للنصرة.
المأساة الفعلية أن مقابل تلك الصورة المشينة للموقفين العربي والدولي، هناك شعب في سوريا أسقط بثورته النظام وإن لم يرحل بعد، ولم يعد النظام فارضا سيطرته حتى داخل العاصمة دمشق، بل إن طلائع الجيش السوري الحر ضربت في منطقة السيدة "زينب" قلب العاصمة دمشق، وفي ظل المعلومات القادمة من دمشق ليس هناك مسؤول سوري رئيسي واحد ينام ليلتين في نفس البيت، بل إن جلهم أجلوا عائلاتهم عن العاصمة الى مناطق النفوذ الطائفي للنظام.
إذن العالم خائف ومتردد وجبان ولا يبدو أنه مقبل على أية خطوة عاجلة، ورجال النظام يعيشون حالة رعب تجعلهم لا يثقون بتسعة أشخاص من كل عشرة سوريين، والثورة لا تتراجع و لا يبدو في الأفق أن عزائم الثوار في حالة تفكك أو تراجع، بل العكس هو الصحيح، الثورة انتشرت على رقعة أوسع واقتحمت الخطين الأحمرين، دمشق وحلب ، لكن الأكثر أهمية من ذلك كله أن الثورة أصبحت نظام حياة عند السوريين جميعا، والمعارض قبل المؤيد للثورة.
قد لا يرحل النظام الأسبوع القادم أو الشهر القادم، وبقدر ما ذلك يعتبر خبرا جيدا لرجاله وأنصاره، فإن الشعب يبلغهم كل يوم بالخبر السيء، الثورة السورية مستمرة وقد اعتادت على التضحيات، واكتشفت الوسائل الأولية البسيطة للاستمرار بمواردها وطاقاتها الذاتية معتمدة على تضحيات أبنائها، لأنها ثورة وجدت لتبقى على مقولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأنها ثورة وجدت لتنتصر على مقولة الزعيم الراحل ياسر عرفات، في وصفهما للثورة الفلسطينية والشعب السوري ليس أقل شأنا من أي شعب ثائر.
ولكن، أين هي المعادلة الصحيحة لإسقاط النظام؟، ذاك سؤال يتبعه آخر ويرتبط به، أين العوائق أمام رحيل نظام ساقط أصلا؟، لا بد من الاعتراف أولا أن العرب، بما فيهم المعارضة السورية قد أخطأوا في فهم الموقف الروسي والتعامل الجدي معه باعتمادهم الكلي على الغرب المضطرب والمشغول، وهو ما أمن للنظام "حق النقض" الروسي و هو عامل غاية في الأهمية في عصرنا الحالي، وموسكو حقيقة الأمر ليست مجنونة بحب بشار الأسد لكنها لا تريد تكرار "الخديعة" الليبية وفق مفهومها مرة أخرى، وفي منطقة أكثر حساسية من العالم، وموسكو لا تريد الخروج النهائي من هذه المنطقة، فهل حاول أحد بحث ذلك مع القادة الروس؟، الجواب لا طبعا وإلا كنا لمسنا موقفا روسيا أكثر توازنا.
بل إن سهولة ويسر سقوط أنظمة تونس ومصر، وسقوط النظامين الليبي واليمني، أغرت الجميع بـ"حتميات"، حتميات أهملت تطوير الموقف التركي بسرعة أكبر، فحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لا تعمل مثل حكومات تركيا السابقة منذ كمال أتاتورك، بل هي أقرب لمزاج و كرامة الامبراطورية العثمانية ولكن بوسائل ديموقراطية وقانونية حديثة، والود المفقود بين أنقرة وواشنطن بسبب إسرائيل لم يوازيه الثقل الاقتصادي والسياسي العربي وتركيا بحاجة الى ذلك ، خاصة مقابل نظام سوري لا تحبه تركيا أصلا.
الضلع الثالث من المعادلة موجود في الرياض، فسوريا دوما كانت من أولويات الرياض حربا أو سلما، كرها أو حبا، حافظ أو بشار، لقد بنى الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز استراتيجية المملكة لكيفية التعامل مع سوريا والشعب السوري على قواعد قومية حكيمة، مع سوريا ضد أي احتلال، ولا يجوز لسوريا بأي احتلال أو إخلال بالأمن القومي.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز طور تلك القواعد بأن أضاف إليها الصبر في الملمات، وأفعال بشار الأسد صبرت عليها المملكة، لكنها لم تقبل بها إطلاقا، ورغم كل سفاهات نظام الأسد، والتحذيرات الأمنية المتعلقة بسلامته الشخصية، تحمل الملك عبد الله المخاطرة وزار سوريا واصطحب معه بشار الى لبنان، لحماية لبنان، ولكن علينا أن نعترف أن شهامة وشجاعة العاهل السعودي شيء، وخبث وعدوانية النظام السوري شيء آخر، وربما على المملكة اليوم اتخاذ مواقف أكثر اندفاعا مع موسكو وأنقرة.
لكن الغموض يبقى مخيما على الموقف الإسرائيلي، الضلع الرابع من المعادلة، خاصة في المواقف المتناقضة بين تصريحات وزيري الخارجية والدفاع أن المنطقة ستكون أفضل من غير نظام بشار، وبين تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الثورات العربية خطر استراتيجي على إسرائيل، وهناك شيء غير مفهوم في الموقف الإسرائيلي، فإن كانت إيران عدوا فعليا لإسرائيل فإن نظام الأسد هو راس الأفعى، فما الذي يجبر نتنياهو على حشد الجهود لضرب الذنب هناك بعيدا في مجاهل إيران، وترك الراس قريبا منه، ولا يفسر الموقف الإسرائيلي الراهن إلا الاتفاق الذي نجح رامي مخلوف ابن خال الرئيس من إبرامه في نيسان/أبريل من العام الماضي مع موظفين كبار في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي!!.
الأسئلة تبقى مفتوحة، والقتل يستمر في سوريا لكن الثورة تتصاعد، فعدم رحيل النظام ليس ناتجا عن قوته بل عن ضعف الإرادة العربية والدولية، وإعادة ترتيب الأحجار والمواقف
محمد رشيد
0 comments:
إرسال تعليق