في ابريل الماضي أصاب الانتكاس العلاقات بين مصر والسعودية عقب استدعاء المملكة لسفيرها في القاهرة على إثر أحداث قضية المحامي الجيزاوي، صحبها احتجاجات أمام السفارة السعودية، وبادرت شخصيات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين لزيارة المملكة لنزع فتيل التوتر، والحفاظ على عمق العلاقات.
(1)
احتمالات متعددة رسمتها أول زيارة خارجية قام بها الرئيس المصري المنتخب د. محمد مرسي التي خص بها المملكة العربية السعودية، حول مستقبل العلاقة بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين عقب وصولها لسدة الحكم، بين ضرورة إعادة تخطيط السياسية السعودية الخارجية في التعامل مع صعود التيار الإسلامي المتمثل في بعض دول الربيع العربي وتبادل التفاهمات التي ستحدد مستويات العلاقة مستقبلاً.
لكن لماذا اختار الرئيس مرسي المملكة السعودية كوجهة أولى على أولويات أجندته الخارجية؟ بالتأكيد لم يكن الاختيار آتيا من فراغ، لأن المنطقة العربية تهيأت عن أكملها لاستقبال أول رئيس مصري مدني منتخب، فالسعودية تعتبر على رأس عدد من دول الخليج؛ تتخوف من التوجه المصري تجاه الجمهورية الإيرانية؛ حيث ظل الرئيس السابق معادياً لإيران وسياستها؛ لكنه في الوقت ذاته متجهاً سياسياً وعربيا إلى السعودية باعتبارها من أكبر دول المنطقة تأثيرا وصنعا للقرار السياسي والتوازنات الإقليمية، فالزيارة جاءت تأكيدا على قوة العلاقة وأنها لن تتغيير وأن "أمن الخليج خط أحمر"، لطمأنة الأسرة المالكة على دورها الإسلامي الريادي عالمياً، وأنه لا عداءات بين الفكر السعودي والإخواني، فضلاً عن أن السعودية قادرة على مساعدة مصر للنهوض من كبوتها الاقتصادية وتوفير فرص للاستثمار؛ ودعم الاقتصاد المتعثر في هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها عقب الثورة، بالإضافة إلى العمالة المصرية في المملكة التي تجاوزت مليوني فرد، ولا شك أنه بين هذا وذاك أهمية الدور الذي تلعبه السعودية كلاعب سياسي أساسي في المنطقة، ورغم اختلاف العديد من المواقف السياسية، إلا أن الزيارة خالفت كل التوقعات وأبرزت براجماتية محمد مرسي في أهمية إقامة علاقات جيدة مع السعودية.
(2)
وبنظرة لتاريخ العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والمملكة، نجد أن الزيارة الأولى لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا للسعودية كانت في العام 1936، حيث التقى مؤسس الدولة السعودية الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود؛ الذي كان حريصا على استقبال علماء الدين للسلام عليه عقب انتهاء الحج، في وقتها كان البنا تدور بينه والملك أحاديث ودية عن مستقبل العلاقة بين مصر والسعودية، ولم يكن إعجاب البنا بالملك خافيا على أحد، وقد أشار في مذكراته إلى أن السعودية "هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، شعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح" وهو التوجه ذاته للملك عبدالعزيز الذي أكد في أكثر من موضع.
وقد شهدت العلاقة مع جماعة الإخوان في السعودية على مدى العقود الماضية؛ ابتداء من ثلاثينات القرن المنصرم مداً وجزراً، يحيطها الاختلاف لكنها تقوم على التقارب إذ توسط الملك سعود لدى الرئيس جمال عبدالناصر في أزمة الإخوان في عهده، وقد استجاب عبدالناصر لوساطة الملك، إلى أن قامت الجماعة مرة أخرى بالمعارضة له حتى انقلب عليهم مجدداً، وفي عهد الملك فيصل لعبت جماعة الإخوان دوراً بارزاً في تقوية العلاقات المصرية - السعودية.
(3)
وما من شك في أن المحور السعودي - المصري يلعب دورا مهما في استقرار النظام الإقليمي العربي وفق استراتيجية شاملة للحافظ على أمن المنطقة بأسرها، ويدعم التحولات الإقليمية والعالمية كافة بما يبرز منها على ساحة الشرق الأوسط، ويصب في مصلحة أمن الخليج الذي أكدته الزيارة – التي قام بها مرسي - بحفاظه على توازنات القوى في المنطقة؛ وأنه لن يغامر بها لصالح إيران، لاسيما أن الغموض ما زال إلى الآن يكتنف العلاقات المصرية الإيرانية، حتى وإن كان أغلب النخب المصرية يميل إلى دعم وتقوية هذه العلاقات؛ لكونها ضرورة حتمية لاستعادة التوازن المفقود في المنطقة لكن يبدو أن الرئيس مرسي بخلفيته الإسلامية وتوجهاته البرجماتية ينطلق من الواقع ولا يحمل رؤية مستقبلية في كيفية التعامل مع إيران وهو ما يصعب إمكانية عودة هذه العلاقات؛ فالتخوف من المد الشيعي ليس مبررا لاستمرار قطع هذه العلاقات فمصر دولة سنية وشعبها يعشق آل البيت ولن يستطيع أحد تشييع الشعب المصري كما أنها لن تؤثر سلباً على علاقات مصر بدول الخليج؛ فالقول بذلك هو عبث سياسي؛ فدولة الإمارات العربية المتحدة - على سبيل المثال - لها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إيران؛ بالرغم من احتلال إيران لثلاث جزر إمارتية، فهناك الكثير من الثمار السياسية والاقتصادية التي ستعود على مصر من استعادة العلاقات مع إيران؛ أهمها إعادة شكل التوازن لعلاقات القوة في المنطقة وتطوير الميزان التجاري المصري الإيراني؛ فإيران بها العديد من الاستثمارات التي تجعل الدول تسعى للتعامل معها.. بالإضافة إلى انتعاش القطاع السياحي؛ فإيران بها نصف مليون سائح سيأتون إلى مصر سنويا؛ وهو ما يدر دخلا يقدر بثلاثة مليارات دولار؛ ناهيك عن امتلاكها لخبرات تصنيعية وتكنولوجية يمكن لمصر الاستفادة منها.
(4)
وتبقى المسئولية المشتركة بين مصر والسعودية في المنطقة كأكبر الدول العربية في تعزيز وحدة القرار السياسي العربي؛ ودفع عجلة التعاون الاقتصادي إلى الإمام، التي باتت استراتيجية ناضجة ومتكاملة في المجالات كافة، وحققت الكثير من الإنجازات في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية، لاسيما أن الاقتصاد المصري بحاجة ماسة إلى الاستثمارات الخارجية؛ خاصة العربية والتي تستحوذ فيها السعودية على نصيب الأسد، والرئيس مرسي أقر ضرورة دعمها في البلاد، وتأكيده على أنه سيزيل معوقات الاستثمار، وأنه سيعمل على استقطاب استثمارات جديدة، حتى يتمكن من إضفاء الطمأنينة لدى المستثمر السعودي.
ورغم أنه من الأرجح أن تشهد العلاقات المصرية الإيرانية قدرا من التحسن في العلاقات لكنه – بحسب آراء المراقبين – سيكون رمزيا وشكليا أكثر منه موضوعي وحقيقي وسيتم فقط رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين البلدين فزيارة الرئيس مرسي للمملكة العربية السعودية كأول محطاته الخارجية أكدت على عدم وجود تغيير جذري في علاقات مصر الخارجية وأولوية واهتمام مصر بدول الخليج؛ فليست هناك جدية حقيقية في تطوير علاقات مصر بإيران ولا نرى فرصة لمزيد من التعاون والتشارك بين البلدين؛ فمصر حريصة على علاقاتها الجيدة بدول الخليج وليس من مصلحتها فتح قنوات دبلوماسية وعلاقات قوية مع طهران في المرحلة القادمة بسبب التوتر الإقليمي السائد في المنطقة.
د. خالد محمد غازي
رئيس تحرير وكالة الصحافة العربية بالقاهرة
(1)
احتمالات متعددة رسمتها أول زيارة خارجية قام بها الرئيس المصري المنتخب د. محمد مرسي التي خص بها المملكة العربية السعودية، حول مستقبل العلاقة بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين عقب وصولها لسدة الحكم، بين ضرورة إعادة تخطيط السياسية السعودية الخارجية في التعامل مع صعود التيار الإسلامي المتمثل في بعض دول الربيع العربي وتبادل التفاهمات التي ستحدد مستويات العلاقة مستقبلاً.
لكن لماذا اختار الرئيس مرسي المملكة السعودية كوجهة أولى على أولويات أجندته الخارجية؟ بالتأكيد لم يكن الاختيار آتيا من فراغ، لأن المنطقة العربية تهيأت عن أكملها لاستقبال أول رئيس مصري مدني منتخب، فالسعودية تعتبر على رأس عدد من دول الخليج؛ تتخوف من التوجه المصري تجاه الجمهورية الإيرانية؛ حيث ظل الرئيس السابق معادياً لإيران وسياستها؛ لكنه في الوقت ذاته متجهاً سياسياً وعربيا إلى السعودية باعتبارها من أكبر دول المنطقة تأثيرا وصنعا للقرار السياسي والتوازنات الإقليمية، فالزيارة جاءت تأكيدا على قوة العلاقة وأنها لن تتغيير وأن "أمن الخليج خط أحمر"، لطمأنة الأسرة المالكة على دورها الإسلامي الريادي عالمياً، وأنه لا عداءات بين الفكر السعودي والإخواني، فضلاً عن أن السعودية قادرة على مساعدة مصر للنهوض من كبوتها الاقتصادية وتوفير فرص للاستثمار؛ ودعم الاقتصاد المتعثر في هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها عقب الثورة، بالإضافة إلى العمالة المصرية في المملكة التي تجاوزت مليوني فرد، ولا شك أنه بين هذا وذاك أهمية الدور الذي تلعبه السعودية كلاعب سياسي أساسي في المنطقة، ورغم اختلاف العديد من المواقف السياسية، إلا أن الزيارة خالفت كل التوقعات وأبرزت براجماتية محمد مرسي في أهمية إقامة علاقات جيدة مع السعودية.
(2)
وبنظرة لتاريخ العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والمملكة، نجد أن الزيارة الأولى لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا للسعودية كانت في العام 1936، حيث التقى مؤسس الدولة السعودية الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود؛ الذي كان حريصا على استقبال علماء الدين للسلام عليه عقب انتهاء الحج، في وقتها كان البنا تدور بينه والملك أحاديث ودية عن مستقبل العلاقة بين مصر والسعودية، ولم يكن إعجاب البنا بالملك خافيا على أحد، وقد أشار في مذكراته إلى أن السعودية "هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، شعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح" وهو التوجه ذاته للملك عبدالعزيز الذي أكد في أكثر من موضع.
وقد شهدت العلاقة مع جماعة الإخوان في السعودية على مدى العقود الماضية؛ ابتداء من ثلاثينات القرن المنصرم مداً وجزراً، يحيطها الاختلاف لكنها تقوم على التقارب إذ توسط الملك سعود لدى الرئيس جمال عبدالناصر في أزمة الإخوان في عهده، وقد استجاب عبدالناصر لوساطة الملك، إلى أن قامت الجماعة مرة أخرى بالمعارضة له حتى انقلب عليهم مجدداً، وفي عهد الملك فيصل لعبت جماعة الإخوان دوراً بارزاً في تقوية العلاقات المصرية - السعودية.
(3)
وما من شك في أن المحور السعودي - المصري يلعب دورا مهما في استقرار النظام الإقليمي العربي وفق استراتيجية شاملة للحافظ على أمن المنطقة بأسرها، ويدعم التحولات الإقليمية والعالمية كافة بما يبرز منها على ساحة الشرق الأوسط، ويصب في مصلحة أمن الخليج الذي أكدته الزيارة – التي قام بها مرسي - بحفاظه على توازنات القوى في المنطقة؛ وأنه لن يغامر بها لصالح إيران، لاسيما أن الغموض ما زال إلى الآن يكتنف العلاقات المصرية الإيرانية، حتى وإن كان أغلب النخب المصرية يميل إلى دعم وتقوية هذه العلاقات؛ لكونها ضرورة حتمية لاستعادة التوازن المفقود في المنطقة لكن يبدو أن الرئيس مرسي بخلفيته الإسلامية وتوجهاته البرجماتية ينطلق من الواقع ولا يحمل رؤية مستقبلية في كيفية التعامل مع إيران وهو ما يصعب إمكانية عودة هذه العلاقات؛ فالتخوف من المد الشيعي ليس مبررا لاستمرار قطع هذه العلاقات فمصر دولة سنية وشعبها يعشق آل البيت ولن يستطيع أحد تشييع الشعب المصري كما أنها لن تؤثر سلباً على علاقات مصر بدول الخليج؛ فالقول بذلك هو عبث سياسي؛ فدولة الإمارات العربية المتحدة - على سبيل المثال - لها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إيران؛ بالرغم من احتلال إيران لثلاث جزر إمارتية، فهناك الكثير من الثمار السياسية والاقتصادية التي ستعود على مصر من استعادة العلاقات مع إيران؛ أهمها إعادة شكل التوازن لعلاقات القوة في المنطقة وتطوير الميزان التجاري المصري الإيراني؛ فإيران بها العديد من الاستثمارات التي تجعل الدول تسعى للتعامل معها.. بالإضافة إلى انتعاش القطاع السياحي؛ فإيران بها نصف مليون سائح سيأتون إلى مصر سنويا؛ وهو ما يدر دخلا يقدر بثلاثة مليارات دولار؛ ناهيك عن امتلاكها لخبرات تصنيعية وتكنولوجية يمكن لمصر الاستفادة منها.
(4)
وتبقى المسئولية المشتركة بين مصر والسعودية في المنطقة كأكبر الدول العربية في تعزيز وحدة القرار السياسي العربي؛ ودفع عجلة التعاون الاقتصادي إلى الإمام، التي باتت استراتيجية ناضجة ومتكاملة في المجالات كافة، وحققت الكثير من الإنجازات في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية، لاسيما أن الاقتصاد المصري بحاجة ماسة إلى الاستثمارات الخارجية؛ خاصة العربية والتي تستحوذ فيها السعودية على نصيب الأسد، والرئيس مرسي أقر ضرورة دعمها في البلاد، وتأكيده على أنه سيزيل معوقات الاستثمار، وأنه سيعمل على استقطاب استثمارات جديدة، حتى يتمكن من إضفاء الطمأنينة لدى المستثمر السعودي.
ورغم أنه من الأرجح أن تشهد العلاقات المصرية الإيرانية قدرا من التحسن في العلاقات لكنه – بحسب آراء المراقبين – سيكون رمزيا وشكليا أكثر منه موضوعي وحقيقي وسيتم فقط رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين البلدين فزيارة الرئيس مرسي للمملكة العربية السعودية كأول محطاته الخارجية أكدت على عدم وجود تغيير جذري في علاقات مصر الخارجية وأولوية واهتمام مصر بدول الخليج؛ فليست هناك جدية حقيقية في تطوير علاقات مصر بإيران ولا نرى فرصة لمزيد من التعاون والتشارك بين البلدين؛ فمصر حريصة على علاقاتها الجيدة بدول الخليج وليس من مصلحتها فتح قنوات دبلوماسية وعلاقات قوية مع طهران في المرحلة القادمة بسبب التوتر الإقليمي السائد في المنطقة.
د. خالد محمد غازي
رئيس تحرير وكالة الصحافة العربية بالقاهرة
0 comments:
إرسال تعليق