الاثنين، 2 يوليو 2012

بذور تمرد في الضاحية الجنوبية

لان الأوضاع متردية جدا في كنف حزب حسن نصرالله في الضاحية الجنوبيه من بيروت التي تعاني من تسلط زعران الميليشيات على الشوارع ومن فرض خوات على المواطنين وكثرة الأشتباكات بين ميليشيا حسن نصر الله وميليشيات تابعة لكبرى عائلات المنطقة. بدأ الرأي العام بالتململ وهذه عينة عبارة عن مقال في جريدة السفير المؤيدة لحزب حسن نصر الله كتب جعفر العطّار في صحيفة " السفير


بعد التمرّد الأخير في طريق المطار بثلاثة أيام، احتجاجاً على غياب الكهرباء، قررت قيادتا «حزب الله» و«حركة أمل» منع قطع الطرق. انتشر الخبر في الضاحية، وساد ارتياح معنوي عند عامة الناس، إذ سبقت قطع طريق المطار احتجاجات مماثلة، توزعت يومياً في الغبيري والأوزاعي والمشرّفية، ومستديرة «الجندولين»، وجادة الأسد (من الجهة العليا)، والمفترق المواجه لمطعم «KFC»، الذي كان مسرحاً موازياً لانتفاضات طريق المطار. مع ذلك، لم يمرّ القرار من دون تحليلات سياسية، محللوها هم من عامة الناس. فقد بدا التخوّف من الفتنة، بالنسبة إلى كثر، كما لو أنه تمثال من القشّ بذراعين مفتوحتين على اتساعهما، له رأس مصنوع من الخشب، يعتمر قبعة ممزقة: فزّاعة. يرافق هذا التحليل سخط عارم على الأحزاب السياسية، مؤداه: «لقد وعدونا، منذ تأليف الحكومة الحالية، بالاهتمام بالقضايا الاجتماعية؟ أين هي وماذا تحقق منها؟ لماذا يتعين علينا دائماً أن نكون رهينة الصفقات السياسية؟». عند السؤال عن الحلول التي يستطيعون اجتراحها، هم الذين يعرّفون عن أنفسهم بـ«الشعب»، كانوا يقولون، قبل اشتعال الإطارات السياسية حديثاً، إن "تسديد ضربة انتخابية لهم جميعاً، هو الحلّ الوحيد، كي يدركوا، ولو لمرة واحدة، أننا لسنا قطيع غنم". إلا أن وميضاً من أحاديثهم للإعلام، يولّد خيطاً يفضي في نهايته إلى سؤال لا مفر منه: لماذا يتخوّفون من نشر أسمائهم؟ هكذا، يفرغون كل ما يحملون من تراكمات وانتقادات، باسترسال وبلا طلاسم، لمجرّد تأكدهم من أن لا أسماء تتوّج تصريحاتهم، قناعاتهم. بذلك، يغدو الإفصاح عن مكنونات مسجونة في الغرف، مشروعاً: "تخيّلوا أن بعض الشبان، فكروا، مجرد التفكير، في الاحتجاج أمام منزل أحد نواب المنطقة. إلا أنهم عدلوا عن الفكرة، لسبب بسيط: لا يريدون أن تسند إليهم تهمة العمالة للعدو الإسرائيلي!»، يقول رجل بلا "اسم". الرجل ذاته، الذي اقترح تدوين «أي اسم وهمي، فما الفرق؟»، يقول إن "النحيب من الكهرباء وتأنيب الأحزاب السياسية، ورفع الصوت حتى لو سلمياً، لن يفهمها المتنفّذون في هذه الأحزاب، لأنهم لم يجربوا، في الماضي القريب، العيش بلا كهرباء. لذلك، فإنهم لن يصدّقوا أن مطالبنا محقة ومؤلمة فعلاً، فيتحول الشاكي الى شخص خارج عن المسيرة، وربما عميل". مرّ نحو أسبوع ونصف الاسبوع على القرار المشترك بمنع قطع الطرق، احتجاجاً على غياب الكهرباء، ثم شهدت العاصمة إطارات محترقة جديدة، لأسباب لا تمت إلى الكهرباء بصلة. اليوم، يبدو التبرّم من أزمة الكهرباء كما لو أنه انزعاج من مرور ذبابة، بينما الهم الأساس، مثل العادة: الوضع السياسي في البلاد. التمرّد الأخير في تمرّدهم الأخير، كان شبان من الحيّ المتاخم لطريق المطار، يقفزون بأياد مرفوعة إلى الأعلى وهم سائرون بين السيارات، يشتمون ويضربون ويصرخون كيفما اتفق، بنزق، بينما كان آخرون يقتلعون الأشجار المتراصة عند ناصية الكوكودي، ثم يحملونها فيرمونها بين البؤر المتقدة لهباً. آنذاك، لم تكن ظاهرة قطع الطرق، احتجاجاًَ على انقطاع التيار الكهربائي، محرّمة من جانب الجهات السياسية المسيطرة، بل كانت تسير في طريق ضبابي ينذر بتحريمها، مدفوعة بتسريبات مقتضبة: «جماعتنا غير موافقة على قطع الطرق، الوضع لم يعد يُطاق»، كانوا يقولون. يحلو لهم، وهم ربما غدوا قلة وربما ينبتون مثل النعناع، إرفاق نون الجماعة في الأحاديث المستقاة من ينبوع خاص، يفيض بمعلومات مُسرّبة عن جهات سياسية، ويكون محدّثها إما منضوياً في تحركهم، وإما مزهواً بأنه يغرف من الينبوع، بما أن الدلو لا يجد إلى الإعلام سبيلاً. هم مقتنعون بصواب القرار، الذي كان آنذاك محشوراً في إناء يغلي قبل التمرّد الأخير في طريق المطار، منذ نحو ثلاثة عشر يوماً، محصّنين قناعتهم بمعلومة من الينبوع: "السبب الرئيس للقرار ليس تذمّر الناس من قطع الطرق، بل التخوّف من وقوع فتنة". الفتنة، وفق معلوماتهم آنذاك، قابلة للمضي قدماً، ثم الوقوف والسير من مكان إلى مكان، ما إن يشتبك فريق من قاطعي طريق السفارة الكويتية، مثلاً، بفريق آخر من قاطعي طريق المدينة الرياضية: لونان يقطعان الطرق للغاية ذاتها، لكن بينهما طريق قديمة، مملوءة بحفر مفخخة بألغام طائفية. مع ذلك، كان التمرّد الأخير في منطقة تجاورها منازل تؤوي جمهوراً من اللون الواحد، إلا أنها بدت تمرّداً على اللون ذاته، على الجهات السياسية المسيطرة: عندما أيقن المتمردون على الناس، أن عناصر «حزب الله»، الذين هرعوا إلى المكان لفضّ الاحتجاج، لم يكن بحوزتهم أسلحة، راحوا يشتمون، أمام الملأ، الحزب. ولمّا حاول المسؤول عن المجموعة الحزبية، إقناع الشبان بفتح الطريق، ردّوا عليه بجواب موحد: «اجلب لنا الكهرباء، نفتح الطريق!». في تلك الأثناء، وبينما كان الشبان منهمكين في إضرام النيران، انتبهوا إلى أن الطريق لم تزدحم بالسيارات بعد. ساد هرج ومرج، ثم تبين لهم أن المنفذ المؤدي إلى «جادة الأسد» مشرعٌ أمام السيارات، فسارعوا إلى إغلاقه. بعد دقائق من سدّ الثغرة، ازدحم السير، وارتفعت أصوات السائقين: "يا شباب، والله نحن بلا كهرباء أيضاً، ما ذنبنا؟." غير أن توسلاتهم، سواء بنبرة مستكينة أو غاضبة، لم تشفع لهم: «حــتى لو ذرفتم الدموع، فلن نفتح الطريق!». وبينما كانوا يتنقلون من نافذة سيارة إلى باب حافلة، بصدور منفوخة، هتف المسؤول الحزبي: "يا شباب، ثمة مصوّر تابع لصحيفة موالية لـ14 آذار يصوّركم من أعلى الجسر!". بحركة آلية، اجتازوا السيارات والنيران وهم يصرخون: "هناك، في الأعلى!»، حتى وصلوا إلى الرصيف أسفل الجسر، بعد ركض استغرق نصف دقيقة. حدّقوا في الجسر، ثم أعلن أحدهم بنبرة غاضبة: «لا أحد، إنها خدعة!". وبينما كانوا يعودون أدراجهم، بوجوه مكفهرة، كان شبان الحزب قد تمكنوا من فتح المنافذ الثلاثة المغلقة، ولم يكن ثمة مفرّ: «حسناً، لقد نجحتم اليوم في ذلك، لكننا سنعود غداً، وسنبقى هنا، حتى تجلبوا لنا الكهرباء»، قالوا، وغادروا إلى منازلهم الغارقة في الظلام. فريقان بدت انتفاضات الشبان الغاضبة، كما لو أنها الصوت الرسمي الوحيد، لأصوات مجروحة تنزف بكاتم صوت رسمي، منذ سنوات: التبرّم من غياب الكهرباء يجد طريقه في الأحاديث العامة فقط، سواء أكان حديثاً تحليلياً للأزمة القديمة، أم كان كومة من الشتائم للدولة بشكل عام، ووزير الطاقة بشكل خاص. هكذا، تغدو الشكوى خاصة إلى أقصى الحدود، مغلقة على ذاتها، تجلد ذاتها وتلعن من يحرمها نوماً مريحاً وسط قيظ قاس، وتلعن من يفسد طعامها في البرادات ويحجب عنها كل فوائد الكلمة الأكثر شهرة في لبنان: الكهرباء. وعندما تخرج الشكوى من قوقعـتها، تبدو كما لو أنها تحمل مجمـوعة شـبان كانوا في غرفة شـبّ فـيها حريـق كبـير، فخرجوا منها مذهولين، يلهثون خوفاً وغضباً، يبحثون عن متهم افتراضي في الحريق الذي أصابهم، فلا يجدون إلا أقرانهم الذين هم مثلهم: محترقون. فريقان: الأول يلعن ويشتم ويغضب في المنزل، يتقلّب على جنبيه ذات اليمين وذات الشمال، محاولاً التغلّب على قيظ يبلله بالعرق. يستسلم عنوة، فيصعد إلى سطح المبنى، ربما مع الجيران وربما وحيداً. يسأل نفسه، محدقاً في السماء، أو يسألهم: "هل نحن قطيع غنم؟". في الفريق الأول ذاته، الأبكم بحنق، ثمة أصحاب مؤسسات تجارية، سواء صغيرة أو كبيرة. هم تعوّدوا على الشكوى ذاتها في كل عام، كما تعوّدوا على سؤالين: «العادية».. أم «الاشتراك»؟ لم يكن مصطلح «العادية» رائجاً كما الآن، إذ كانت الكلمة الأصل: «الدولة». لكن مع غياب المواعيد المحددة سلفاً للتقنين، في هذا العام بالتحديد، وغياب حقوق دُنيا، تبدد مفهوم الدولة من جذوره، وساد، كما في كل عام، سخط على الأحزاب، بما أنها هي الدولة. أما الفريق الثاني، فهو يقطن في منزل يحترق بغتة، وبدلاً من إطفاء الحريق، أو التفكير في سبل إخماده، كما حاول الفريق الأول وما زال، فيخرج من المنزل باحثاً عن إطارات لإحراقها، مخدراً بغضب سرعان ما يفرغه في وجوه أقرانه. الفريقان يحملان الكثير من السخط على الأحزاب، التي يجددان لها الولاء في كل موسم انتخابي. «سنريهم في هذه الانتخابات أننا لسنا قطيع غنم»، كانوا، قبل تبدّل هوية الإطارات المشتعلة الجديدة، السياسية، يقولون. مؤامرة كونية كان أسد السبع، وهو مصفف شعر وحلاق شهير في برج البراجنة، يسكب الماء على رأسه، واقفاً في القرب من مجموعة أصدقاء عند سطح المنزل، عندما هتف بهم قائلاً: "فلنذهب إلى المطار، وننم هناك، تحت هواء المكيّف." وعندما تأكدوا من أن الرجل لا يمازحهم، إذ طلب من ابنته أن تجلب له فراشاً للنوم، أقنعوه بتأجيل تنفيذ الفكرة. كانت والدته، وهي سيدة سبعينية، تجلس في ركن قريب منهم. توقفت عن هز المروحة الورقية، وسألت: "يا ابني، لماذا لا يأتي نواب المنطقة إلى هنا، كي يصدروا بيانات التضامن مع وزير الكهرباء؟". أصدقاء أسد، وزبائن الصالون، ينتمون إلى الفريق الأول: كانوا يتحدثون عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة. «سأنتخب مايا دياب، وربما هيفاء وهبي»، قال أحدهم، ثم توالت المواقف الساخرة من النواب. بعد انقضاء الليلة السياسية الضاحكة، والمتوعدة في آن، سمع أسد أجوبة مماثلة من زبائن الصالون. «يا رجل، علي عمار (النائب) جلب مولداً كهربائياً بقوة 800 KVA، بدلاً من المولّد القديم الذي كان بقوة 200، فما همه إذا وصلت الكهرباء إلى منازلنا أم لا؟». وبينما كان الزبون، وهو حزبي سابق، يحاول الاستفاضة في حديثه، قاطعه زبون آخر، قائلاً بنبرة ماكرة: «لماذا النقّ يا أخي؟ ما همنا في الكهرباء، سواء وصلت أم لم تصل؟ السيّد والسلاح بخير، والجنرال (ميشال عون) يحارب مؤامرة كونية تستهدف الصهر (باسيل). هذه هي همومنا".

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية