الاثنين، 31 ديسمبر 2012

هذا ما يحدث في حمص

بقلم: عبد الكريم بدرخان

وقعتْ مجزرة في حي دير بعلبة بحمص، مساء يوم الجمعة 28/12/2012، راح ضحيتها حوالي 150 مدنياً، قُتِلوا وذبحوا وقطّعوا على يد قوات النظام السوري. إذ كانت قوات النظام تحاول اقتحام دير بعلبة منذ أسابيع عدّة بهدف السيطرة على "شارع الستين"، وهو الطريق الدائري الذي يلفّ حمص من جهة الشرق.

ولقيتْ قوات النظام مقاومةً عنيفة من كتائب "الجيش الحر"، واستمرتْ المعارك لأسابيع عدّة متتالية، استخدَمتْ فيها قواتُ النظام الأسلحة الكيماوية يوم 23/12/2012، وفي النهاية اضطُّر الجيشُ الحرّ للانسحاب من دير بعلبة، فدخلتْ قوات النظام وارتكبتْ مجزرتها. وهنا تمّ تحميل الجيش الحرّ مسؤولية ما حدث، لأنه انسحبَ وترك المدنيين يواجهون الموت ... لكن للموضوعية يجب كشف بعض الحقائق.

الوضع الجغرافي والديموغرافي في حمص:

مدينة حمص الآن مقسّمة إلى ثلاث مدن:

1- القسم الأول: يضمّ مركز المدينة، وأحياء حمص القديمة (الحميدية- باب الدريب- باب تدمر- باب هود-....) وأحياء حمص الشمالية (الخالدية- البياضة- القصور-....)، وعدد هذه الأحياء بمجموعها حوالي 14 حياً. يشكل هذا القسم الأول حوالي ثلثي مدينة حمص، وهو القسم المحاصر حصاراً كاملاً من قبل قوات النظام منذ ثمانية أشهر، وهو الذي يقصف بالمدافع والصواريخ والطيران الحربي يومياً، بسبب وجود الجيش الحر فيه.

2- القسم الثاني: يضم ثلاثة أحياء تقع في الجهة الغربية من المدينة، وهي أحياء: (الوعر- الحمراء- الإنشاءات) وهي أحياء حديثة ذات غالبية سكانية سُنّية، وهذه الأحياء لا تتعرض للقصف لعدم وجود الجيش الحر فيها. فهي أحياء آمنة من جهة، ومستباحة من جهة أخرى. لأن قوات الأمن تستطيع دهم واعتقال واختطاف من تشاء منها، وفي أي وقت تشاء. وقد نزح إلى هذه الأحياء مئاتُ الآلاف ممن كانت بيوتهم تقع في أحياء القسم الأول.

3- القسم الثالث: وهو يضم الأحياء الموالية للنظام، وهي أحياء ذات غالبية سكانية علوية، تمتد من جنوب شرق المدينة إلى شرقها، وتضم أحياء: (عكرمة- النزهة- الزهراء). وقام النظام بتجنيد عدد كبير من شباب هذه الأحياء في فرق الشبيحة، التي شاركتْ في قمع التظاهرات منذ أول يوم في الثورة. وهذا القسم الثالث، يحيط به جيش النظام من كل الجهات بغرض حمايته، بالإضافة إلى أن البيوت مليئة بالسلاح، فالغالبية السكانية مؤيدة للنظام، وتدافع عن بشار الأسد أكثر مما يدافع هو عن نفسه.

وضع الجيش الحرّ في حمص:

قبل سنة من الآن، كانت كتائب الجيش الحر في حمص، أقوى الكتائب في سوريا. فتجّار المدينة كبّوا أموالهم من أجل الثورة، ونساء المدينة باعتْ أساورها لتشتري بندقية لرجالها. وهي المدينة التي صمد فيها "الجيش الحر" في بابا عمرو شهراً كاملاً، عندما كان جيش النظام في عزّ قوته. والآن.. أصبح الجيش الحر في حمص الأضعف بين كتائب المعارضة في سوريا.

عملتْ الدول الكبرى والإقليمية، بالتنسيق مع مموّلي الجيش الحر، وربما قيادات المجالس العسكرية، على إضعاف الجيش الحر في حمص، وإبقائه غير قادر على مواجهة قوات النظام وشبيحته، ونجحوا في ذلك، فالثوار في حمص محاصرون منذ ثمانية أشهر دون أن تصلهم طلقة رصاص، أو لقمة خبز. وتم إضعاف الجيش الحر في حمص بعدة طرق:

أولاً: عدم إرسال الأسلحة النوعية إلى حمص كالتي ترسل إلى حلب وإدلب، فثوّار حمص يحاربون ببنادقهم الخاصة. ثانياً: عدم وجود ضباط منشقّين يحاربون في حمص، فمعظم الضباط المنشقين جالسون في المخيمات التركية، ومعظم القيادات والتشكيلات العسكرية هي كيانات وهمية، لا يراها الثوار على الأرض. فمن يحارب في حمص اليوم، هم أبناء المدينة الذين كانوا يعملون في مهنٍ أخرى قبل الثورة، أو يدرسون في الجامعات، وهم ليسوا عسكريين أصلاً ولم يحملوا السلاح من قبل. ثالثاً: عدم استجابة القيادة العسكرية للجيش الحر في ريف حمص إلى نداءات الثوّار المحاصرين المتكرّرة، واستنجادهم لفكّ الحصار عن حمص. رابعاً: فوضى التمويل وفوضى السلاح، فالتمويل يكون ضخماً عند كتائب معينة، ومعدوماً عند كتائب أخرى. فكلّ طرف خارجي يموّل فريقاً معيناً، ليضع يداً له في سوريا. وغالباً ما تكون الجماعات السلفية الجهادية صاحبة التمويل الأكبر، فهي تقدّم خدمة للعالم بتشويه الثورة السورية، وحرفها عن مسارها الوطني الشامل، وتحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة.

أما الحكمة والغاية التي تدفع الدول الكبرى والإقليمية إلى إضعاف الجيش الحر في حمص، هي منعه من الهجوم على مواقع الجيش النظامي، أو فروع الأمن، أو مراكز الشرطة. لأن هذا الهجوم سوف يؤدي فوراً إلى اقتتال سُنّي- علوي في حمص، لأن معظم ضباط الجيش والأمن وعناصرهم هم من أبناء الطائفة العلوية، بالإضافة إلى الآلاف من الشبيحة الذين تطوّعوا في مراكز الجيش والأمن منذ بداية الثورة. فلذلك رأى المجتمع الدولي أن تدمّر مدينة حمص بأكملها، وأن يهجّر مئات الآلاف من سكّانها، ريثما يتمّ التدخل لحماية الأحياء العلوية، أو تقسيم البلاد، الذي تشكّل مدينة حمص العقبة الأولى في طريقه، وهي المدينة التي سوف تفشل مشروع تقسيم سوريا رغماً عن أنف الجميع.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية