الثلاثاء، 26 أبريل 2011

أزمة النظام في سوريا تعرّي حلفاءه في لبنان


لم تتحوّل أي من الثورات التي شهدتها المنطقة العربية؛ لا سيما الثورتان الناجحتان –حتى الآن- في تونس ومصر، إلى مادة خلافية في أية دولة عربية أخرى. وحدها الاحتجاجات في سوريا تحوّلت إلى مادة خلاف داخلي في لبنان، وصل إلى حد اتهام فريق لبناني لفريق آخر بـ "التورط المريب بالشؤون الداخلية لسوريا" (بيان "حزب الله").

وإذا كان حلفاء النظام السوري في لبنان يبدون -في الظاهر- اليوم؛ في موقع من يوجّه الاتهام إلى "تيار المستقبل"، على خلفية وقائع، غير ثابتة، لدعم المحتجين، وبعد شريط "الاعترافات" الذي بثه الإعلام الرسمي السوري، فإن واقع الحال أن هؤلاء –الذين يتهمون "تيار المستقبل"- قد وضعوا أنفسهم -أو وُضعوا- في موقف لا يُحسدون عليه!.

1- في السابق؛ كان حلفاء النظام السوري في لبنان يتمتعون بوضع مريح في علاقتهم بحليفهم الإقليمي الداعم لهم. لم تكن ثمة مؤشرات ظاهرة للفصل ما بين الشعب والنظام في الشام، وبالتالي فقد كان يصح وصف هؤلاء -تجاوزاً- بأنهم "حلفاء سوريا في لبنان"، أما اليوم فلم تعد هذه الصفة دقيقة، لأن الرئيس بشار الأسد خيّر هؤلاء بالقول أمام مجلس الشعب: "لا مكان لمن يقف في الوسط"(30/3/2011)، فإما الوقوف مع المحتجين (سواء وصفوا بذلك أو وصفوا بالمندسين)، وإما الوقوف مع النظام!، وقد اختار "حزب الله" وحلفاؤه الوقوف إلى جانب النظام، الأمر الذي انعكس في أدائهم السياسي، المتبني وجهة نظر القيادة السورية، وفي إعلامهم، الذي تحوّل جزءاً من المنظومة الإعلامية الرسمية السورية.

ولا شك هذه "النقلة" المحرجة قد زادت من تعرية هذا الفريق، لجهة الولاء السياسي من جهة، ولجهة الحماية التي كان يحظى بها من جهة أخرى، إذ ليس ثمة مبالغة في القول إن هذه "النقلة" تحمل هامشاً كبيراً من المجازفة، على اعتبار أن التكهن بمآل الأوضاع في سوريا أمر غير متيسر الآن. علماً أن هذا التطور في أداء "حزب الله" وحلفائه يأتي في وقت يعاني فيه الحزب في علاقاته الشعبية مع الخليج العربي ومصر، وفي وقت يلتزم فيه خصمه السياسي؛ تيار "المستقبل"، أقصى درجات "الحماية الذاتية" من خلال شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعلى رأس هذه الدول سوريا، وهذا ما يعكسه إعلام "المستقبل"، ومواقف قيادييه، رغم "تحرش" النظام السوري به، وبثه فركات إعلامية متواصلة (الشيكات التي أظهرها وئام وهاب!، وحديث الملحق الإعلامي بالرئاسة السورية ميشال سماحة عن غرفة عمليات مشتركة بين الموساد و"الأخوان المسلمين" وتيار "المستقبل"!، وخبرية اعتقال عقاب صقر في بانياس بالجرم المشهود يحرض الناس على النظام!).

2- لم يكتف "حزب الله" وحلفاؤه بتحوله حليفاً لـ "النظام" السوري، بل زايد على هذا النظام، متهماً بوقت مبكر، فريقاً لبنانياً آخر، بـ "التورط بمؤامرة ضد سوريا"، وقد ساق على ذلك أدلة "كاريكاتورية" من قبيل تفريغ شاحنات في الشمال للسلاح ونقله من هناك عبر قوارب إلى سوريا (مع الأخذ بعين الاعتبار أن درعا منطقة بعيدة جداً عن الساحل وهي محاصرة حتى على وسائل الإعلام!). ولأن اتهامات "حزب الله" الأولى كانت مرتجلة إلى حد يسيء على هيبة النظام السوي نفسه (ذلك أن أفشل الدول في العالم لا يمكن أن تكون حدودها البحرية مستباحة بهذا الشكل)، فإن النظام السوري لم يتبنها، وإنما اعتمد رواية أخرى للتدخل المزعوم لـ "تيار المستقبل"، وهي الاتهامات التي عرضها التلفزيون السوري فيما أسماه: "اعترافات".

هذه الحماسة المفرطة لإقحام فريق لبناني في الشأن الداخلي السوري، ثم أخْذِ "حزب الله" على عاتقه الرد على نفي تيار "المستقبل" لاتهامات الإعلام الرسمي السوري له، بدلاً من النظام السوري نفسه (صدر بيان رسمي عن الحزب بهذا المعنى)، مضافاً إلى ذلك؛ التحضير الإعلامي المسبق لاتهام "المستقبل"، بما يسمم العلاقات اللبنانية- السورية في الراهن والمستقبل، رغم ادعاء الحرص على تحسينها... هذا كله جعل "حزب الله" وحلفاءه أبعد ما يكون عن موجبات الانتماء إلى لبنان، إذ من بديهيات هذه الموجبات؛ التضامن الوطني، والمساعدة على حل الإشكالات مع الدول الأخرى، لا تحضير الأرضية لحدوثها. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الرئيس سعد الحريري لم يتبنَ اتهامات بعض السوريين لـ "حزب الله" بالتورط بقمع المتظاهرين، كما لم يُثِر من قبل؛ موضوع التدخل المادي لـ "حزب الله" في البحرين، وإنما انتقد خطاب أمينه العام فقط، ثم سعى لمحاصرة تداعيات هذا الكلام على اللبنانيين المقيمين في البحرين خصوصاً والخليج عموماً، خلافاً لما يفعل "حزب الله" اليوم في الملف السوري.

3- غداة "اعتراف" ثلاثة سوريين بأن النائب جمال الجراح يحرّكهم لـ"زعزعة الاستقرار في سوريا"، عقد "حزب الله" محكمته الخاصة، وأصدر حكم الإدانة على تيار "المستقبل"، بناءً على دليل "الإدانة" هذا، بل رد في بيان على "دفوع" تيار "المستقبل" بالقول: "إن الإعلام الرسمي في سوريا قد عرض عيّنة من تورط حزب المستقبل... ولم يقنع نفيُكم أحداً".

والمفارقة في هذا السلوك أن "حزب الله" محَضَ ثقته لفيلم؛ يعرف الحزب جيداً كيف يُنتج (رفضت وسائل الإعلام العالمية مجرد عرضه)، ثم اعتبره دليلاً لا يقبل الدحض، فيما هو يرفض الموافقة على قرار اتهامي، مدعّم بأدلة وبراهين، هي حصيلة عمل سنوات من التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هذا؛ مع ملاحظة أن اغتيال الحريري جريمة ثابتة؛ يجري البحث عن فاعلها، فيما لا يوجد في سوريا جريمة أصلاً، لأنه لا يكفي وصف المحتجين بأنهم مخربون ومندسون حتى يصبحوا كذلك!.

4- مضافاً إلى زيف الاهتمام بالعدالة، فقد أظهر سلوك فريق الثامن من آذار عموماً، إزاء ما يجري في سوريا، زيف اهتمامه بالشعوب وحرياتها، وأظهر كم كان التضامن مع الثورتين المصرية والتونسية سياسياً أكثر منه مبدئي؛ لأن الذي يهتم لواقع الشعوب وكرامتها لا يمكنه أن يؤيد الثورة في بلد؛ نظامه خصم له، ثم يحارب "الثورة" في بلد؛ نظامه حليف له!. كما لا يمكن لإعلامه تكرار مشاهد القمع في مصر ثم التغاضي عن مشاهد الإذلال الرهيبة للناس في سوريا!، فإما التزام الحياد –كما فعل فريق 14 آذار- على طول الخط، وإما مناصرة الشعوب على طول الخط. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن وضع الحريات في مصر-مبارك؛ كان متقدماً أشواطاً عما عليه الحال في سوريا، أقله من باب الإعلام، الذي ما زال إلى الآن مقتصراً عما يصوّره المحتجون أنفسهم، في ظل غياب كامل لوسائل الإعلام المحايدة، خلافاً لما كان عليه الحال إبان الثورة المصرية، حيث كانت كاميرات النقل المباشر تنقل الصورة لحظياً من ميدان التحرير.

5- ثمة نقطة أخيرة؛ قد لا يحسن التفصيل فيها كثيراً، لكن التغاضي عنها لا يلغي وجودها، وهي الفتنة المذهبية، التي يقول الجميع إنه يرفضها، فيما نجد أن أفعاله تعاكس أقواله...، وبلا تفصيل كثير؛ فإن سلوك "حزب الله" فيما خص تأييده فريق من الشعب البحريني، ثم دعمه النظام في سوريا، يحمل في طياته بعداً مذهبياً خطيراً، ما من شأنه صب الزيت على هذه النار المتأججة لعناتٍ في لبنان والعالم.

من أجل ذلك كله؛ يصح القول إن "حزب الله" وحلفاءه يضرون ويحرجون ويستنزفون أنفسهم يومياً بملف المستجدات المتلاحقة في سورية؛ ما يطرح سؤالاً متعدد الاحتمالات؛ هل هي حسابات خاطئة أم كؤوس مرة لا مناص من تجرعها؛ بمقتضى "الوفاء"-وفق تعبير السيد نصر الله- أو مقتضيات التحالفات الأخرى؟

وسؤال آخر ذو بعد مختلف: إزاء هذا الواقع، وبعد إقحام "المستقبل" و"14 آذار" رغماً عنها في أحداث سوريا؛ ألم تحن اللحظة السياسية لخروج "14 آذار" كلها؛ عن سياسة "عدم التدخل" ( وهي في بعض وجوهها غير أخلاقية، لأن ذبح الناس بالشكل الحاصل يستوجب وقفة من العالم أجمع، والأشقاء من باب أولى) والتقاط الفرصة التاريخية، لجسر الهوة المصطنعة بين شعبين شقيقين ومتصاهرين (الشعب السوري والشعب اللبناني)، من خلال التأييد العلني لـ "ثورة 15 آذار"، انطلاقاً من الواجب الأخلاقي، في احترام خيارات الشعوب، وتجسيداً لروح ثورات: الأرز، والياسمين، و25 يناير، وثورة ليبيا، وثورة اليمن، وكلها ثورات متشابهة، يشكل مجموعها ثورة العرب الكبرى...؟

فادي شاميه



0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية