حازم الأمين
يبدو أن الانتفاضة في سوريا افتتحت زمن الإنشقاقات عن نظام "البعث" في دمشق، وهو زمن مختلف عن زمن انطلاق الانتفاضة وزمن إيغال السلطة في العنف والدم. ولنا في لبنان على هذا الصعيد حصة، ذاك انه من المسلّي، إنْ لم يكن من المفيد، أن يُجري المرء تمريناً ذهنياً عن احتمالات الانشقاقات اللبنانية عن النظام السوري. وجاءت واقعة تفجير مركز الأمن القومي لتجعل من فعل التخيّل أمراً ملحّاً. فجنازات المسؤولين السوريين وأقاربهم لطالما مثَّـلت عراضة اجتماعية بالنسبة لنظرائهم اللبنانيين، وغياب أي مسؤول لبناني عن جنازات الوزراء السوريين الذين قضوا في تفجير دمشق اليوم سيكون انشقاقاً رمزياً أو ضمنياً، وما علينا سوى ان ننتظر. قبل البدء لا بد من ملاحظة ان احتمالات الإنشقاق اللبناني عن نظام "البعث" في دمشق أكثر تعقيداً من نظيرتها السورية، فالعلاقة بين النظام وبين أركانه في سوريا أوضح من تلك التي تربطه بأركانه اللبنانيين. هناك في دمشق دوائر نفوذ أمني وطائفي ومناطقي تنعقد العلاقات وفقها، وبالتالي تجري الإنشقاقات وفقها أيضاً. في لبنان مؤشرات الإنشقاق أصعب، فمن يُعلنه يكون قد أعلن أولاً أنه كان جزءاً من ذاك النظام، وهذا بمثابة انتحار سياسي وبعد فترة سيعني أيضاً انتحاراً اجتماعياً. في لبنان أيضاً أشخاص وأحزاب أقرب إلى نظام "البعث" من نفسه، لكنهم في الوقت عينه متخففون من صيغ العلاقة الرسمية والقانونية. وئام وهاب مثلاً أقرب إلى النظام في سوريا من كثير من الوزراء السوريين، لكن وهاب رئيس "حزب التوحيد اللبناني"! ويُعتَبر ميشال سماحة "عقل النظام الإعلامي" لكنه "consultant" من خارج الملاك. ويصحّ نفس الأمر على ناصر قنديل، فالرجل مجرد "مفكر عربي" يساعد النظام في صراعه مع اسرائيل ومع تيار المستقبل، والمفكر لا يعلن انشقاقه، وعندما فعلها عزمي بشارة صار "مفكراً سابقاً". الأمر محيّر فعلاً، إذ إنه لا يليق بنا نحن اللبنانيين أن نعجز عن الإنخراط في زمن الإنشقاقات، فالأحزاب اللبنانية التي كرس النظام في دمشق نفوذها في بيروت لن تتمكن من ان تنشق عنه. كيف يمكن ان تعلن حركة أمل "اللبنانية" انشقاقها عن نظام البعث "السوري"؟ من المرجّح أن "أمل" ستنشق على نحو غير صاخب، كأن ينخفض تدريجاً في خُطب مسؤوليها منسوب تمجيد العلاقة مع النظام السوري الى ان ينعدم (وهو ما بدأ فعلاً)، وفي هذا الوقت ستراهن الحركة على الذاكرة القصيرة للبنانيين، معتقدة، وقد تكون محقة في اعتقادها، انهم سينسون، لا سيما وأن التلاشي الذي تكابده "أمل" بفعل نفوذ "حزب الله"، قصر حضورها على مستواه النفعي. صعوبة الإنشقاق ستواجه "التيار الوطني الحر" أكثر مما ستواجه "أمل"، فـ"طزاجة" علاقة الأول بنظام "البعث" ستجعله أكثر ثقلاً في حركته، والتواريخ المتتالية التي وضعها الجنرال ميشال عون لنهاية الثورة في سوريا كانت تواريخ لتصاعد النزاع، لا لنهايته. إذاً انشقاق العونيين سيكون فعلاً مأسوياً، لا نتخيّل مسرباً له إلا أن يستيقظ الجنرال ذات صباح ويعقد مؤتمراً صحافياً يكشف فيه أنه كان وراء قانون محاسبة سوريا، والدليل على ذلك "الكتاب البرتقالي" الذي سُحب من التداول لضرورات عابرة، وها هو اليوم هدية مقدمة من الجنرال الى المحتجين السوريين في مدنهم وقراهم. لكن الخيال على هذا الصعيد خصب أكثر في الـ "ميكرو علاقة" مع النظام في سوريا، ذاك أن علاقة النظام مع أشخاصه أكثر جاذبية من تلك التي تربطه بالمجموعات والأحزاب. وهنا لا بد من عودة سريعة الى مستقبل أشخاص لبنانيين لا صفة تمثيلية لهم سوى ان دمشق تعتمدهم، كميشال سماحة وناصر قنديل ووئام وهاب وغيرهم. شخصياً أرجّح أن ينجح ميشال سماحة في العودة الى حزب "الكتائب"، ذاك ان شيئاً ما في سماحة يشبه شيئاً ما في الحزب، ثم إن "الكتائب" في هرمه وتوارثه يحتاج رجل ظل مثل سماحة يساعد في تصفية التركة. لن تقفل أبواب المختارة في وجه "المنشق الخيالي" وئام وهاب، فوليد جنبلاط نفسه سبق وانشق أكثر من مرة، ثم إنّ لوهاب ولغيره وظائف كثيرة في القصر. الطائفة في حماية البيك، وجنبلاط خبير في العلاقات الأهلية ومدرك لمردود حماية ابن ضال، ونكتة صغيرة يتداولها الرجلان كفيلة بغسل القلوب. الخيال سيعجز عن العمل في حالة المنشقّين الشيعة، ذاك أن تخيّل انشقاق أفراد كناصر قنديل وجميل السيد يستدعي تخيّل انشقاق أوسع قبله، أي "حزب الله" وحركة أمل. في حالة جميل السيد لن يساعده انشقاق "أمل" و "حزب الله" على ان ينشق، ذاك انه، حين كان مسؤولاً، فُرض على "أمل"، ولم يكن في "حزب الله"، والمسرب الوحيد في هذه الحال ان يطلق الرجل لحيته ويعلن انتسابه الى الحزب، وهو ما لا يُشبهه بحسب من يعرفونه. اما ناصر قنديل فهو "مفكر عربي"، والمفكرون زاهدون في دنياهم.
يبدو أن الانتفاضة في سوريا افتتحت زمن الإنشقاقات عن نظام "البعث" في دمشق، وهو زمن مختلف عن زمن انطلاق الانتفاضة وزمن إيغال السلطة في العنف والدم. ولنا في لبنان على هذا الصعيد حصة، ذاك انه من المسلّي، إنْ لم يكن من المفيد، أن يُجري المرء تمريناً ذهنياً عن احتمالات الانشقاقات اللبنانية عن النظام السوري. وجاءت واقعة تفجير مركز الأمن القومي لتجعل من فعل التخيّل أمراً ملحّاً. فجنازات المسؤولين السوريين وأقاربهم لطالما مثَّـلت عراضة اجتماعية بالنسبة لنظرائهم اللبنانيين، وغياب أي مسؤول لبناني عن جنازات الوزراء السوريين الذين قضوا في تفجير دمشق اليوم سيكون انشقاقاً رمزياً أو ضمنياً، وما علينا سوى ان ننتظر. قبل البدء لا بد من ملاحظة ان احتمالات الإنشقاق اللبناني عن نظام "البعث" في دمشق أكثر تعقيداً من نظيرتها السورية، فالعلاقة بين النظام وبين أركانه في سوريا أوضح من تلك التي تربطه بأركانه اللبنانيين. هناك في دمشق دوائر نفوذ أمني وطائفي ومناطقي تنعقد العلاقات وفقها، وبالتالي تجري الإنشقاقات وفقها أيضاً. في لبنان مؤشرات الإنشقاق أصعب، فمن يُعلنه يكون قد أعلن أولاً أنه كان جزءاً من ذاك النظام، وهذا بمثابة انتحار سياسي وبعد فترة سيعني أيضاً انتحاراً اجتماعياً. في لبنان أيضاً أشخاص وأحزاب أقرب إلى نظام "البعث" من نفسه، لكنهم في الوقت عينه متخففون من صيغ العلاقة الرسمية والقانونية. وئام وهاب مثلاً أقرب إلى النظام في سوريا من كثير من الوزراء السوريين، لكن وهاب رئيس "حزب التوحيد اللبناني"! ويُعتَبر ميشال سماحة "عقل النظام الإعلامي" لكنه "consultant" من خارج الملاك. ويصحّ نفس الأمر على ناصر قنديل، فالرجل مجرد "مفكر عربي" يساعد النظام في صراعه مع اسرائيل ومع تيار المستقبل، والمفكر لا يعلن انشقاقه، وعندما فعلها عزمي بشارة صار "مفكراً سابقاً". الأمر محيّر فعلاً، إذ إنه لا يليق بنا نحن اللبنانيين أن نعجز عن الإنخراط في زمن الإنشقاقات، فالأحزاب اللبنانية التي كرس النظام في دمشق نفوذها في بيروت لن تتمكن من ان تنشق عنه. كيف يمكن ان تعلن حركة أمل "اللبنانية" انشقاقها عن نظام البعث "السوري"؟ من المرجّح أن "أمل" ستنشق على نحو غير صاخب، كأن ينخفض تدريجاً في خُطب مسؤوليها منسوب تمجيد العلاقة مع النظام السوري الى ان ينعدم (وهو ما بدأ فعلاً)، وفي هذا الوقت ستراهن الحركة على الذاكرة القصيرة للبنانيين، معتقدة، وقد تكون محقة في اعتقادها، انهم سينسون، لا سيما وأن التلاشي الذي تكابده "أمل" بفعل نفوذ "حزب الله"، قصر حضورها على مستواه النفعي. صعوبة الإنشقاق ستواجه "التيار الوطني الحر" أكثر مما ستواجه "أمل"، فـ"طزاجة" علاقة الأول بنظام "البعث" ستجعله أكثر ثقلاً في حركته، والتواريخ المتتالية التي وضعها الجنرال ميشال عون لنهاية الثورة في سوريا كانت تواريخ لتصاعد النزاع، لا لنهايته. إذاً انشقاق العونيين سيكون فعلاً مأسوياً، لا نتخيّل مسرباً له إلا أن يستيقظ الجنرال ذات صباح ويعقد مؤتمراً صحافياً يكشف فيه أنه كان وراء قانون محاسبة سوريا، والدليل على ذلك "الكتاب البرتقالي" الذي سُحب من التداول لضرورات عابرة، وها هو اليوم هدية مقدمة من الجنرال الى المحتجين السوريين في مدنهم وقراهم. لكن الخيال على هذا الصعيد خصب أكثر في الـ "ميكرو علاقة" مع النظام في سوريا، ذاك أن علاقة النظام مع أشخاصه أكثر جاذبية من تلك التي تربطه بالمجموعات والأحزاب. وهنا لا بد من عودة سريعة الى مستقبل أشخاص لبنانيين لا صفة تمثيلية لهم سوى ان دمشق تعتمدهم، كميشال سماحة وناصر قنديل ووئام وهاب وغيرهم. شخصياً أرجّح أن ينجح ميشال سماحة في العودة الى حزب "الكتائب"، ذاك ان شيئاً ما في سماحة يشبه شيئاً ما في الحزب، ثم إن "الكتائب" في هرمه وتوارثه يحتاج رجل ظل مثل سماحة يساعد في تصفية التركة. لن تقفل أبواب المختارة في وجه "المنشق الخيالي" وئام وهاب، فوليد جنبلاط نفسه سبق وانشق أكثر من مرة، ثم إنّ لوهاب ولغيره وظائف كثيرة في القصر. الطائفة في حماية البيك، وجنبلاط خبير في العلاقات الأهلية ومدرك لمردود حماية ابن ضال، ونكتة صغيرة يتداولها الرجلان كفيلة بغسل القلوب. الخيال سيعجز عن العمل في حالة المنشقّين الشيعة، ذاك أن تخيّل انشقاق أفراد كناصر قنديل وجميل السيد يستدعي تخيّل انشقاق أوسع قبله، أي "حزب الله" وحركة أمل. في حالة جميل السيد لن يساعده انشقاق "أمل" و "حزب الله" على ان ينشق، ذاك انه، حين كان مسؤولاً، فُرض على "أمل"، ولم يكن في "حزب الله"، والمسرب الوحيد في هذه الحال ان يطلق الرجل لحيته ويعلن انتسابه الى الحزب، وهو ما لا يُشبهه بحسب من يعرفونه. اما ناصر قنديل فهو "مفكر عربي"، والمفكرون زاهدون في دنياهم.
0 comments:
إرسال تعليق