الخميس، 22 نوفمبر 2012

قواته مرهقة وفي وضع دفاعي: الحرب السورية تتحول ضد النظام

جيفري وايت

بعد مرور عشرين شهراً تقريباً على الانتفاضة الشعبية في سوريا، يبدو أن الحرب الداخلية في البلاد تقترب من مرحلة حاسمة. فمنذ أوائل تشرين الأول/أكتوبر أصبحت قوات الثوار في موضع الهجوم في المناطق الرئيسية بينما أصيبت قوات النظام بالإجهاد والإرهاق وأصبحت في موضع الدفاع بشكل متزايد فضلاً عن فقدانها السيطرة على بعض المناطق. وقد أخذ الصراع يتطور من حرب استنزاف (سقط فيها ضحايا من الجانبين بصفة أساسية) إلى حرب مواقع استطاعت فيها قوات الثوار الاستيلاء على نقاط تفتيش وتقليص وجود النظام في المحافظات وإغلاق الطرق والضغط على المعاقل والمنشآت الرئيسية للنظام. فإذا لم يحدث تغيير كبير في نهج بشار الأسد أو في التدخل المكثف من قبل «حزب الله» وإيران، فمن المحتمل أن يستمر الوضع العسكري للنظام السوري في التدهور، وربما بشكل كبير، في الأسابيع المقبلة.
عمليات قوات الثوار
ربما لم يملك الثوار حتى الآن هيكل سياسي أو قيادة عسكرية أو إستراتيجية وطنية موحدة لحربهم ضد النظام، إلا أن الآثار المتراكمة على عملياتهم العسكرية هائلة ومتصاعدة. وعلاوة على ذلك، فهم يمتلكون المبادرة العسكرية في مناطق رئيسية من البلاد.
وتدعم العمليات العسكرية التي يشنها الثوار عدة أهداف رئيسية. أولاً، هم يلحقون خسائر متزايدة في الأفراد والمعدات التابعة للنظام بما في ذلك الدبابات والمركبات المقاتلة والطائرات. ووفقاً للخسائر اليومية الواردة من "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، بلغ معدل عدد الذين لقوا حتفهم في صفوف قوات النظام ما يقرب من 50 فرداً يومياً في تشرين الأول/أكتوبر في زيادة عن العدد 35 المسجل في أيلول/سبتمبر. وفي الأحد عشر يوماً الأولى من تشرين الثاني/نوفمبر، زادت النسبة إلى 53 فرداً. ويجب أن يضاف على هذه المحصلة الجرحى والأسرى بالإضافة إلى المنشقين. وفي سياق متصل، بلغ متوسط الاشتباكات التي أوردتها التقارير بين قوات الثوار والنظام إلى ما يقرب من 25 اشتباك في اليوم في الشهر الماضي بزيادة عن العدد 18 المسجل في أيلول/سبتمبر. وكانت الأرقام الإجمالية التي سجلت في تشرين الأول/أكتوبر والتي بلغت 764 هي أعلى معدل شهري منذ اندلاع الحرب.
ثانياً، تُقلِص قوات الثوار من وجود قوات النظام وتأثيرها (خاصةً في المناطق الريفية ولكن أيضاً في المناطق الحضرية الهامة) وذلك عن طريق الاستيلاء على المواقع العسكرية أو إجبار الحكومة على تركها تحت ضغط منهم. وحتى في المناطق التي تكون فيها قوات النظام قوية نسبياً، تقاتل قوات الثوار من أجل السيطرة عليها.
ثالثاً، تقطع قوات الثوار شبكات الطرق الرئيسية خاصة في محافظتي إدلب وحلب، وعلى نحو متزايد في محافظة الرقة. ويعيق هذا التصرف من قدرة النظام على نقل قواته إلى المناطق المهددة ويجبرها على حماية مواقعها. ويسهم هذا بدوره في عزل مواقع النظام في المناطق المتنازع عليها بما في ذلك قواعد إطلاق المدفعية والمطارات الجوية. وعلى الرغم من أن الثوار لا يزالون يواجهون صعوبة في اجتياح مواقع القوات النظامية الهامة، إلا أنهم قادرون على محاصرتها ومضايقتها مما يحد من قابليتها ويجبر النظام على الدفاع عنها.
رابعاً، تهاجم قوات الثوار مواقع قوات النظام ومنشآته للحصول على الأسلحة والذخائر. وكل موقع يستولون عليه يمدهم ببعض منها وأحياناً بكميات كبيرة. وتشكل نقاط التفتيش ومنشآت الدفاع الجوي الأهداف المفضلة عليهم.
وبشكل إجمالي، تواصل العمليات العسكرية التي تشنها قوات الثوار الضغط على النظام في العديد من الجبهات. وربما لا يكون هذا جزءاً من إستراتيجية كبيرة ولكن مجموع هذه العمليات له تأثير مشابه. وقد أدى القتال في العديد من الأماكن إلى إنهاك القوات النظامية مما حرمها من القدرة على تجميع أعداد غفيرة [من قوات الحكومة] لشن هجمات كبيرة.
إستراتيجية النظام السوري وعملياته
أصبح الموقف العسكري للنظام مضطرباً بشكل كبير خاصة في محافظات إدلب وحلب في الشمال كما امتد أيضاً ليشمل المحافظات التي تقع شرق سوريا. ويتزايد الضغط في منطقة دمشق أيضاً. وهناك العديد من العوامل والاتجاهات الهامة التي تعيق قوات الأسد وهي: تضاؤل قدراتها الهجومية فضلاً عن أن جهودها الحثيثة الرامية إلى الحد من مكاسب الثوار أو قلبها رأساً على عقب باستخدام القوات الجوية والمدفعية لم تغير مسار الصراع بشكل جوهري. وبالرغم من ذلك، لم يغير النظام من الأسلوب الذي ينتهجه في هذه الحرب. وهو لا يملك إستراتيجية سياسية أو إمكانية لتطوير استراتيجية كهذه، لذلك أصبح القتال هو الخيار الوحيد.
وفيما يتعلق بالإستراتيجية العسكرية، يستمر النظام في الدفاع عن كافة المناطق التي يواجه فيها تحد - ولدوافع سياسية، فهو غير مستعد أن يتخلى بشكل كامل عن أي جزء من البلاد. وقد حاول النظام السيطرة على جميع المدن الرئيسية والمراكز الإقليمية الحيوية والحفاظ على وجوده في المناطق الريفية. وغالباً ما ترتب على هذا النهج هو تعرّض وحدات النظام الصغيرة للهجوم وتعرّض الوحدات الكبيرة للعزلة والإجهاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الأسلوب يدفع القوات النظامية إلى خوض معارك استنزاف داخلية مثل القتال للسيطرة على مدينة حلب والمعسكر الحربي في "وادي الضيف" في محافظة إدلب. وتستنفد هذه الاشتباكات موارد النظام دون تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة.
كما سعى النظام إلى الحفاظ على خطوط سيطرته المؤدية إلى المحافظات الشمالية والشرقية لا سيما في إدلب وحلب. وإذا لم يفعل ذلك فسوف يعرض قواته هناك إلى العزلة مما قد يؤدي إلى انهيارها أو هزيمتها وخسارة المحافظات نفسها.
ومن خلال تنفيذ هذه الجهود، يُعوِّل النظام السوري على الاعتماد بصورة أكثر على القوات الجوية وسلاح المدفعية الميدانية الكبيرة لوقف تقدم الثوار ودعم الهجمات المضادة المحلية وإيقاع خسائر في صفوف قوات الثوار والانتقام من السكان المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم النظام السوري قواتاً غير نظامية بشكل أكبر (مثل الشبيحة ومليشيات "اللجان الشعبية") لتخفيف العبء الواقع على كاهل قواته النظامية المقاتلة. وتتورط هذه القوات غير النظامية بشكل كبير حالياً في الاشتباكات وتتعرض لخسائر كبيرة.
وأخيراً، يبدو من الواضح أن التدخل المباشر لـ «حزب الله» آخذ في التزايد. فقد وردت تقارير مفادها أن بعض قوات «حزب الله» في لبنان قصفت أهدافاً عبر الحدود، في حين انضمت عناصر أخرى إلى الاشتباكات الميدانية في سوريا نفسها مما جعلها تتكبد خسائر كبيرة في الأرواح في تلك العمليات.
الميادين الحاسمة للمعركة
في المرحلة القادمة، من المحتمل أن يتحدد مصير النظام في ثلاثة ميادين رئيسية للحرب. أولها القتال في إدلب وحلب الذي تتسارع وتيرته وتتحول دفته أكثر فأكثر ضد النظام السوري. وقد فقدت قوات الأسد أراضي ومواقع في إدلب وتم قطع خطوط السيطرة داخل المحافظة أو غلقها. كما حاصرت قوات الثوار أيضاً المطار العسكري الرئيسي للنظام في تفتناز. وتواجه مدينة حلب خطر العزل بشكل متزايد من الغرب والجنوب والشرق كما يحاصر الثوار المعاقل الرئيسية للنظام بالقرب من بلدتي الأتارب ومناخ في محافظة حلب أو يضعونها تحت ضغط.
كما ازدادت حدة الاشتباكات في ريف دمشق وحتى داخل العاصمة نفسها. فقد اندلعت اشتباكات عنيفة هناك حيث تحاول قوات النظام المحافظة على سيطرتها على الضواحي مع وضع حد لوجود قوات الثوار داخل المدينة — وبعبارة أخرى تقاتل قوات الأسد الآن للدفاع عن مركز النظام السوري. والقتال المكثف هناك يعني أيضاً أن النظام لا يزال أقل قدرة على تعزيز ميادين هامة أخرى للمعركة.
كما تتنامي الثورة في الشرق أيضاً. ففي محافظة الرقة، تتزايد عناصر المعارضة المسلحة بشكل مستمر حيث قامت بالاستيلاء على أراضي قرب الحدود التركية (مثل تل أبيض وسلوك) إلى جانب إغلاق الطرق السريعة الرئيسية المؤدية إلى محافظات الحسكة ودير الزور في العديد من النقاط. وقد أوردت بعض التقارير أن الثوار هناك قاموا بإيقاف العديد من القوافل من بينها شاحنات وقود وتعزيزات متجهة من الحسكة إلى الرقة. وقد شهدت الحسكة التي كانت تعتبر إحدى أكثر المحافظات هدوءاً في سوريا زيادة واسعة النطاق في المعارك هذا الشهر من بينها الاستيلاء على معبر رأس العين الحدودي مع تركيا إلى جانب اشتباكات اندلعت في عدة مواقع أخرى في الشمال. وقد هرع النظام إلى إرسال تعزيزات إلى رأس العين ونشر مروحيات مقاتلة في المنطقة إلا أنه لم يستطع وضع حد لهذه الاضطرابات.
وعلى الرغم من أن الموقف في هذه المناطق يعتبر أكثر أهمية بالنسبة للنظام السوري إلا أنه لا يستطيع تجاهل الصراع في مناطق أخرى. فلا تزال محافظات دير الزور ودرعا وحماه وحمص تشهد معارك كبيرة وبموازاة ذلك شهدت محافظتي اللاذقية والقنيطرة زيادة في النشاط العسكري.
نظرة استشرافية إلى المستقبل
ربما تقترب الحرب في سوريا من الوصول إلى مرحلة حاسمة تكون في صالح الثوار. وتعتبر قدرة النظام السوري محدودة من ناحية استعادة سيطرته على بعض المناطق الهامة، كما أنه يواجه ضغوطاً متزايدة للحفاظ على مواقعه في مناطق أخرى. وقد يكون أفضل ما يتمناه النظام السوري هو وضع حد لمكاسب الثوار أو إبطائها.
وما لم يُحدث النظام تغييراً جوهرياً في الأسلوب الذي ينتهجه في هذه الحرب فيبدو أنه ليس هناك رجعة عن الاتجاه الذي تسير فيه الحرب. ويمكن أن يشمل ذلك قيام النظام في النهاية باستخدام الأسلحة الكيماوية أو حدوث تدخل كبير من قبل «حزب الله» وإيران أو تقهقر النظام من المحافظات المهددة بغية تعزيز قواته.
كما أن المساعدات العسكرية الخارجية للثوار يمكن أن تُحدث تحولاً في الموقف بشكل أكثر سرعة وحسماً لصالحهم، ومن المحتمل أن تستبق أي تحرك يقوم به النظام نحو اتخاذ إجراءات متطرفة. فهذه المساعدات ستتيح للثوار الدفاع عن المدنيين بشكل أفضل وستعمل على تعزيز المناطق التي سيطروا عليها وتؤدي إلى تقليص معاقل النظام بشكل أسرع إلى جانب زيادة استنزاف قوات النظام والتقليل من استنزاف قواتهم (حيث يلقى حالياً نحو 40 فرداً حتفهم يومياً). وبعبارة أخرى، فإن ذلك سيخفّض مدة الحرب.
وأخيراً، فإن تقديم مساعدات عسكرية في أقرب وقت إلى المجموعات المناسبة - وبالتحديد تلك المقبولة سياسياً من قبل الغرب والفعالة عسكرياً - قد يساعد على تجسيد الوضع في سوريا ما بعد الأسد بشكل يخدم المصالح الأمريكية. كما أنه سيمكن هذه المجموعات من لعب دور أكثر حسماً في نتائج هذه الاشتباكات والمطالبة بدور أكثر محورية في الإطاحة بالنظام. وهذه المساعدات ستضعهم في وضعية أفضل في الصراع ما بعد سقوط الأسد [ذلك الصراع الذي سيحدث] مع مجموعات أخرى خاصة المتطرفين الإسلاميين.
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.
موقع الشفاف

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية