الخميس، 29 مارس 2012

'القائمة العراقية'... بيع الديمقراطية بـ'تفاليس'

مِن حق القائمة العراقية أن يُعترف لها بأنها جمعت أهل العراق أكثر من غيرها، مع تفاوت النِّسب، وكان لها أن تتطور تدريجياً، بعد انكماش الأزمات، وما تأسست عليه السياسة بالعراق بفعل بول بريمر (2003 -2004)، الذي جاء يُكمل ما شرعته السياسة الأميركية للعراق في داخل المعارضة. كنا، ونحن مع المعارضة، نسمع بطوائف لا بالعراق، حتى وضعت تلك الطوائف مقابل العراق، وقدمت صدام حسين (أُعدم 2006) بالحاكم السُّنِّي، وهو ليس كذلك، فصدام كان طائفياً لنفسه، وما الموافقة بل والحث أن يُحاكم في قضية الدُّجيل، ويُعدم بمشهد مخز، إلا الرَّغبة في تعزيز الطَّائفية. تلك اللحظات التي جعلت ضحايا الحكم السَّابق، من أهل السُّنَّة، يلجأون إلى الظِّل الطائفي، بعد مشاهدة: عضو مجلس العدالة وأحد القضاة والمدعي العام يُحمل على الأكتاف، في لحظات الإعدام ويهزج: "منصورة يا شيعة حيدر"! فأين كان رئيس القضاء الأعلى، الذي تحول إلى مفتنٍ عند رئاسة الوزراء، من تجريم مثل هذا التَّصرف، الذي ساهم في المذابح! لم يكن الطَّائفي عندي، من أي الطَّوائف والأديان كان، سوى مبشر بالكراهية وكائن لئيم وبغيض، خصوصاً ببلد مثل العراق! الإنسان الطائفي أفعى رقطاء، مثلما عبر عنها محمد صالح بحر العلوم (ت 1992) صادقاً: "وأترك شعور الطائفيةِ جانباً/ فالطائفية حية رقطاءُ". قالها العام 1934، أي قبل ثمانية وسبعين عاماً. أرى الحق ما قاله شاعرنا نفسه: "إن المذاهب كالزُّهور تنوعت/ولكلِّ نوع نفحة زهاء/ مهما تعددت الفروع بشكلها/ فالحقُ فردٌ والأُصول سواء/ أنا لا أريد لأمتي حرية/ في ما تُدين وهي رعناء/إنا سقطنا للحضيض فهل لنا/ بعد السُّقوط تَرَّفع وعلاء" (الخاقاني، شُعراء الغري). تلك رسالة للطَّائفيين الذين يحملون مضغة الشَّر والكراهية، ولنا أن نُحمّلَ، أهل السيوف من ذوي السلطة وأهل الأقلام من ذوي الثقافة، مسؤولية دماء الأبرياء الذين راحوا وقوداً لمجامر الطائفية. لكل هذا كان المنتظر مِن القائمة العِراقية سعاية ضد الحال المتفشية في السياسة حتى عبرت إلى الثَّقافة، ويصعب عليَّ تسمية المتخذين من الشحن الطائفي موضوعاً في ما يكتبون بالمثقفين. أولئك لا يقرأون من التاريخ سوى ما يناسب الضغائن، هم يريدونها مقابلة أبدية بين عمر بن الخطاب (اغتيل 23 هـ) وعلي بن أبي طالب (اغتيل 40 هـ)! لقد أوقفوا عجلة الزمن عن الدوران عند تلك اللحظة، وأخذوا يفسرون بها كلَّ حادثٍ، هذه هي حقيقة الوضع بالعراق، وهو تحت زمام طائفيين لا يستحقون الانتساب إلى تاريخه وحضارته. فالفرق شاسع بين رئيس وزراء يحجب نفسه عندما يُصلي كي لا يراه النَّاس إلى أي مذهب ينتسب، وعنده الوطن أولاً ثم تأتي الاعتبارات الأُخر، ورئيس وزراء يقول مذهبي أولاً وثانياً وطني. مع علمنا أن المذهب لديه بضاعة لا أكثر. لكل هذا، توهمنا أن مع القائمة العراقية كوةً من النُّور في جوف الظلام الدامس، ليس في الاسم فحسب، وإنما في الاختلاط العراقي الذي سيتدرج ليشمل أطياف المجتمع أو الأمة العراقية جمعاء. لكن تلك الكوة أخذت تضيق شيئاً فشيئاً، حتى اتضح أن قادة "العراقية"، كانوا كغيرهم يلهثون وراء المناصب، فصادروا الأمل في خلق شعور من التَّقارب، وهم يعرضون تلك التَّجربة للبيع بأسواق النَّخاسة، ويلجأون إلى الطائفة في حلِّ الأزمات. كان على القائمة العراقية أمران لا ثالث لهما: إما الإصرار على ورقة الفوز في الانتخابات، ولا تبالي بقرار القضاء العام لأنه قرار سياسي لا عدلي، فإذا كانت الكتلة الفائزة ليس لها الحق بتشكيل الحكومة فعلام الانتخابات؛ وعلام السَّعي إلى الفوز طالما كان هناك من تتكتل معه وتُشكل الحكومة وإن كنت فرداً! كان على العِراقية ألا ترضى بلعبة التَّوافق التي أدخلت العراق في أزمات متفرعة عنها. وإذا لم تحصل رئاسة الحكومة لها كان عليها أخذ دور المعارضة الحقيقية داخل البرلمان، وفي هذه الحال يلتف حولها العراقيون، وتسقط الحسابات الطَّائفية، وبالتالي أن العراقيين يتطلعون إلى الخبز، الذي لولاه "لما عُبد الله" (الميداني، مجمع الأمثال). هنا سيحسب لها أنها أسست لديمقراطية صحيحة. لكن لا الحكومة القائمة ولا التكتلات السياسية، ومنها "العراقية"، ينشدون الديمقراطية. فحتى لو أن "العراقية" تسلمت مقاليد السلطة لأحالتها إلى توافقية لا ديمقراطية، وما أشبه التوافقية بالدِّكتاتورية، لأنها تصادر الأصوات، وتحول عملية الانتخابات إلى لعبة "الحية والدَّرج"، وتبقي على الوجوه نفسها بلا تغيير، ومَن فسد ظل في فساده عابثاً بثروة البلاد، والميكانيكي يستمر رئيس مخابرات. كانت فرصة للعراقية تأسيس وضع ديمقراطي، يتقدم مع الأيام، ليكون سلوكاً مع الدورات الانتخابية المتعاقبة، لكنها خذلت منتخبيها، وارتضت بالمناصب، وهي سقط المتاع قياساً باستقرار البلاد، وظلت، وهي الفائزة بواحد وتسعين صوتاً، تستجدي درجات وظيفية، مِن نيابات وإدارات عامة. تنتظر بانكسار وظيفة لرئيسها، الذي ظل يتطلع إلى رئاسة الوزراء بشراهة، وظيفة مازالت غير مفهومة عصية على التَّفسير "مجلس السياسات"! وما هو عمله؟! قالوا: إنه بموازاة رئيس الوزراء! ها هي سنتان ولم يُنصب رئيس "القائمة" في المنصب العجيب، بل لم يحصل للعراقية اختيار وزير دفاع، وهو من حصتها، على أن يكون سُنياً؟! كانت انتهازية معلنة أن يقبل قيادي في القائمة العِراقية بمنصب نيابة رئاسة الوزراء، ويصمت بعد أن كان مغرداً؛ وسكت الآخرون طرباً بالمناصب. ومن عجب أن القائمة وافقت باتفاقية أربيل، وأخذت تشكو الأمم المتحدة والجامعة العربية لعدم تطبيقها، مع أن الدَّاني والقاصي يدرك أنها لم ولن تُنفذ، إنما كانت بيعاً وشراء، بيع دماء الذين قضوا مِن أجل نفحة الأمل في الدِّيمقراطية، وأصوات الملايين التي انتخبت العراقية والثَّمن كان "تفاليس". أما "التَّفاليس" فهي كناية شائعة بين العراقيين، يُكنى بها عن بخس الثَّمن، منحوتة مِن الفلس كأصغر نقدٍ. فلأبي الطَّيب المتنبي (اغتيل 354 هـ): "أن أذنه في يد النَّخاس داميةً/ أم قدره وهو بالفلسين مردودُ" (الدِّيوان). وتجد أهل العراق يسخرون مِن البخيل بكُنية "أبي فليس". يا أقطاب العراقية! لا تندبوا حظكم عند القمة العربية، لقد بعتم والآخرون اشتروا؟! ومَن لا يعجبه فتهمة الإرهاب جاهزة بوجود قاضي قُضاة مطيع لإصدار مذكرة اتهام واعتقال! رشيد الخيّون

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية